في صبيحة يوم جميل يغري على التمسك بالحياة، خرج نبيل هذا الشاب اللطيف الوديع الذي يخفي بداخله محبة لاتسعها الارض، وشخصية هادئة يكره الازعاج ويحب العزلة والجلوس في الظلام وتأمل القمر... خرج من منزله متجهاً إلى مدرسته، وكالعادة لابد أن يقبل رأس والديه قبل الخروج، وها هو بأناقته ورشاقته وحيويته يتجه نحو مدرسته مشتاقاً لزملائه ومدرسيه اللذين يحبونه كثيراً، لم يكن يعلم نبيل أن هذا اليوم هو آخر يوم يقبل فيه رأس أبيه، فحياتنا اليومية فيها الكثير من المفاجآت والمتغيرات التعيسة والحزينة أحياناً التي تصيب المرء فتؤثر على سلوكه ونفسيته ومزاجه... وهذا بالفعل ماحصل لنبيل في ظهيرة هذا اليوم عندما عاد من مدرسته منهمكا ومتعبا.. دخل المنزل فأخافه وأرعبه السكون الذي يعمه، حيث لم يعتد على ذلك. فأين ذاك الببغاء المشاكس الذي يستقبله عندما يأتي ويردد عليه كلمات الترحيب كأنه يرحب بقدومه؟!.. وأين ذاك القط المرح الذي يلتف حوله ويداعبه ويطارده في جميع أرجاء المنزل وكأنه يحرسه؟.. والأهم من ذلك كله أين والداه اللذان ينتظرانه دائماً ليشاركهما وجبة الغداء... كل هذا اصبح لا وجود له في هذا اليوم بالذات، لابد أن هناك أمراً ما.. دخل المنزل بخُطى متثاقلة يجوب فيه يمنةً ويسرة وينادي: أبي.. أمي أين أنتما؟! ... لا أحد يجيب! وظل ينادي حتى سمع صوت نحيب يصدر من غرفة والديه ... اتجه نحو الغرفة بسرعة الريح ودخلها، فوجد والدته تبكي بكاء يخفي امراً حزيناً.. جلس بجانبها شحب وجهه وهو يقول: أمي .. ما بك .. ماذا هناك؟! الأم: لم تستطع أن تجيب من هول الصدمة فأشارت إلى صورة أبيه المعلقة على حائط الغرفة وهي تبكي، ... عندها أحس نبيل أن هناك مكروهاً قد أصاب أباه... فبعد إلحاح شديد لمعرفة سرك بكاء أمه، علم أن أباه قد توفي في حادث مروري في الساعة العاشرة من صباح هذا اليوم... لم يتمالك نفسه فأصيب بهزة نفسية من هول ماسمع فصرخ وبكى ثم توقف فجأة ينظر لصورة أبيه المعلقة قائلاً: أبي .. إني بأمس الحاجة لك .. ولا معنى للحياة بدونك، ... ثم استلقى على سرير وعاد للبكاء. وبعد مرور شهر على هذه الأزمة كتب له أن يواجه ويصدم بمصاعب الحياة مبكراً، فهجر المقاعد الدراسية واتجه للعمل في احدى المؤسسات التجارية المجاورة لمنزله ليعود نفسه ووالدته على تخطي مصاعب الحياة.. وظل على هذه الحال وهو يخفي في قلبه طيات الأسى والألم حتى تحسنت ظروفه المعيشية رغم معاناته النفسية تجاه والده الذي لم يغب عن مخيلته إطلاقاً، ومن سوء حظه أنه ليس لديه أخوال ولا أعمام فلم يبق له في الدنيا سوى والدته التي يحبها كثيراً ولايرفض لها طلباً وينفذ أوامرها دون أي أسئلة، فكرس طاقاته ووظفها في خدمتها، .... وفي ليلة من الليالي التي اكتمل فيها القمر وظهر بأروع صورة كانت والدة نبيل في زيارة خاصة لإحدى جاراتها التي تسكن بجوارهم .. أما نبيل فكان في فناء منزلهم منهمكا بقراءة كتاب ... توقف قليلاً عن القراءة ورفع رأسه يتأمل روعة السماء ومصابيحها التي التفت حول القمر كأنها تزفه، وما ان انزل رأسه حتى فوجىء برجل ضخم جميل الهيئة تفوح منه رائحة عطر ساحرة، يقف بجانبه محدقاً عينيه باتجاه الارض، دهش وصعق نبيل لضخامة هذا الرجل وجمال هيئته وقال والخوف يسيطر عليه: من أنت؟! وكيف دخلت المنزل؟! لابد أنك لص محترف. فالتفت هذا الرجل نحو نبيل بضخامته الهائلة ورائحته الزكية ووجهه المضيء قائلاً: لاتخف يابني .. هدىء من روعك، فأنا لست لصاً ولاغير ذلك، أنا البديل جئت لمهمة انسانية عاجلة. نبيل مندهشاً: البديل، لم اسمع بهذا الاسم من قبل! ماذا تقصد؟ لم أفهم شيئاً مما تقول! أخبرني أي كائن أنت وكيف دخلت لمنزلنا وماهي مهمتك؟! وإلا أخبرت الشرطة في الحال. البديل : اسمي البديل. وعرف عني مجابهة أقصى الظروف والاجواء العاتية ولدي قوة خارقة تجعلني اتحرك كالبرق وتجعلني من اخطر الشخصيات وعن طريقها دخلت لمنزلكم وأتيت لمهمتي وهي ان اقوم بمثابة ابيك وأعوضك الحنان والعطف سأنفذ كل ما تطلبه وكل ما تقوله سيتم تنفيذه في الحال. نبيل في حالة ذهول : ولماذا أنا بالذات، فهناك العديد يعاونون مثل معاناتي!. البديل: لأنك شخصية فذة بكل المعاني، وقد أحببتك في الله منذ زمن بعيد وكم تمنيت لقاءك وها أنا أتشرف بمعرفتك، ثم إني أحب وأميل الى الشخصيات ذات الطابع الهادئ والتي لاتحب الاعلان عن وجودها وانت احدى هذه الشخصيات، طاعتك وبرك لامك والصمت وعدم التحدث الا عند الضرورة والصلابة والطيبة والبراعة. نبيل: أنا جريء ولا أخجل من قول الحقيقة وأكره المجاملات التي أضرت بنا جميعا ويجب أن نضع لها حداً. نبيل : وماذا تريد مني؟!! البديل : تأملت حالتك بعد وفاة والدك فوجدت العزلة والانطواء تأسرك فخشيت عليك أن تكون فريسة سهلة لأصدقاء السوء ومن ثم السقوط في هاوية الانحراف، فأتيت لانقاذك قبل فوات الأوان،.. فأريدك أن تعتبرني أباً وأخاً وصديقا والبديل لكل ما حرمت منه، الأيام القادمة كفيلة كي تخبرك بصدق مشاعري نحوك. نبيل: آه .. ثم آه، أين أنت منذ زمن؟ فأنا الآن بأمس الحاجة لمساعدتك والوقوف بجانبي لتخطي مصاعب الحياة، أرجوك لا تبتعد عني وتتركني وحيدا بين الضعف والهوان اسيرا للوحدة والحرمان، فلحظات الفراق من اقسى اللحظات التي تمر على المرء. البديل : لاتخف .. سأكون بجانبك، وموعدنا عند الساعة الثانية عشرة من مساء كل يوم خميس، وكل ما أرجوه منك ان تجعل علاقتي ومعرفتي بك سرا لايعلم بها احد مهما كان حتى يتهيأ لي لقاؤك وتستمر صداقتنا، فإن أفشيت السر فسوف تعرض حياتي وحياتك للخطر ولن تراني إطلاقاً ... والآن اغمض عينيك لبضع ثوان لكي أذهب. أغمض نبيل عينيه لمدة لاتتجاوز ثلاث ثوان وعندما فتحهما تفاجأ بعدم وجود هذا الرجل الضخم العجيب الذي اطلق على نفسه اسم البديل عند ذلك بدأ نبيل يخاطب نفسه قائلاً: يا إلهي من هذا الرجل الغامض؟! وهل هو صادق فيما يقول وجاد في مهمته؟! وهل هو صادق فيما يقول وجاد في مهمته؟! يجب ان أستكشف شخصية هذا الرجل مهما كلف الامر من تضحيات ... واذا بأمه قد أتت وقطعت شروده قائلة: نبيل، ماذا تفعل هنا، ولماذا لم تنم حتى الآن؟ نبيل : أمي العزيزة، أنت تعلمين بأني أحب الليل كثيراً وخاصة عندما يكتمل القمر ... ما اجمل الليل وهذه بالذات. الأم مندهشة : ولماذا هذه الليلة بالذات؟! نبيل مرتبكاً: لاشيء يا أمي، «ثم اغلق الكتاب الذي بين يديه ونهض من مكانه قائلاً: حان وقت النوم، فهناك عمل شاق بانتظاري غداً.. تصبحين على خير يا امي الغالية. الأم وبنظرات حادة : تصبح على خير يا بني ... «ثم قالت في نفسها : ماذا يخفي هذا الولد إنه ليس على مايرام ولم أعهده كذلك». مرت الأيام والشهور «ونبيل» لم يكتشف حتى الآن شخصية البديل حيث باءت جميع محاولاته بالفشل، لكنه مازال محتفظاً بالسر وعلى علاقة حميمة وقوية مع رفيق دربه «البديل» الذي سخر جل وقته واهتماماته في خدمة نبيل فساعده في كثير من امور حياته ولم يبخل عليه بشيء، ... أما والدة نبيل فقد توفيت إثر عارض صحي ألزمها الفراش لعدة ايام في احد المستشفيات، فقد تدهورت وساءت حالة نبيل واصبح في حالة يرثى لها ووحيداً بلا اب ولا ام .. عندها ازداد تمسكه وتعلقه بصديقه البديل الذي شاركه الحزن والعزاء في وفاة والدته ... وفي ليلة من الليالي وعند الساعة الثانية عشرة اتى البديل وعرض علي نبيل الاقامة والعيش معه لكي ينسى ما هو فيه من احزان وآلام اوشكت ان تقضي عليه، فبدون تردد وافق نبيل في الحال، عندئذ قال البديل: هيا بنا فهناك الكثير من اصدقائي يتمنون رؤيتك ويتشرفون بصحبتك، ... اصعد فوق ظهري وتمسك بي جيدا واغمض عينيك ولا تفتحها الا عندما اطلب منك ذلك، ... صعد نبيل فوق ظهر هذا ثم الرجل ثم حلق به في اعماق السماء الى عالم مجهول مليء بالغموض، حتى اختفيا عن الانظار، وبعد فترة وجيزة اعلن عن اختفاء نبيل في عدة صحف ومجلات ووضعت مكافأة قيمة لمن يعثر عليه، وحتى الآن لم يعلم احد ماسبب اختفائه حيث مازل البحث جارياً عن هذا الشاب المفقود الذي اختطفه صديقه البديل بطريقة غير مباشرة ... ولكن يبقى هنك سؤال يطرح نفسه باحثا عن إجابة وهو : ماذا لو علم نبيل ان صديقه البديل له القدرة على التخفي والظهور بعدة صور !!! ماذا ستكون ردة فعله؟! وماذا سيكون مصيره؟! وهل سيصدق الناس بقصته؟! نترك الاجابة معلقة لدى نبيل حتى يتم العثور عليه.