أقدم للأعزاء القراء,, بكل حب وسرور,, تتمة لما سبق طرحه في هذه الصفحة من خواطري وتعليقي على فقرات بريد الشمس في صفحة شرفات من هذه الصحيفة الجزيرة العدد 10326 الصادر يوم الجمعة الموافق 10/10/1421ه آتي للفقرة الرابعة التي تقول: أخبرني سأنسى، أرني فقد اتذكر,, ولكن اشركني في الموضوع فسأعي وأفهم مثل صيني ,. لأن التفاهم والمشاركة في النقاش والحوار حول أي فكرة وأي موضوع وأي عمل ينتج عنه قرار صائب مدروس,, تلافحت حوله الأفكار والقرائح وتلاقت عليه الآراء والأفهام,, وعرف كل طرف دوره فيه وما هو المطلوب منه لاستكماله لأن أمرهم شورى بينهم . أما الفقرة الخامسة فتقول: من رفع نفسه فوق قدرها صارت محجُوبة عن نيل كمالها, قائل هذه العبارة الحكيمة الفارابي. ولسائل يسأل لماذا تُحجب عن نيل كمالها,؟ والأجابة سهلة ميسرة,, لأن الذي يشمخ بأنفه وأعطى نفسه فوق ما تستحق,, يكون لايعرف وضعه ولا يقدر قدره الحقيقي فقيمته ملتبس أمرها في نفسه, فهو يرى انه فوق الكل والعياذ بالله, وأنه حسب رأيه العقيم ليس في حاجة لأن يتواضع لأحد, أو ان يطلب معونة من اي شخص,, مهما كان بحاجة إليها أوأنها تنقصه فالغرور أعماه وشوش عليه الرؤية الصافية للعلاقات والأشياء,, حتى في طلب العلم تجده يتوقف في أوله ولا يستمر في طلبه,, مع أن المفروض ان العلم يطلب من المهد إلى اللحد,, وقل ربي زدني علماً ,, وان الانسان بحاجة دائمة الى تعلم الكثير والكثير واذا ظن المرء انه قد علم واستغنى عن مواصلة الطلب فقد بدأ جهله كما تقول العلماء وشخص مثل هذا,, يرى الحقيقة دائماً بجانبه, وانه لايعرف الخطأ وانه مصيب في كل ما يقول وما يفعل, أقول له كما قال الشاعر الدكتور خليفة الوقيان في هذه الأبيات: هل أنت في هذا الوجود مُميز هل أنت أقدر من سعى فوق الثرى يا سيدي قل لي فإني حائر هل أنت تمتلكُ الحقائق ياتُرى لا والذي جعل الحقيقة غاية تسعى على آثارها مُتعثرا ما أنت إلا مثل غيرك بيننا ما أنت إلا واحدٌ بين الورى فافتح فؤادك للضياء ولا تكن حرج المسالكِ في أمورك أعسرا هذا ولايتسنى للمرء استكمال نواقص نفسه,, الا بالتواضع والصراحة مع ذاته, وقد قالت الفلاسفة في مختلف العصور: أعرف نفسك, فهل عرف الواحد منا نفسه معرفة حقيقية؟ وعلم مقدار قوته ومدى ضعفه وماذا ينقصه؟ حتى ينال الرضا أولاً من نفسه وعن نفسه ثم الترحيب ممن حوله,, مع أن كمال النفوس شيء عظيم ولا يدرك إلا بالجهد الجهيد,, الذي يعجز عن بذله الكثيرون, أسأل الله سبحانه ان يعيننا على أنفسنا ويجعلنا من الصادقين العاملين في صلاحها واستقامتها إنه ولي ذلك والقادر عليه. ونأتي للفقرة السادسة من بريد الشمس التي تقول: أشقى الناس رجل سلب عز الغنى ولم يتمرن على ذل الفقر, حكمة هندية . ومن هذا جاء بالأثر: أكرموا عزيز قوم ذل لأن الذي نشأ منعّماً مترفاً مخدوماً محتفى به حيّ حياة مرفهة طرية,, حرمته من متاعب العمل ومرارة التجارب التي تقوي البدن والنفس على مواجهة أصعب الظروف في هذه الحياة,, وتمنح الصبر والجلد في مواجهى ما يستجد منها,, وهذا الانسان,, الذي يولد وملعقة الذهب في فمه كما يقال,, فإنه من الرقة والعجز عن مزاولة أكثر الأعمال,, وفي هذا المقام يحضرني قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: اخشوشنوا تصحوا فإن النعم لا تدوم أو ما جاء في معناه. وحريٌّ بالأغنياء والمترفين النظر في احوالهم وتقوية أجسامهم بالتمارين والأعمال البدنية، وتجنب الكسل والخمول والاتكال دائماً على خدمة الغير لهم, وحتى يكونوا دائماً على استعداد لأي تغيير في حياتهم,, مما يهون الظروف الصعبة التي قد يتعرضون لها في زمانهم,, وليس ضرورياً ان يفتقروا ولكن حوادث الأيام وكوارث الحياة كثيرة ومفاجئة,, أسأل الله سبحانه ان يجنبنا وأياكم كل شر وأذى وان يلطف بنا ويرحمنا برحمته التي وسعت كل شيء. هذا والفقرة السابعة من بريد الشمس تقول: لو لم تكن الخراف خرافاً,, لما كان الذئب ذئباً,. قائل هذه العبارة شكسبير ,. يعني أنه لما كانت الخراف طيبة ضعيفة مسالمة,, كانت الذئاب شرسة ووحشية,, ولكن لوتحولت القوة والشراسة الى الخراف فإنها لن تكون خرافاً ولكانت شيئاً آخر، مخلوقات غير فصيلة الضأن,, والمقصود هو الطباع والأخلاق السلوكية,, وبشكل أوضح لو كان الناس كلهم طيبين مسالمين يتعاملون بالحق والعدل,, مؤمنين بالله يخافون عقابه ويرجون رحمته وثوابه,, فإنك لن تجد اللصوص والمجرمين ولن تسمع بهذه الجرائم التي يشيب لذكرها الرضيع. ولكن كلما يزيد المرء ابتعادا عن منهج ربه اتاح للشيطان السيطرة عليه ودفعه إلى ارتكاب ابشع الأعمال وأرذلها,, وبالقرب من الله والعمل بشريعته يكون المرء إنساناً خيّراً صالحاً فالحاً دنيا وآخرة وكلما هجر المرء منهج ربه,, زاد قسوة وشراسة ووحشية وخسر الدنيا والآخرة وبهذا المقياس فقط الا وهو مقياس التقوى يكون الإنسان إنساناً فاضلاً وبضعفه وضده يكون إنساناً خبيثاً سيئاً هو أقرب في طباعه إلى الشياطين. ولا ننسى ان من الإنس شياطين كما هناك من الجن شياطين, مصداقاً لقوله تعالى شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا,, الآية 112 سورة الانعام. فالله الله في التربية الصالحة للأبناء والبنات وتفقد احوالهم وتوعيتهم وإرشادهم,,حتى لا يكونوا خرافاً مسلوبة العزم والقوة,, ولايكونوا ذئاباً,, شرسة قاسية. وحتى يكونوا مهذبين صالحين يفخر بهم مجتمعهم وتقوى بهم أمتهم, ويحملون رسالتهم بجدارة بين الأمم,, علماً وعملاً,. أسأل الله التوفيق لنا ولهم لكل خير وصلاح، وبارك الله بهم أينما كانوا وحيثما حلوا. والى الفقرة الثامنة التي تقول: سئل أرسطو: كيف تنتقد استاذك افلاطون,,؟ فقال: أحب افلاطون واحب الحقيقة,, لكنني احب الحقيقة أكثر مما أحب افلاطون,, هذه العبارة كثيراً ما ترد أيضا في كتب الأدب والفلسفة,, ويقصد بها الشيء الكثير,. بدايةهذا يذكرني بقول احد الاعلام,, عندما قيل له ان فلانا وهو أيضا إمام وعالم كبير,, يختلف عنك في فتواه أو رأيه بهذه المسألة أو تلك, قال: هو مكرم عندي وأحبه واجل علمه واعرف قدره,, لكن اذا رأيت الصواب في غير قوله فلن آخذ بقوله,, وادع ما هو صواب,, فالحق أولى ان يتبع,, وما منا الا وقد اخطأ واصاب ولا تكون العصمة الا لصاحب هذا القبر,, ويقصد به النبي صلى الله عليه وسلم, هكذا كان علماؤنا رحمهم الله يتبعون الدليل ويبحثون عن الصواب,, والحق هدفهم ولا شيء سواه,, رزقنا الله اتباعهم والعمل باجتهادهم والاستفادة من علومهم, فإنهم مصابيح هذه الائمة بعد نبيها ورسولها محمد عليه افضل الصلاة وازكى السلام. وارجع الى موضوع الفقرة فأقول: كثير من الناس هذه الأيام يربطون ربطاً عشوائياً بين المحبة والاتباع أو بالأحرى الانصياع,, فحسب رأي الكثيرين ان كنت تحبني لا تخالفني وهذا أمر عجيب,, فظيع,, كيف تؤخذ المسألة هكذا؟ ماذا يريد صاحب هذا الرأي، هل يريد من محبه الموافقة له على طول بدون مناقشة وبدون أي اختلاف,, كيف يكون هذا؟ انه لا يكون حياً بل عبودية وأسترقاق صريح,, وادعاء بالكمال والعصمة والعياذ بالله من ذلك, فلايمكن لأي انسان ان يكون كاملاً معصوماً,, الا ما أقره الله لبعض خلقه من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام. اما بقية الناس فهم كما اسلفنا يخطئون ويصيبون وكما يقال: عرفت شيئاً وغابت عنك اشياء . وهؤلاء أقول لهم أبياتا من شعر الدكتور خليفة الوقيان مرة ثانية أيضا حيث قال: لا, لا تقل إني المصيبُ تكبرا لا, لاتقل إن الحقيقةما أرى فلربما أدركت منها جانباً ولربما أخطأت خطأ أوفرا هذا ولا يكون المحب صادق المحبة الا اذا كان حراً يملك الرأي ويقوى على الموافقة والمعارضة اما العبد الرقيق فهو لا يحب وانما يكون مجبراً على الحب ولا يملك بنفسه دفعه ولا رفضه,, وعندها كما قلت لا يكون حياً وإنما له أن يأخذ أي اسم آخر الا الحب فإنه أسمى من أن يهان هكذا ويمتهن بهذا الأسلوب وهذه الكيفية. أكرموا الحب وارفعوا مكانته وافهموه فهماً صحيحاً سليماً من أي ارتباط كان غير الاخلاص والوفاء والصدق والصراحة, فهذه فقط هي قوائمه التي يقوم عليها,, ولكم ان تفكروا في نتائجه من ايمان وعبادة وعون وتضحية وإيثار, وكل مفردة من هذه المفردات لها مكانها وسياقها حسب مكان الحب وقدر المحبوب الجدير بالمحبة. ادعو الله معي ان يرزقنا المحبة له وان يعيننا على طاعته وعبادته, وان يوفقنا لما يحب ويرضى. هذا وآمل ان تتاح لي الفرصة لاستقبال التعليق والتحليل لفقرات بريد الشمس,, الذي دأبت منذ مدة جريدتنا المفضلة على نشره ضمن صفحات شرفات التي تظهر في عدد الجمعة من كل أسبوع,,, وفقنا الله وإياكم لكل خير, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. محمد بن إبراهيم بن هزاع الهزاع عنيزة الشئون الإسلامية مشرف أوقاف في المكتبة الصالحية