ارتعش قلبها، عرفت في تلك اللحظة فقط، أنه كان يبيت لها هذه الخطة منذ الصباح، والتجوال الذي قام به على المدن والقرى في الجزء الأول من النهار، أراد به تضخيم وقع المفاجأة على قلبيهما, هكذا يبدأ عارف علوان روايته القصيرة ذات العنوان الشهي غرفة البرتقال وللتو تتسرب إلى أعماقك رائحة القداح وعطر زهر البرتقال حين يتفتح أيام الربيع المضيء ناشراً عبقاً يدغدغ الروح بنشوة التطلع, وعارف علوان ولد في العراق عام 1941م, تنقل وعمل في الصحافة بالعراق وسوريا والرباط والقاهرة وروما ليستقر أخيرا في لندن مثل كل المبحرين وراء أحلام الاستقرار, وروايته هذه يستغرق زمنها الحقيقي 45 دقيقة: تغطي ثلاثين عاما من حياة امرأة. ثلاث شخصيات فقط في سيارة يقودها الزوج وتجلس إلى جانبه زوجته وفي المقعد الخلفي يجلس ذلك الشخص,, الصديق العدو الغامض الصامت,, كل منهم يضغط عليه الزمن بطريقة مختلفة، فهل يصلون إلى نقطة النهاية؟ وفي الطريق تزدحم الرؤوس الثلاثة بشكوك طاحنة وأفكار تتضخم كلما قطعوا شوطاً من الرحلة,, في زيارة سابقة كانوا عائدين من رحلة منهكة، طويلة ومشحونة بالتوتر، عندما زلقت السيارة وهي تعبر بسرعة منعطفا ضيقاً شمال مدينة صليما، ففقد السيطرة على القيادة وكادت السيارة تهوي في منحدر صخري سحيق,. يخرجون من صمانا في لبنان,, متجهين إلى مدينة جبلية أخرى في الزمن العادي لا تستغرق الرحلة اكثر من 45 دقيقة ولكن في هذا الوقت لا أحد يعرف إلى أي قرار يلجأ القلب اليائس, عندما تكون حياة الثلاثة معلقة في ذروة الهاوية، ومتوقفة على حركة عصبية حمقاء, منذ ثلاثة أعوام سمح لها بالعيش في لبنان، لتكمل دراستها، بينما بقي هو في بلده، يواصل عمله، ويقوم بزيارتها كل شهرين, وجد الفكرة ساحرة، مناخ لبنان الجميل، والشوق الذي يجدده الفراق ويمنع الملل من التسلل إلى عواطفهما، العواطف تجتاح رأسها وهي منزوية في المقعد شاحبة ومتعبة عمتها تأمرها أن تحمل سلطة الطعام على رأسها، كانت صغيرة ويتيمة, اشار زوجها فجأة إلى مبنى صغير أعلى الجبل,, انه فندق قضيا فيه شهر العسل، أول مرة تصعد جبلا، دهشت من جمال القرى والمدن يجمدون الجبل، الرغبة واللذة، أزاحت الخاطرة من رأسها، لم تعد تنتمي إليها، إن سحرها ارتبط بشخص لا تحبه الآن مثلما قبل. الطريق يلتوي انه يقودهم إلى النهاية الدرامية للصراع الذي يدور بينهم داخل السيارة المسرعة, بشكل صامت ومحفز، نغرم بالأشياء الكبيرة في الإنسان، ثم تظهر الأخطاء الصغيرة، كثيرة خشنة، عميقة الوخز، ونعرف حينئذ أنها الأهم, عارف علوان لم أعرفه من قبل، هذه أول رواية أقرأها له، ولكن أسلوبه موجات متكسرة تحملك فوق تروفتها إلى المنتهى,, وأتطلع إلى قراءة أعماله الأخرى كثيرة ولابد أنها متكاملة، فهذا البرتقال المزهر ينبئ بجمال لغوي يجتاحك دون مقاومة, له مسرحيات منها هلاك بابل 1975م, لعبة المخدوعين 77, التتر قادمون 77, باشا بغداد 1992م, وفي غرفة البرتقال عام 1999م, هناك رأى ابتسامتها، قرأ معناها وأنظاره موزعة بين الأشجار والسماء، وصبي يلعب بكرة، فكر بسعادة الصبي، خلو قلبه من الهموم، مقبل على الحياة بلا شدوخ وأحزان، بلا خيبات، ولو امتلك قلباً طرياً مثله، لتجنب الكثير من أخطاء الماضي. تشنج فجأة، بينما تحول الجزء الثاني من السيارة إلى كتلة هائلة من اللهب، نادته بفزع ولم تزل أجفانه تطرف,, أخرجاه ومدداه على الأرض, أقبلت سيارة فيها عدة أشخاص للمساعدة، تفكر بمتانة السلسلة التي تشدها إليه، حملوا المصاب في سيارتهم جلست إلى جانبه,, شعر بالغضب لذهابها، هزت كتفيها قائلة هذا واجبي بزوجي, ذهبت فجأة انتابه احساس مفاجئ مريح إحساس بالخلاص, وانتهى الخطر، انتهت اللعبة كلها، وعاد إلى حياته السابقة, ذهبت مع كل تلك الانفعالات والجنون, عاد حراً، ورائحة البرتقال تملأ رئتيه بعطر لذيذ شهي.