السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد حظيت وزارة المعارف منذ بناء قواعدها على يد مؤسسها ووزيرها الأول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز على دعم مميز واهتمام بالغ إدراكاً من القيادة بأن إعداد الأمة وبناء الحضارة إنما يكون بالعلم، إذ به تسود الأمم وتقود الشعوب حتى لا تدخل مدينة بل قرية إلا وتجد فيها تلك المعالم البارزة «مدارس وزارة المعارف» حيث انتشرت في المدن والقرى بل على رؤوس الجبال فأضحى لدى تلك الوزارة ما يربو على عشرة آلاف مدرسة يعمل بها ما يربو على مائة وستين ألف معلم ومدير ومرشد بكل جد واجتهاد وفق خطط مرسومة وبرامج مدروسة. وحيث إن التعليم العام يحتاج إلى إعداد كوادر علمية تربوية مبنية على حاجة الميدان وفق دراسة علمية من الواقع. لذا كانت خطوة الوزارة بإيجاد رافد علمي مواز للتعليم العام وهو التعليم الجامعي الذي يهدف إلى إعداد المعلم وتدريبه وفق خطط مدروسة وحيث نسمع بين وقت وآخر من يتساءل عن وجود كليات جامعية )ممثلة في كليات المعلمين( تحت إدارة وإشراف وزارة المعارف. وهذه قضية تثار كثيراً وكان من آخرها ما طرح على معالي وزير المعارف في المقابلة التي أجرتها مع معاليه جريدة الجزيرة الغراء قبل بضعة أيام ورغبة في إيضاح أهمية بقاء الإشراف على كليات المعلمين من مسؤولية وزارة المعارف وذلك للأسباب التالية: أولاً: أهمية إعداد برامج تأهل المعلمين تحت إشراف أيد تربوية لها صلة بالميدان وهذه أهم قضية قامت عليها كليات المعلمين مذ كانت معاهد معلمين ثم كليات متوسطة حتى أصبحت كليات جامعية إذ لا يخفى أن التنظير وحده مهما كان جيداً سيبقى ناقصاً وغير فعّال إذا لم يدعم من الميدان ومما يؤكد هذه الحقيقة أنه حتى العاملين في قمة هرم الوزارة رغم قربهم من الميدان ونزولهم إليه لا يمكن أن يتخذوا قراراً في أمور أساسية دون أخذ آراء من هو من الميدان بشكل يومي وهذه حقيقة تذكر وتحفظ لمعالي وزير المعارف. فإذا لم يكن لدى الوزارة كليات جامعية تعد المعلم وتحت إشراف من سوف يعمل لديه المعلم وفق برامجهم التي يتطلبها الميدان فإن هذا سوف يؤثر سلباً على المخرجات ويعجبني كثيراً ما علق به معالي الوزير في الجواب عن وجهة نظره في بقاء الكليات ضمن إشراف الوزارة بقوله «الكليات للوزارة كالخباز في البيت وخارجها كالخباز في الشارع» ومعناه أن الكليات إذا كانت تحت إشراف الوزارة فإن إعداد المعلم سيكون وفق المعايير التي تضعها الوزارة وتسعى إليها أما إذا كانت تحت إشراف جهة أخرى فلا يمكن أن يكون للوزارة دور في إعداد برامجها. ثانياً: التوجيهات السامية تؤكد على أن الواجب أن يكون الحد الأدنى للمعلم ولو كان في المرحلة الابتدائية أن يكون ممن يحملون البكالوريوس. والواقع الميداني يؤكد أن أكثر من ثلاثين ألف معلم لا يزالون يعملون بمؤهل الدبلوم وهو الذي حفز الوزارة أن تتخذ قرارها بضرورة مواصلة هؤلاء لتعليمهم حتى إتمام برنامج البكالوريوس إما عن طريق التفريغ الكامل أو الدراسة المسائية، حيث أضحى في كليات المعلمين آلاف من الدارسين )وهم المعلمون الذين يواصلون تعليمهم الجامعي( على مقاعد الدراسة في جميع التخصصات وذلك لفرع تأهيلهم العلمي فلو لم يكن لدى الوزارة هذه الكليات فأين تواصل الآلاف الباقية تعليمها؟ أعلى مقاعد الجامعات؟ إنه لصعب جداً أن تخصص الجامعات وعلى مقاعدها عشرات الآلاف من الطلاب مقاعد وبرامج لهؤلاء الدارسين وهو وضع موجود لا بد من إيجاد الحلول الصحيحة له. ثالثاً: يقوم برنامج البكالوريوس في كليات المعلمين على إعداد «المعلم الشامل» وهذا لا يوجد في أي جامعة من الجامعات السعودية بواقع 42 وحدة للإعداد التربوي و68 وحدة للإعداد العام و40 للإعداد التخصصي - بغض النظر عن الفكرة وتطويرها - وذلك حتى يتمكن الخريج من تدريس أي مقرر من المقررات في المرحلة الابتدائية وقد يتساءل شخص وهل الوزارة مضطرة إلى ذلك؟ فالجواب نعم ولا يدرك هذه الحقيقة إلا من خاض غمار الميدان فتصور مدرسة ابتدائية في قرية نائية «وما أكثرها» قد لا يتجاوز طلابها خمسين طالباً وفيها جميع التخصصات قرآنية وإسلامية ولغة عربية وعلوم ورياضيات وتربية بدنية وفنية واجتماعيات فلو افترض أن الوزارة وضعت في كل تخصص معلما لكان ذلك يعني وجود ثمانية معلمين لخمسين طالبا،ً فتصبح نسبة الطلاب للمعلمين حوالي )1-6( وهذه النسبة نصف ماهو موجود في أرقى الجامعات العالمية المميزة ولك أن تتصور أن بعض جامعاتنا تصل النسبة فيها إلى )1- 45( فكم من الهدر الاقتصادي والوقتي لهؤلاء المعلمين وعلى حساب الوزارة يستطيع أن يكمل نصابه في مدرسة أخرى لأنه في كثير من الأحيان تجد أقرب مدرسة تبعد مسافة قد تصل إلى نحو 10 كم لذا اضطرت الوزارة للعمل على تخريج المعلم الشامل لحل مثل هذه المشكلة ومع ذلك لا تزال الجهات الرقابية ترى أن لدى الوزارة هدر بشرى وذلك لعدم الإحاطة بهذه الدقائق وتقديرها. رابعاً:التدريب لمن هم على رأس العمل ضرورة ملحة لذا تعمل الوزارة وعن طريق الكليات على إقامة دورات قصيرة لتدريب المعلمين حيث تدرب الكليات حوالي عشرين ألف معلم في العام الواحد وعلى هذا نحتاج من خمس إلى ست سنوات حتى يتم تدريب جميع المعلمين الذين هم على رأس العمل في الوزارة هذا مع وجود الكليات فكيف سيكون الوضع لو لم تكن هذه الكليات لدى وزارة المعارف، ولا أظن تربوياً يمكن أن يدعى أن المعلم لا يحتاج إلى تدريب فالإنسان الذي يتوقف نماؤه العلمي بتوقف عطاؤه العلمي لاسيما وطرائق التدريس ووسائله تتطور بشكل كبير. مما يجعل التدريب جزءاً أساسياً في كليات المعلمين لا يمكن أن تستغني عنه وزارة المعارف إذا أرادت أن تواكب التطور العلمي والتقني في ميدان التربية والتعليم. خامساً: لدى الوزارة دورات فصلية طموحة لمديري المدارس فقد شرعت الوزارة في هذه الدورات منذ عام 1415ه وقد نفذت الآن تسع كليات هي: الرس، أبها، حائل، جدة، الطائف، المدينةالمنورة، الرياض، الأحساء، جازان، حيث يدرب في العام الواحد ألف مدير ووكيل مدرسة وإذا علم أن لدى الوزارة ما يقرب من عشرة آلاف مدرسة فكم تحتاج من السنوات لتدريب الهيئة الإدارية من مديري ووكلاء مراحل التعليم الثلاث وذلك وفق برنامج مدروس فماذا تعمل وزارة المعارف لو لم يكن لديها هذا العدد من الكليات، ومن حق القارئ أن يسأل أليست الوزارة تدربهم أيضاً بجامعة الإمام والملك سعود وأم القرى وهذا الكلام صحيح إلا أن العدد الذي يمكن أن يتدرب في هذه الجامعات لا يتجاوز ما يتدرب في كلية معلمين واحدة والجامعة معذروة في ذلك لأن الجامعة تخدم جميع القطاعات الأخرى فليست مختصة بوزارة المعارف هذا إضافة إلى تنفيذ الكليات لبرنامج محضري المختبرات وتحت الدراسة دورات في الإشراف التربوي والإرشاد الطلابي وغيرها. سادساً: لو لم توفق الوزارة لهذه الخطوة الرائدة لترتب على الوزارة هدر هائل في التدريب حيث يتبع الوزارة أربعون إدارة تعليم ملحق في كل منها «إدارة للتدريب» وغالب إدارات التدريب في الإدارات التعليمية تعتمد على أعضاء هيئة التدريس في الكليات وذلك لأن أكثر منسوبي التعليم العام من حملة البكالوريوس والتدريب يحتاج إلى حد كبير إلى أصحاب المؤهلات العليا من أساتذة الجامعات والكليات فلو لم يكن لدى الوزارة هذه الكليات لكانت بين أمرين إما أن تؤمّن أساتذة في التدريب من المؤهلين تأهيلاً عالياً وهذا سوف يترتب عليه هدر اقتصادي هائل أو توقف التدريب وهذا سوف يترتب عليه خطأ تربوي فادح أو تلجأ إلى الجامعات والتي هي الأخرى مشغولة بنفسها فضلاً عن أن تغيث غيرها بالإضافة إلى بعدها عن معظم إدارات التعليم. لذا عملت الوزارة على الاستفادة من أعضاء هيئة التدريس في الفترة الصباحية في إعداد معلم المستقبل وفي الفترة المسائية لتدريب معلم الحاضر. سابعاً: من بركات هذه الكليات على الوزارة أن عددا من القياديين في الوزارة من الكوادر التعليمية في الكليات وهذا أمر نفخر به وكم سوف تحتاج الوزارة من الإجراءات الطويلة المعقدة والتي قد لا تفلح للاستفادة من هذه الخبرات الرائدة وأعرف شخصياً عددا منهم يعملون في التدريس بالكلية ويعملون في الوزارة في الأيام التي ليس لديهم فيها محاضرات وفي الفترة المسائية بدون أجر يتقاضونه إلا من الله تعالى . ثامناً: أثنى على المقال الذي كتبه الدكتور/ صالح بن أحمد الدويش في الجزيرة عدد 10355 وتاريخ 9/11/1421ه والمتضمن المطالبة بجامعة العلوم التربوية وطالب أن تكون كليات المعلمين نواة لهذه الجامعة وأنا أبشره أن كليات المعلمين هي الجامعة التربوية الفعلية وهي كما سماها سعادة الدكتور/ عبدالعزيز الثنيان وكيل وزارة المعارف سابقاً أثناء حفل توديع معالي الدكتور/ عبدالعزيز الخويطر واستقبال معالي الدكتور/ محمد الرشيد وزيراً للمعارف )كليات المعلمين هي الجامعة الثامنة في المملكة( وهي الجهة التعليمية الوحيدة في المملكة المتخصصة بإعداد المعلمين فقط فلا يتخرج من كليات المعلمين إلا معلم فلا هي تخرج مهندسين ولا فنيين إنما تخرج فئة متخصصة وهم المعلمون وهذه ميزة لا توجد في الجامعات السعودية الحالية. تاسعاً: تميزت الكليات بانتشارها الواسع في ربوع المملكة فهي توجد في ثمانية عشر موقعا في هذه البلاد المباركة وانتشارها بهذا الشكل أمر ضروري لانتشار تعليم وزارة المعارف في كل منطقة ومحافظة وقرية وسهل وجبل، لذا كان بيت الخبرة كما سماها معالي وزير المعارف، ضرورياً وقريباً من الميدان، لإجراء البحوث والدراسات وإعطاء الجرعات والدورات لرجال الميدان ثم هي نور مشع في أرجاء هذه القارة المترامية الأطراف لا يوجد لها نموذج في أي من الجامعات حيث إن الجامعات يقتصر وجودها على المناطق الرئيسية في المملكة. عاشراً: إشراف وزارة المعارف على تعليم جامعي )كليات المعلمين( ليس بدعا،ً ففي الكثير من الدول تجد أن التعليم عموماً تشرف عليه )وزارة التربية والتعليم العالي( ويوجد في هذه الوزارة من الأكاديميين الذين يشرفون على هذا الجانب من التعليم وهذا موجود في الدول الأخرى كما هو موجود لدى بعض الجهات في المملكة كالرئاسة العامة لتعليم البنات والمؤسسة العامة للتعليم الفني ووزارة الصحة وغيرها. والله الموفق د. عبدالرحمن بن صالح الغفيلي عميد كلية المعلمين بمحافظة الرس