استمعت إلى أحد المشايخ المعنيين بإصلاح ذات البين، والمساهمة في حل الخلافات الزوجية، وهو يحاور امرأة تلح في طلب الطلاق، مبدية الأسباب التي تدعوها لذلك، ولديها طفل من زوجها، ولم أسمع ما قالته، ولكنني كنت مستمعاً لحديث الشيخ، وهو ينصح الزوجة بأسلوب الأب الحنون المشفق والمتحدث الناصح مستشهداً بالآية والحديث والأمثال العربية والعامية، وسرني ما استمعت إليه من حديث أبوي لهذا الرجل، وتمنيت أن يكون من يسهمون في معالجة الخلافات الزوجية على مثل هذا الأسلوب، فقد كان حديثه مزيجاً بين الواقعية والعاطفة التي تحتاج إليها النساء، وبعض الرجال يلين حينما يتطلب الموقف اللين، ويشتد حينما يتطلب الموقف الشدة حتى إذا ما انتهى حديثه منها طالبها بالتزام نصحه وإرشاده. التقيت الشيخ، وسألته: عسى أن يكون الصلح قد تم بين الزوجين، فحمد الله سبحانه وتعالى، وقال: ولله الحمد لم يمض أسبوع؛ بل بعد ثلاثة أيام أرسلت المرأة رسالة تحمل الثناء والدعاء، وإن كلمات يسيرة وأفعالاً بسيطة كان لها مفعول «السحر» فقد تغيرت نظرتها إزاء بعض المواقف، وتغير زوجها، وزال ما بينهما من منغصات وخلافات. وكنت قد أشرت في كتاب وبحث أصدرته العام الماضي «ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي - دراسة تشخيصية» أشرت فيه إلى أن نسبة كبيرة من المشكلات التي تنتهي بالطلاق والخلافات الزوجية قد تكون في بدايتها تافهة ويسيرة، ولكن افتقاد الزوجين إلى من يقويهما ويعينهما، وإلى «الناصح الأمين» واللجوء إلى من يؤجج الخلافات يزيدها اشتعالاً مع العاطفة والحماسة من أهل الزوجين مع كل فريق، وتحميل الطرف الآخر المسؤولية والأخطاء والمشاكل أو الأحكام، والاستماع إلى الحمقى وغير المحبين الذين ينظرون بعين العاطفة، وليس العقل والمصلحة، وقبل الاحتكام لأطراف أخرى فإن العقلاء من الأزواج هم من يعملون على حل خلافاتهم الزوجية بأنفسهم دونما تدخل من الآخرين، ومن المعلوم أن أي بيت لا يخلو من الأكدار والمنغصات والخلافات والإشكالات التي تختلف درجاتها كماً ونوعاً، بل لم يخل بيت النبوة من ذلك، فقد حصل بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأزواجه، ووردت آيات في ذلك وأحاديث، واختلف الصحابة مع أزواجهم، وهذه من سنن الله في الحياة، ولكن المهم كيف يمكن معالجة هذه الإشكالات والخلافات الزوجية. إن دخول طرف ثالث أو رابع في الخلافات الزوجية ليس بالضرورة أن يكون إيجابياً في حل الخلافات الزوجية، بل ربما يكون عاملاً مساعداً على تضخيمها واشتعالها وزيادة توهجها، فالعمل على الستر أولاً فيما بين الزوجين من أخطاء أمر معين على علاج المشكلة، وحينما يبدي أحد الأطراف العيوب أو المقالب سيبادر الآخر إلى إبداء ما لديه من الآخر، حتى يكون الأمر محالاً بينهما، وينتهي إلى ما لا يحمد عقباه. إنني ومع إشادتي بما يقوم به بعض المجتهدين من شخصيات، أو مؤسسات ومكاتب للاستشارات الزوجية في جمعيات أو مؤسسات خيرية، وما تقوم به من وساطة بين الزوجين عند الخلافات، أقول: أتمنى أن تكون معالجة الخلافات دائماً وأبداً بين الزوجين، وأن لا تظهر لأحد حتى للأقرباء ولا للوالدين والإخوة والأخوات؛ لأن احتواء الخلافات الأسرية داخل المنزل بكل تأكيد أفضل من نشرها لدى الآخرين. خاتمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).