فإن العلماء لهم المنازل السامية في قلوب الأمة المحمدية وذلك نظراً لسعة علومهم وعظم اخلاصهم في سبيل خدمة دين الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ولأنهم بذلوا غاية وسعهم في سبيل إسعاد امتهم مما خلّفوه من ثروة دينية ومجموعة فقهية، ولو تمسك المسلمون اليوم بها واهتدوا بهديها واقتبسوا من نورها وتركوا المذاهب المرتجلة وطرحوا القوانين الوضعية العليلة لعمتهم بإذن الله تعالى الرحمة والسعادة ولحالفتهم المعرفة والهداية ولفارقتهم الحيرة والعماية. حيث ان الله جل جلاله اختص من خلقه من احب فهداهم للإيمان ثم اختص من سائر المؤمنين احب فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة وفقهم في الدين وعلمهم التأويل وفضلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كل زمان ومكان رفعهم بالعلم وزينهم بالحلم، بهم يُعرف الحلالُ من الحرام والحق من الباطل والضارُ من النافع والحسنُ من القبيح فضلهم عظيم وخطرهم جزيل هم ورثة الانبياء وقرة عين الاولياء، فالحيتان في البحار تستغفر والملائكة باجنحتها لهم تخضع والعلماء في القيامة بعد الانبياء تشفع هم افضل من العباد واعلى درجة من الزهاد، حياتهم غنيمة وموتهم مصيبة، يذكرون الغافل ويعلمون الجاهل فهم سراج العباد ومنار العباد وقوام الامة وينابيع الحكمة وغيظ الشيطان بهم تحيا قلوب اهل الحق وتموت قلوب اهل الزيغ والضلال، مثلهم في الارض كمثل النجوم في السماء، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر واذا انطمست النجوم تحيروا واذا اسفر عنها الظلام ابصروا قال الله تعالى انما يخشى الله من عباده العلماء ان الله عزيز غفور وعن ابي الدرداء رضي الله عنه انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وان العلماء ورثة الانبياء، ان الانبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكنهم ورثوا العلم فمن اخذه فقد اخذ بحظ وافر، ولهذا الشرف العظيم رفع الله قدر المؤمنين والعلماء في درجات الدنيا والآخرة فقال عز من قائل عليماً: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير . ولقد كانت خلافة ادم على الارض وفضله على الملائكة بسبب العلم الذي منَّ الله تعالى عليه وحباه به دون الملائكة، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: من يُرد الله به خيراً يفقهه في الدين وليس اعظم منصباً من انسان اراد الله به الخير، ومن اراد الله به الخير فقد سعُد في الدنيا والآخرة لأن العلم هو العمل الباقي بعد ان تنقطع الاعمال بالموت ولصاحبه من الثواب مايدوم حتى تقوم الساعة. لقد قدر الله علينا في السنوات القريبة الماضية ان نودع علماءنا الأعلام واحداً بعد الآخر وهي علامة آخر الزمان فمنذ ان ودعنا، العلامة المجاهد الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ علي الطنطاوي، وكذلك الشيخ مصطفى الزرقاء، والشيخ ناصر الدين الألباني، والشيخ ابو الحسن الندوي، والشيخ مناع القطان، والشيخ عطية سالم، والشيخ سيد سابق، ومن قبل ذلك فضيلة الشيخ صالح بن غصون، والمفسر الكبير الشيخ محمد متولي الشعراوي، والآن وفي الأمس القريب ودعنا العالم الكبير فقيه هذا العصر الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله وجميع علمائنا رحمة واسعة. لقد كان الشيخ ابن عثيمين من ابرز علماء هذه الامة وفقهائها صاحب الكتب والشروح والفتاوى المعروفة والدعوة والمحاضرات واللقاءات المفتوحة عرفه المسلمون في مشارق الارض ومغاربها وملأ حيزاً في كثير من المكتبات فلا تجد في الغالب احداً من طلبة العلم إلا وعنده مجموعة من كتب ومسائل هذا الشيخ الجليل ولاتجد مسألة علمية إلا وله رأي فيها سواء في الفقه او العقيدة والشيخ له اسلوبه المميز في طرحه كثير من المسائل الفقهية ذلكم الاسلوب الميسر والمبسط الذي يعرفه العالم والمتعلم بل والعامي ايضاً بعيداً عن وعورة المصطلحات والتعقيدات اللفظية التي ينتهجها بعض المتعلمين والذين اهم من ذلك وعُرف به الشيخ رحمه الله انه ما يذكر في الغالب مسألة إلا ويعقبها بالدليل ويستمع دائماً لوجهة نظر المخالف وما لديه من اعتراضات فهو رحمه الله رحب الصدر بسيط الجانب بعيداً عن العنف والغلظة له شخصية متميزة في الفقه فهو ليس مبتدعاً ولا مقلداً وانما له شخصيته المتميزة عن كثير من الفقهاء مستندة دائماً في كثير من الفتاوي القرآن الكريم وهذا كثيراً ما يصرح به في كثير من المحاضرات بان على طالب العلم ان يبدأ اولاً بالدليل من الكتاب فإن لم يجد فإلى السنة وهكذا,, حسب الترتيب المعروف. اما من ناحية المنهج فإن الشيخ رحمه الله اخذ بايدي كثير من الشباب من العنف والتزمت والعاطفة الى منهج التبسيط واليسر وان هذا الدين باحكامه ومنهجه دين الحنيفية السمحة، وأن الله يريد بكم اليسر ولايريد بكم العسر، ورفع الحرج والمشقة من عباد الله. لقد عاش الشيخ ابن عثيمين طوال عمره للعلم والدعوة والفقه وسائر علوم الدين تاركاً ثروة علمية من كتب ورسائل واشرطة وفتاوى وعلم نافع وتاركاً هذه السيرة الطيبة وتاركاً التلاميذ الذين ألفهم والقوه ويدعون له بالمغفرة والرحمة وتاركاً الذكر الحسن كما سماه امير الشعراء احمد شوقي: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني ومع هذا فلا ينبغي لاحد ان يقول: ذهب العلماء، وذهب الصالحون ولم يبق في الناس بركة، بل نقول بقي فيهم علماء خير وصلاح إن شاء الله فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام عند الإمام احمد وغيره من حديث أنس رضي الله عنه انه قال: مثل امتي مثل المطر لايدري في اوله الخير او في آخره فمازال في هذه الامة ولله الحمد علماء خير وصلاح وعقيدة فهي امة مباركة اينما كانت فهي تعطي الخير وتنشر الصلاح في ارجاء البلاد والدين دين الإسلام رسمه الشارع وهو لايقوم على الاشخاص وانما تكفل الله به الى يوم الدين، ولقد مات محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام ومع ذلك قال ابو بكر مقالته المشهورة من كان يعبد محمداً فمحمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت وكذلك من بعده مات الخلفاء الراشدون وهذه سنة الله في خلقه والحمد لله على كل حال. فأحسن الله عزاءنا وعزاءكم في هذا المصاب الجلل، ولله تعالى ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى. وإن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول الا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا ابن عثيمين لمحزونون. اللهم يا حي يا قيوم نسألك ان تفسح له في قبره وان تجزيه خير ما جزيت عاملاً على عمله، آمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه الشيخ رضوان بن عبدالكريم المشيقح رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ببريدة