من آفات هذا العصر ومصائبه وهي كثيرة ما يمكن ان ندعوه بالمبالغة والاسراف من دلائل التبذير غير المحمود والاندفاع الذي لا ضرورة له وهي عامة من تأثير التخمة التي تؤدي إلى التصرف بلا حكمة أو تدبر رغم ان ديننا الحنيف قد نهى عن هذا السلوك المتطرف «والله لا يحب المسرفين» وقد يكون في الغالب مردُّ ذلك إلى أمرين لا ثالث لهما وهما الافراط في الحب أو المبالغة في الكره بينما اوسطها هو الافضل، إذ يجعلك في موقف الاتزان «لا تفريط ولا افراط» وهناك مئات الأمثلة التي أودت بمرتكبها إلى أسوأ العواقب سواء في محيط الأسرة أو المجتمع. فالأب الذي يقرب احد الأبناء ويبعد الآخرين تنقلب حياته الى مأساة يدفع ثمنها ذلك المقرب الى قلب والده بشكل أو بآخر، وقد ضرب لنا القرآن الكريم مثلاً على ذلك قصة يوسف عليه السلام وإخوته الذين تأمروا عليه فألقوه في الجب. ونحن نرى ان الاسراف في حياتنا الراهنة يأخذ مسارات كثيرة ومتنوعة منها ما تفعله الأمهات مع الأبناء عندما تكثر من الثرثرة مع الأب من أحد الأبناء كبيرهم في الغالب أو أصغرهم حتى تدفع والده الى السماح له بالسفر منفرداً رغم صغر سنه مع لداته الذين لا يخلو بعضهم من عدم الاتزان والتصرف الاهوج فتكون العاقبة الوقوع في مصائب نسمع عنها كثيراً ولا نتعظ أو شراء ما لا يتيحه عمره السيطرة عليه مثل قيادة العربات للصغار دون ترخيص والذين يرتكبون في شوارعنا من الحوادث ما يزهق أرواح الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا جريرة سوى إصرار الأم الساذجة على رسم بسمة باهتة على وجه صبي بينما تزرع الأحزان في قلوب الآخرين مدى العمر! ثم هذه الولائم والبذخ الذي نصادفه باستمرار فيما حولنا حين تنحر الذبائح وتقام ولائم صارخة لمناسبات صغيرة من بينها عودة فلان أو علان من سفر أو حضوره من القرية. نحن لا ننكر الاحتفاء بالقادم قريباً أو عزيزاً علينا ولكن مع التدبير الحسن . أحد الذين نالوا الاحتفاء الكثير من جماعته قال لهم بلسان متلعثم: إنما جئت ابحث عن عمل حتى أقوم بواجبي نحو أسرتي الفقيرة افلست على استحياء أحق بان أنال عينة من هذا التبذير حتى أشرك به افراد اسرتي الجائعين ! إنها من مظاهر العادات الغابرة في الاسراف التي لم يعد العصر يستسيغها او يتقبلها على علاتها وقد ادخلوا مؤخراً عنصراً وجاءت الاعلانات الصحفية لتدعم هذا التوجه في المبالغة ترفيعاً في وظيفة أو زواجاً وحى تأبيناً لا نعني بذلك عدم اعطاء الآخرين حقهم من الاستحقاق والتكريم إنما على هيئة كتابة مقنعة بما يتمتع به المحتفى به من صفات ومكارم غير اعلانية مبهمة حتى يكون قدوة حسنة للذين يبحثون في خير الناس ودعم مسيرة العمل المنتج الذي يستحق الاشادة والتقدير. إنما أمثلة بسيطة كم أتمنى أن تختفي بالتدريج حتى لا نكون اضحوكة ومثار غمز ولمز للوسائل الوصولية التي تحاول تجنبها الا عن استحقاق للذين يشاد في انجازاتهم واعمال الخير التي فعلوها لغيرهم مثل العلماء واصحاب القلوب الرحيمة وهم كثر في مجتمعنا ولله الحمد. للمراسلة ص.ب 6324 الرياض 11442