ثلاثا عبرن من الشهر الأول في السنة الهجرية الجديدة اتفقنا منذ بدء الحرف على أن الوقت لا يعطي تفاصيله.., وأن نسيجه لا يهترىء أبدا.. ماض هذا الوقت بصمته وصوته، بحقيقته الجلية، وبكينونته الغامضة، مهما استطاع الإنسان أن يطوعه للساعة وعقربيها، وللأيام وتقسيماتها، وللسنوات وشهورها.., يبقى الوقت زمنا، والزمن عمرا، والعمر تأريخا، والتأريخ أثرا، والأثر يبقى ولا يبقى، وينتهي ولا ينتهي، ويأتي ويذهب، ويحسب الإنسان أنه مالك لخيوطه، متمكن من خياطه، ناسجا لمخيطه، يملؤه عملا، ويعيث فيه هدرا، ويمرره لهوا، ويحصيه ثوانٍ ودقائق، فيها ينقذ مريضا من وعكته، وحريقا من ناره، وغريقا من مائه، وتائها من ضياع وجهته، ينتصر الإنسان عليه وهو مهزوم له، ويعلم منه ما يجهل عنه،... الوقت صولجان يتحرك فوق رؤوس البشر، والوقت درب يستقله السائرون، والوقت بحر يركبه الراحلون، والوقت سيف يتقيه الغافلون، والوقت ميزان تنصبه الحقيقة، وهو باب يدلفه الحالمون، وهو خاتمة يتقيها العالمون،... ثلاثا عبرن من شهر في تقاسيمه، في عام من مراحله، في رقم كلما تحرك الإنسان في نهاره أو تقلب في ليله كان القمر في ليله، والشمس في نهاره شاهدين عليه، وتبقى تفاصيله من ثوان وإلى ساعات بدقائقها، وأيام بمفاصلها، وأسابيع بحلقاتها عيون ترقبه، وأقلام تكتبه، و... هو في مضيه على ما يعمل ويضمر، ويعلم، رهين نفسه بين يدي هذا الوقت.. كل أوقاتكم وأنتم الناصرون لها المنتصرون فيها..