نورة الشريف - هبة اليوسف - فاطمة الرومي اختتمت صباح أمس فعاليات ملتقى فن المقالة السعودية بجامعة الأميرة نورة، وتحت رعاية كرسي (الجزيرة) وسط حضور وتفاعل كبيرين من الحضور والحاضرات، وقد كان عنوان الندوة الأخيرة في الملتقى (المقالة وخطاب التغيير في قضايا المرأة)، في محورين: نماذج لخطاب التغيير، وآليات التأثير وقلق التلقي؛ حيث قدمت للندوة الدكتورة أميرة الزهراني، بحضور أستاذة الكرسي الدكتورة نوال الحلوة، والدكتورة فردوس الصالح وكيلة الدراسات العليا بجامعة الأميرة نورة، وعدد من المهتمين والمهتمات، وكان المحاورون: أ. إبراهيم البليهي، وأ.فاطمة العتيبي، ود.عبد الله الوشمي، وأ.إيمان القويفلي. أ.إبراهيم البليهي ودعوة للتغيير وتحدث الأستاذ إبراهيم البليهي بحماسة واندفاع للتغيير، منتقدًا للعزل الذي لا تزال المرأة تفرضه، وبيَّن أن المرأة هي التي تفرض على نفسها ما يراد لها، فكيف تريد أن تحصل على حقوقها، وبيَّن أن قضية المرأة هي جزء من قضية التخلف التي تشهدها مجتمعاتنا، ولن يتم تصحيح وضع المرأة حتى يتم تصحيح الوضع بشكل عام. وبيَّن أن الإِنسان تلقائي بطبعه، يولد بعقل فارغ وتقابليات تمتص ما تجده في البيئة أمامها من خير أو شر، ولذلك فإن الإِنسان تمتص قابلياته ما يجده في المجتمع فإذا كان المجتمع منغلق الثقافة، فإن عقله لن يمتلئ إلا بما يغلق عقله، لذلك ينبغي تصحيح الرؤية، والنهضة بالفكر التي هي شرط نهضة المجتمع في كافة جوانب الحياة، فلا يكفي أن نتلقى معلومات نجدها في كل مكان، ولكن المهم أن نحرك عقولنا بالنقد. وبيَّن أن على المجتمعات أن تتحرر من المسبقات والمسلمات ومن الرأي المسبق الذي يتحكم بالعقل، فالإنسان عندما يمتص عقله ما في المجتمع من أوهام ويُعدُّها الحق المطلق، فإنه يحتاج لزلزلة فكرية أو لتأثير ما، وما لم يحصل ذلك فإن الإِنسان يبقى مرتبطًا بما هو عليه في مجتمعه من التخلف والوهم. وبيَّن أن التعليم لا يكون نافعًا إلا إذا اندفع إليه الشخص اندفاعًا تلقائيًا، فكل هذه الحشود التي تتلقى التعليم تأتي مكرهة، والدليل أنها تمزق الكتب المدرسية بمجرد انتهاء الفصل الدراسي، فعلاقتها بالكتب علاقة كره وليست علاقة حب، والدليل أن معظم المبدعين ليسوا من خريجي المدارس، واستشهد بعدد من الذين حصلوا على جائزة نوبل وعدد من الأدباء والمخترعين، فيجب ألا ندرس من أجل الشهادة فقط أو لغرض ما، ومن يفعل ذلك فلن يحصل على علم، ولن تنمو عنده علاقة شغف به، وإنما سينقطع ويعود جاهلاً بمجرد حصوله على ما يريد. المهم أن تعرف كيف تعرف لا أن تحصل على معلومة وتشعر أنك حصلت على الاكتفاء. وبيَّن أننا نتوهم حين نظن أن إصلاح المجتمع في إصلاح الأفراد، بل إن صلاحه بصلاح المؤسسات لأنَّ المجتمع كيان تلقائي يتحرك بمؤسساته. وبيَّن أن مشروع التغيير ضرورة حقيقية، ففي حين توجد رغبة صادقة من قبل القيادة الحكيمة في التغيير، إلا أنه لم يوجد حتى الآن مشروع محدد الملامح واضح التنظيم يتحرك بحيث تعرف من أين بدأ ولا إلى أين وصل وإلى أين سينتهي؟ وأيضًا المجتمع رافض للتغيير، ومتى ما وجدت الرغبة الحقيقية بالتغيير، فإنه سيتحقق، وإن أخذ وقتًا. مداخلات: الدكتورة مديحة السدحان تساءلت: لماذا لا تتم الدعوة إلى التغيير بطريقة هادئة عوضًا عن العبارات المزلزلة؟ وقد أجاب عبد الرحمن البليهي بقوله: تجارب التاريخ تقول غير ما ترين، فلا بد من الثورة (ثورة فكرية). آسيا العماري تساءلت:أشرت إلى قضية مهمة وهي عدم تدرج التغيير فما هي أفضل الطرق إلى ذلك؟ وقد أجاب البليهي: يجب أن نجابه الركود بالثورة الفكرية فاستقرار العلم يعني ركوده، نعم يجب أن نعرف أن الجمود هو الأصل، لذا نحتاج إلى الزلزلة. المداخلة الرابعة كانت حول: هل هناك مشروع وطني لقيادة التغيير أم أنها مجرد محاولات فردية؟ حيث كانت إجابة البليهي: يوجد لدى الملك عبد الله رغبة صادقة في التغيير، لكن هذه الرغبة لا يوجد لها مشروع واضح حتى الآن. وتحدثت الأستاذة فاطمة العتيبي بقولها: الحديث عن التغيير خلال 30 عامًا الماضية كان مرحلة مهمة، فقد كان مجرد التفكير في التغيير إثمًا بحد ذاته. طبعًا التغيير يعني أن يكون هناك تحديثٌ تامٌ، فهناك فرق بين أمة واهنة ساكنة وبين أمة تحدث كل يوم. وأضافت أرى أهمية ربط خطاب التغيير بالسلطة ونطمح إلى أن يقوم النظام بالتغيير بطريقة سلسة ومبرمجة. وأضحت أن تأخر المرأة ناتجٌ عن عدة أمور، فالمرأة تفتقد إلى الأهلية الكاملة، فلا يزال هناك من يسلبها حقها حتى في الاختيار بحجة أنها غير مؤهلة، كما أن السلطة الذكورية تحاول إبعاد حضور المرأة حتى لا تزاحم الرجال، ويبقى على المرأة أن تعنى بقضاياها وتسعى للتغيير. وأضافت: طبعًا نحن لسنا بدعًا أو ندرة في العالم لكن لا يزال هناك مشوارٌ طويلٌ أمام من يرغب في التغيير، فيجب عدم اليأس، كما أشارت إلى أن استحداث التغيير يجب أن يخرج من بوابة الجامعة، فمنها تتخرج أجيال يفترض أن تحمل لواء التغيير، كما يجب عدم إلباس قضايا المرأة لباس الدين في محاولة للحيلولة دون تقدم المرأة وتغيير وضعها. عبد الله الوشمي ونماذج خطاب التغيير تحدث الدكتور عبد الله الوشمي في محوره عن إستراتيجيات الخطاب وآليات الحجاج الذي تقوم به المرأة السعودية من خلال مقالاتها دون أن يتخذ موقفًا مباشرًا تجاه هذا التيار أو ذاك، فبنى ورقته على مقالات تمثل أجيال المرأة السعودية، ومكونات المجتمع السعودي، وفي عدة صحف وانتماءات ثقافية متعددة. وبيَّن أن خطاب المرأة اكتسب قوة ذاتية بدلاً من أن يكتسب قوة مختلفة من الآخر وبدأ ينشئ عوامل قوته من الداخل، ففي حين كانت المرأة في الماضي ميدانًا للحوار يختصم حوله الرجال أو الأطراف، أصبحت فاعلاً رئيسًا في هذه الخريطة واستطاعت أن تقول رأيها، بل ترفض رهان الأطراف، وصار من مظاهر التغيير للمرأة السعودية في خطابها التغييري الانتقال من مرحلة التبعية إلى مرحلة الفاعلية إلى الدرجة التي نستطيع أن نقول: إن المرأة السعودية في مقالاتها كسرت الأفق المعتاد لتقي خطاب المرأة، ولكن ينبغي أن نقر بأن التغيير الذي تتجه إليه المرأة ليس تغييرًا سهلاً حتى نظن أنه مجرد مقالة أو عنف أيًّا كانت درجته أو خطاب التغيير يتجه إلى بنية ثقافية طويلة المدى أو مسار في بنية ثقافية طويلة المدى، فالتغيير في الجوانب المادية كأن تزيل مبنى أو تزيل جدارًا يسيرًا، ولكن تغيير البنية الثقافية ليس يسيرًا، لأنك لا تتصل بلحظة تاريخية فقط أو موقف معين أو امرأة معينة، وإنما أنت تتعامل مع الثقافة بكل تراكماتها التاريخية. وبيَّن أن المرأة في مقالاتها تناقش قضايا المرأة وتطالب أن يناقشها الرجل من الزاوية الإنسانية البحتة وترفض أن يتم حصر قضايا المرأة من زاوية أنها امرأة فقط، وإنما تطالب بالإنسانية للجميع وترى أن مواقف الرجل إنما جاءت متحيزة في طرحها، وتحاول المرأة في مقالاتها أن تنقض هذه العقلية أو هذه المرجعية الذهنية لتقدم خطابًا آخر لتقول: عاملني معاملة النوع الإِنساني بشكل عام. وتحدث عن أن الخوف من المرأة لم يكن إستراتيجية خاصة من الرجل يقدم خوفه على المرأة ويخفي خوفه من المرأة، وإنما تنبهت المرأة لهذا الأمر مبكرًا فأثارت مسألة الخوف على المواقع الثقافية، ورأت أن الرجل حين يخاف أن يفقد السيطرة على موقعه الاجتماعي وسلطته وفوقيته وإمرته وعدد من المكتسبات التي أخذها ليس بقوة الدين وإنما أخذها بقوة الذكورة والثقافة التي كرَّست موقفه تجاه موقف المرأة. هناك خوف من رمزية الحضور، وأن حضور المرأة هو يستدعي غياب الرجل، أو أن رمزية حضورها في المجتمع الثقافي يعني أن السلطة والرؤية الخاصة بالرجل سوف تتقلص. وبيَّن أن المرأة صارت تسعى الآن إلى ما أسماه تحرير المرأة، فالمرأة تنتقد الصورة النمطية التي وضعها الرجل والثقافة فيها سواء جاء هذا التنميط من التيار المحافظ، أو جاء من التيار الآخر، فهي تنتقد هذا الأمر وتطالب بتحرير تحرير المرأة وأن ينشغل الرجل بقضاياه على أن المرأة قادرة على أن تنجز قضاياها، وفي مقابل هذا تحاول أن تنجز صورة مختلفة، صورة واقعية وأن تشير من خلال المقالات إلى النماذج النسائية أو المواقف الشرعية، أو الرؤى الثقافية التي تكفل للمرأة أن تعيش بثوب غير الثوب الذي منحه إياها الرجل، ولا شك أن الرجل حينما يضعها في إطار معين باعتبارها خطرًا أو خوفًا عليه يريحه في التعامل معه؛ لأنَّه يتولى القيادة ويصبح مسؤولاً عن إصدار الإمرة أو الرأي وليس مسؤولاً عن التنفيذ، لأنَّها ستأخذه المرأة. اللافت أن المطالبة بتحرير المرأة لا يصدر من طرف واحد، وإنما يصدر من جميع الأطراف النسائية، فمن نصفهن بالمحافظات يناقشن الأمر بشكل حاد ويتهمن الإعلام بأنه حصر المرأة في زاوية معينة وترك الجانب الأكبر من قضاياها، بينما الكاتبات من الجهة الأخرى يطالبن أو يتهمن الجانب الشرعي بأنهم حصروا المرأة في زاوية دون أخرى. وتحدث عن أن المرأة تطرح قضيتها باعتبارها بورصة أصبح الرجل يتعامل مع موضوعات المرأة كلما كانت مثيرة وقابلة للتسويق دخل فيها وطرح وجهات نظره. أكّدت الكاتبة السعودية إيمان القويفلي خلال ورقتها التي شاركت بها في ندوة المقالة وخطاب التغيير في قضايا المرأة السعودية ضمن فعاليات ملتقى المقالة السعودية أنه من الصعب أن نفهم التحولات التي مرّ بها واقع المرأة السعودية بوصفها (تغيّرًا، أو تغييرًا مقصودًا على الدوام، حيث مرت المرأة السعودية بمزيج من التغير والتغيير فقد كانت بدايات تشجيعها على التعلم والعمل تغييرًا مقصودًا ومدرجًا ضمن خطط التنمية، أما ما نراه اليوم من تصاعد نسب البطالة وما يتبعه من استجابات من قبل المرأة والمجتمع فهو تغيير نتيجة مشكلات أفرزها الخلل في التخطيط. والنتائج الإيجابية لدور المرأة الجديد، حيث فرضت نفسها على المجتمع وبالتالي فرض المجتمع تغير الخطاب لصالحها، فخلال عشر سنوات التي تلت ظهور المرأة حدث تحول في مواقف المطبوعات التي كانت تقاوم ظهورها، حيث أصبحت تنشر مقالات تطرح الموقف الوسطي الذي يُعدُّ المرأة إنسانة كاملة الأهلية لها الحق في الاختيار بين التفرغ للبيت ومراعاة شؤون أسرتها أو الالتحاق بالعمل في حدود الشريعه الإسلامية، ازداد بعدها عدد المقالات التي تناقش تفاصيل العمل لا العمل بحد ذاته بعد أن أثبت المرأة وجودها فيه كقضية الاختلاط وتجد أقوى خطابات المقاومة السابقة ذاتها مضطرة إلى اللحاق بالتغيير الاجتماعي خاصة عندما يكون هذا التغيير الاجتماعي واسعًا ونتائجه الإيجابية ملموسة، وفي التسعينات الميلادية بدأ منحى آخر يفرض نفسه في قضية عمل المرأة وهو تصاعد البطالة وتكدّس المخرجات السعودية دون فرص في القطاع التعليمي الذي تقلصت وظائفه المتاحة إلى أدنى درجة. وخلال هذه الفترة ركزت المقالات الصحافية على عمل المرأة في القطاعات التقليدية (كالتعليم والقطاع الصحي)، حيث لم تكن المقالات وقتها رائدة اقتراح ولم تحاول توجيه المجتمع وجهة مختلفة، بل كانت أكثر محافظة وتقليدية من باقي المواد الصحفية؛ كالحوارات والتحقيقات وظلت تدور في فلك العمل التقليدي، وخلال هذه الفترة توجهت السعوديات ودون وجود بيئة مشجعة لممارسة تجارب جديدة؛ كممارسة التجارة والبيع بالتجزئة من المنازل، ثم بدت الخطط التنموية بعد ذلك تتحول بأهدافها نحو التعامل مع بطالة المرأة، حيث أصبح إتاحة فرصة العمل للمرأة في مجالات جديدة تخطط له الدولة وتقصد تحقيقة، حيث توجهت المؤسسات الصحفية في العقد الأخير للتأكيد على صورة المرأة في مواقع جديدة كسيدة أعمال وقائدة طائرات وفارسة..الخ، فالتغير الملموس لما تطرحه الصحف السعودية مؤخرًا كان ملازمًا للتغيير الذي حدث في خطط التنمية، مبينة أن هذه التبعية من الصحف السعودية للخطط السياسية ليست نتيجة مفاجئة، فالدراسات التي تناولت الصحف السعودية وصفتها بالمحافظة على الانسجام مع السياسات العامة، حيث تتلاشى احتمالات التناقض بين ما تطرحه الصحافة وتوجهات الدولة وبهذا فمقالاتنا لم تقدم توجهًا للتفاعل مع واقع المرأة ومشكلاتها بطريقة مختلفة أو تقترح حلولاً جديدة لكنها لحقت بخطى المجتمع وتوجهات الخطاب السياسي ذاكرة مسح قامت به حول موضوع عمل المرأة محاسبة (كاشير) في صحيفتين سعوديتين اتضح أن المقالات التي ناقشت هذه القضية ركزت على مناقشة قضية الفتوى ودور المؤسسات الدينية وكأنما حدثت إزاحة لجوهر القضية من كونها قضية تتعلق بالواقع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة لتبدو قضية تتعلق بالمؤسسات الدينية وآليات الافتاء، مبينة أن المعالجة المقالية في الصحف السعودية توحي بوجود فجوة بين وعي المقالة والواقع الفعلي للمرأة وقضاياها، مبينة أن طرح قضايا المرأة في المقالة الصحفية بات إثارة تفتقر للعمق، فالإغراق والتسطيح في طرح القضية جعل منها قضايا مملة ومستهلكة ولا تثير الاهتمام بالرغم من أنَّها لم تأخذ نصيبها من المعالجة العميقة والاهتمام المركز، مبينة أن المقالة تحتاج لتغيير معالجتها للقضايا الاجتماعية نحو معالجة أعمق تراهن على عقلانية الخطاب وواقعيته.