مع تردي الأوضاع الاقتصادية، وسوء الأحوال الأمنية وعدم وجود دولة قوية لبسط نفوذها على منطقة (نجد) وما حولها قروناً طويلة قبل قيام دعوة الإمامين رحمهما الله في منتصف القرن الثاني عشر، إلا أنه يوجد في بعض أقاليم اليمامة مدن (نجدية) تواجد بها عدد من العماء (كأشيقر) في شمال الوشم و (العيينة والجبيلة ومقرن) في إقليم العارض تواجدوا فيها قبل قيام الدعوة، بل في زمن مبكر جداً وبرزت شخصياتهم بعد منتصف القرن التاسع الهجري تقريبا. ففي (أشيقر) برز أحد عشر عالماً في القرن العاشر من أوائلهم الشيخ محمد بن مانع بن شبرمة والشيخ حسن بن بسام ت 945 ه والشيخ أحمد بن محمد بن مشرَّف ت1012 ه والشيخ عبدالله بن عبدالوهاب بن مشرَّف ت1056 ه. وكان للثلاثة الأخيرين دور ريادي في طلب العلم خارج نجد فلقد شدوا الرحال إلى مصر والشام فأخذوا عن شيوخ المذهب الحنبلي في تلك الفترة وهم: 1 الشيخ موسى الحجاوي المتوفى عام 960 ه في دمشق, 2 الشيخ منصور البهوتي المتوفى عام 1051 ه في القاهرة, 3 الشيخ مرعي بن يوسف المتوفى عام 1033 ه في القاهرة,وفي (العيينة) (1) برز الشيخ أحمد بن يحيى بن عطوة المتوفى عام 948 ه والذي طلب العلم في (نجد) ثم رحل إلى (الشام) وتلقى عن شيوخه هناك ومنهم: الشيخ أحمد العسكري والشيخ يوسف عبدالهادي والشيخ علي المرداوي فلما برز في العلم عاد إلى (العيينة) وجلس للتدريس والافتاء ثم انتقل إلى (الجبيلة) في آخر حياته حتى توفي بها. وفي (مقرن) الرياض حالياً, الشيخان زامل بن سلطان اليزيدي والشيخ سليمان بن شمس وهما من علماء القرن العاشر والشيخ زامل بن سلطان رحل إلى دمشق ثم إلى مصر وطلب العلم فيهما حتى تمكن ثم عاد إلى بلده مقرن وتخرج على يديه عدد كبير من طلاب العلم. ************* انتشار المذهب الحنبلي في (نجد) لرحيل علماء (أشيقر) 1 حسن بن بسام، 2 أحمد بن مشرَّف، 3 عبدالله بن مشرَّف، وعالم (العيينة) أحمد بن عطوة وعالم (مقرن) زامل بن سلطان، أقول: لرحيل هؤلاء العلماء الخمسة (النجديين) إلى مراكز العلم خارج الجزيرة العربية (دمشقوالقاهرة) أثر كبير في نشر العلم في (نجد) ونقل المذهب الحنبلي إليها بل أساس النهضة العلمية بها لتلقيهم العلم عن شيوخه فلما نبغوا فيه عادوا إلى أوطانهم في (نجد) وجلسوا للتدريس والافتاء والقضاء وأصبحت أوطانهم مراكز إشعاع يؤمها طلاب العلم من كل حدب وصوب وساهموا مساهمة فعالة في نقل المذهب الحنبلي ونشره في (نجد) حتى اتسع أفقه واشتهرت كتبه وكثر أتباعه. وخصصت هؤلاء الخمسة لأن لهم دورهم الفعال في التعليم ولهم تلاميذهم الذين أخذوا عنهم، وقد ذكرت كتب تراجم الحنابلة إشارات لغيرهم من النجديين في القرن التاسع فقد ترجم ابن عبدالهادي (2) 840 909ه في كتابه الجوهر المنضَّد في طبقات متأخري أصحاب أحمد لثلاثة ممن تلقوا العلم على يديه في الشام من أهل (نجد) وهم: 1 رحمة النجدي، 2 فضل بن عيسى النجدي وهذا توفي في دمشق، 3 قاسم النجدي، وكل ما كتبه ابن عبدالهادي عنهم ما هي إلا إشارات خاطفة لا تذكر أسماءهم كاملة ولابلدانهم ولا مآلهم بعد دراستهم، لذا ليس لهم دور يذكر في التعليم ونشر المذهب الحنبلي. إن ما ذكرناه آنفا يعكس لنا الحالة العلمية في (نجد) في القرنين التاسع والعاشر، وانتشار المذهب الحنبلي في تلك الفترة، واهتمام العلماء باقتناء كتبه وتدريس متونه وشروحه. أما القرنان الحادي عشر والثاني عشر فقد تضاعف عدد العماء فيهما وبرزت مدن جديدة في (العارض وسدير والوشم والمحمل والقصيم والأحساء والزبير) هذه المدن تغص بالعلماء وطلابهم مما يدل على اتساع دائرة التعليم ونمو الحركة العلمية وازدهارها في (نجد) قبل الدعوة.