فقدت الأمة الإسلامية يوم الاربعاء الماضي عالماً عابداً زاهداً تقياً ورعاً,, عرفه العالم الإسلامي كله,, إنه الشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين رحمه الله . عرفت هذا العالم الجليل من خلال كتبه ورسائله العلمية وفتاويه ومن خلال حضوره الذي لايتوقف. كانت فتاوي الشيخ تتميز بالوضوح والعمق والحرص على الدليل,. وكان يحرص على الإجابة على كل سؤال يسمعه,, ولم يعهد عن الشيخ أنه رد سائلا أو اعتذر أو رفض أو تلكأ أو أجل موعداً. زرت مدينة عنيزة قبل سنوات,, وحرصت على السلام على الشيخ,, ودخل الجامع الكبير في عنيزة,, وبعد الصلاة ذهبت إليه في محرابه وسلمت عليه وقلت أنا فلان,, وسألني عن حالي وأحوالي ودعا لي بالتوفيق والسداد والبركة,, وسأل الله ان أكون من أنصار الدين,. وبعد مغادرتي للمسجد,, شعرت بسعادة لا توصف,, لأن هذا الشيخ الزاهد العابد التقي الورع قد دعا لي,, ودعاؤه (بإذن الله) مظنة القبول. مازالت كلماته يرحمه الله راسخة في ذهني كلمة كلمة,, ولم أنس منها كلمة واحدة. وأذكر أنني حينما جئت للسلام عليه,, كان هناك أناس قبلي وآخرون بعدي,, وكان يصغي لكل واحد منهم واحداً واحداً,, ويسمع منه إلى أن ينتهي من كلامه ثم يناقشه ويتحدث معه حتى يفرغ السائل أو المتحدث وحتى ينصرف من نفسه,, حتى إذا جاء دوري وجه كل حواسه لي وأصغى اليّ وتحدث معي ودعا لي. وسماحة الشيخ الفقيد,, ملأ المكتبة بالفتاوي والكتب والكتيبات والنشرات والرسائل والاشرطة. سخر كل وقته لخدمة هذا الدين,, فهو يحتسب كل خطوة وكل عمل وكل شيء لوجه الله. كان مثالياً في كل شيء,, واشتهر عنه,, الرفق واللين وسعة الصدر والابتسامة التي لا تفارقه ما لم يشاهد حرمات الله تمتهن أو يتم تجاوزها. صلى عليه في المسجد الحرام حوالي نصف مليون مصل,, وصلى عليه العالم الإسلامي كله,, ودعا له ملايين البشر ممن عرفوه وأحبوه. ملايين البشر ممن نهلوا من علمه ووصلهم خيره. كان مضرب المثل في الزهد والتقى والصلاح والورع والتجرد من تفاهات الدنيا والانصراف للآخرة. عندما ترى هذا الرجل تحبه,, وعندما تشاهده تشعر أنه أبوك وأخوك وابنك وأقرب الناس إليك. تشعر أن هناك شيئا ما,, يجذبك له,, وهكذا المسلم متى ترك شيئا لله أحبه الله وحبب إليه الناس. كان مرجعاً للعلماء والدعاة والفقهاء وطلبة العلم والناس كلهم. يستفتوته في المسجد وفي الشارع وفي البيت وفي غرفة نومه وفي السيارة وفي الطرقات وهو يمشي وهو جالس وهو مضطجع,, وما تأفف أو غاب أو توارى عن الناس. كان متواضعاً لدرجة لا تكاد توصف. ترك هذه الدنيا الفانية ولم يفكر في بيت ضخم,, ولا في سيارة فارهة,, ولا في مزرعة ولا في استراحة,, ولا في حطام الدنيا مطلقاً. عاش في هذه الدنيا وأموره مستورة ومات وأموره مستورة,, وكانت سمعته ومكانته تملأ الدنيا كلها. بكى عليه ملايين المسلمين ودعا له عشرات الملايين. أسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ورضوانه,, وأن يسكنه فسيح جناته.