زمن يغادرك .. وزمن يغمرك الآن.. وزمن تتأمل لقاءه.. فأيهما أقرب إليك وأيهما تفضله.. وأيهما تقترب منه ؟! العيد هو ذلك الدافع المحرض على بحثك عن لحظة استثنائية مميزة.. يحدث ان تشتاق الى شيء ما .. ان يجتاحك حنين جارف إلى أمر مستحيل.. تحمل إليك الذاكرة بإلحاح وجها حبيبا نأى عنك بعيدا.. يحدث ذلك فقط في زمن بعينه.. في العيد! نعم إنها لحظة استثنائية مميزة.. تذكرت جيدا بأنني لامست تلك اللحظة في اكثر من موقع وفي اكثر من ناحية وفي اكثر من كتاب أو رواية أو قصة هنا أو هناك.. صادفتها في عبارات للشاعر عبدالوهاب البياتي وهو يتحدث عن مقاطع من سيرة حياته حين يقول: «كنت أصلي الفجر وأتوضأ بنوره الذي يطرد الغبش فجدي كان رجل دين يستيقظ في كل فجر وكنت أؤدي الصلاة معه ثم نفترق لكي نلتقي في فجر آخر». ويقول أيضاً: «إن بعض الكلمات لتكتسب في عيني أحيانا صفات الكائن الحي فلا تكون مجرد كلمات مفردة، إذ تضغط وتثوي فيها عوالم كبيرة ورؤى ذكريات حتى تصبح أشبه بالقمقم الذي حُبس فيه العفريت او الجني الذي هو الحياة، تظل مثل هذه الكلمات تطاردني وتفرض وجودها عليَّ بصورة طبيعية كأنها من ذاتي وليست عبئا عليها، وهي أحيانا رموز ومفاتيح لأشياء نسيت وماتت وترسبت في اعماق الروح، وفي أحيان اخرى تصبح دلالات على اشياء غير موجودة في هذا العالم على الاطلاق او أنني أتمنى أن تكتسب هذا الوجود». صادفتها أيضاً في مشهد طريف لطفل صغير يفترش الارض قرب الشاطئ وبيده قطعة كعك صغيرة فتطوف الطيور البيضاء حوله وهو في حالة انبهار ودهشة يمازجها خوف بريء من تلك الكائنات الغريبة التي يراها لأول مرة في حياته.. تقترب الطيور لتلتهم شيئا من الكعك من يده فتزداد دهشة ثم ينخرط في البكاء خوفاً وتضحك أنت لبراءة الاطفال.. وجدتها أيضاً في تلك الابيات لأبي صخر الهُذلي: «وإني لتعروني لذكراك هِزّةٌ كما انتفض العصفور بلّله القطر هجرتُكِ حتى قيل لا يعرف الهوى وزرتُكِ حتى قيل ليس له صبر»