هناك متوافقات او مصادفات عفوية جاءت متزامنة مع انعقاد هذه القمة تبدو كما لو كان تزامنها هذا مقصودا ومرتبا: القمة الحادية والعشرون، القرن الحادي والعشرون، مدة انعقاد القمة تصل بين زمنين مهمين في حياة البشرية فمدة هذه القمة تغطي آخر ايام الالفية الثانية واول ايام الالفية الثالثة، ولا شك ان اصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يدركون جيدا اهمية المرحلة التي تمر بها دول مجلس التعاون، ويستحضرون المعاني الهامة لانعقاد قمتهم في هذا الوقت، ويستوحون من هذه المتوافقات مطالب وآمال وتطلعات شعوبهم، ويتلمسون بواعث المخاوف التي يعيشها المواطنون في هذه الشعوب على مستقبل ومقدرات اجيالهم,, كل ذلك بالاضافة الى ما يتوفر بالضرورة لدى قادتنا من تجارب ومعلومات سياسية وامنية واقتصادية يمثل العوامل التي على اساسها ستتخذ القمة قراراتها المعلنة وغير المعلنة. لقد اراد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله، ان تكون قرارات هذه القمة خطوات عملية لتحقيق ما حرص على انجازه منذ زمن، وما ينبغي ان تكون عليه دول المجلس من قوة وهيبة جانب لحفظ ما انجز من تنمية ومشاريع حضارية في هذه الدول قبل وبعد قيام مجلس التعاون، لذلك جاءت دعوته الصادقة والمهمة للقادة المؤتمرين ان يتخذوا القرارات والاجراءات الكفيلة بايجاد جيش موحد قادر على حماية الارض والمكتسبات والثروات الخليجية، وهذه الدعوة صادرة عن فهم عميق لما ينقص دولنا، وخبرة واسعة بالتجارب المريرة، وحرص شديد على مصالح شعوبنا، وقراءة حكيمة للتاريخ، ونظرة ثاقبة للمستقبل وتوقعات دقيقة لحوادثه ومستجداته. ومن يعمل التفكير في هذه الدعوة ويربطها بالصفات الشخصية للملك فهد بن عبدالعزيز لا يسعه إلا ان يشعر بالقلق ان لم تتخذ القمة ما يلزم من قرارات تتحقق هذه الدعوة وتجسد مضمونها على ارض الواقع في القريب العاجل, فخادم الحرمين الشريفين ليس من المهتمين بتسجيل المواقف من خلال المزايدات الكلامية، وليس من الذين يصرفون جل اهتمامهم للشعارات الدعائية والتصريحات الرنانة، وقد كان في امكانه ان يوجه هذه الدعوة بعيدا عن وسائل الاعلام لكن يبدو انه اراد ابراء ذمته امام اجيالنا في الحاضر والمستقبل، هذا من جانب ومن جانب آخر يبدو انه اراد اعلان دعوته ليعلم الجميع انها رغبته لكون ذلك بمثابة الدرع المتين الذي يصد اي تدخل غربي لافشال هذا المشروع، فالكل يعرف المعنى والاثر الكبير لوقوف الملك فهد الى جانب اي فكرة، والكل ايضا يدرك ما يمكن ان يحدث من ردود افعال تجاه من يقف ضد تحقيق اي رغبة من رغباته، أيده الله بنصره. ومن المؤكد لو ان قوات درع الجزيرة إبان الغزو العراقي للكويت قد وصلت الى المستوى الذي يريده الملك فهد وكان يعمل على تحقيقه لاستطاعت ان تحرر الكويت بمفردها، الامر الذي كان من شأنه ان يجنبنا جميع السلبيات والكوارث والمواقف الانتهازية المترتبة على الاستعانة بالقوات المتحالفة وبخاصة الامريكية والبريطانية منها، وكان من شأن ذلك ايضا ان يحمينا من الشرخ المعنوي الذي احدثه اعلان دمشق، ذلك الاعلان الذي اتمنى من الله ان ينساه الاشقاء ولا تقوم له قائمة لان التعاون بين الاشقاء العرب ومقاضاة المعروف بمثله ودرء الغائلة عن بعضهم البعض ينبغي ان يتم دون شروط اللهم إلا ان كان القصد من هذا الاعلان تحقيق هدف سياسي معين لمواجهة الاطماع الغربية يدور في تفكيري واعلل نفسي به لانني لا اريد ان اصدق بأن هذا الاعلان قائم حسب مدلوله المعلن. وحين اقول السلبيات والكوارث والمواقف الانتهازية المترتبة على الاستعانة بالقوات المتحالفة فلا اجد انني قد ابعدت النجعة لكوني على ثقة بأن جميع المواطنين الخليجيين لا يجهلون حقيقة هذا الامر، لان فهم الخليجيين وثقافتهم قد تجاوزت الامور السطحية في مناقشة هذه الحقائق المهمة التي يعتقد الغرب انها غائبة عن فهم شعوبنا، ويعتقد ايضا ان سياساته تجاه الخليج في الماضي والحاضر والمستقبل لا تزال ضمن لعبة الاحاجي، بينما هي في الواقع قد اصبحت أحاديث متداولة بين المواطنين الخليجيين في كل مكان وفي مختلف الطبقات الاجتماعية,, ويعود هذا الاعتقاد الغربي الى استخفافه بالمستوى الثقافي والفكري لافراد مجتمعنا الخليجي واحتقاره لاي عقلية غير العقلية الغربية, ويتصرف الغربيون تجاهنا على هذا الاساس من الناحية المعلوماتية في كثير من المواقف حتى اذا ما وجدوا ان بعض خططهم وسياساتهم اصبحت مكشوفة عمدوا الى افتعال الاحداث ومن ثم استخدام التآمر والقوة السياسية والاقتصادية والعسكرية لتحقيق اهدافهم ويتصرفون من الناحية الانتهازية انطلاقا من مبدأ خطير وفهم مغلوط لهم عن حكامنا ورموز وجودنا، فالغرب يعتقد انه يمكن لاي حاكم خليجي ان يقبل التضحية بثروات وطنه وتاريخ ومنجزات امته في سبيل مصالحه الذاتية, وعدم تعرضه لاي ازعاج او تكليف نفسه اي جهد تتطلبه مواجهة الانتهازية والجشع والاطماع والهيمنة الغربية,, والغرب في كلتا الحالتين يجازف لان سوء التقدير هذا يحجب عنه حقيقتين هامتين: الحقيقة الاولى ان المواطن الخليجي قد وصل الى درجة عالية من الفهم والثقافة السياسية والقدرة على تحليل التصرفات والدقة في التوقعات، واصبح من قناعاته ان الانتهازية والشبق على نهب الثروات وتفكيك وتشتيت المجتمعات والابقاء على تخلفها، واحتقار الارث الحضاري والحقوق الانسانية لامتنا هي عوامل راسخة في الفكر الغربي تحكم تصرفاته وتدفعه الى ترتيب المقدمات بالشكل الذي يؤدي الى النتائج والاهداف التي يرغب في الحصول عليها من دول الخليج بخاصة, وقد عزز من ثقة الخليجيين بصحة قناعتهم هذه ما يشاهدون من مناورات ومغازلات سياسية غربية ابقت على النظام العراقي كل هذه المدة وصورته على انه وحش بمقدوره ان يلتهم اوطاننا, فتحول هذا النظام الى اسطورة مكنت الغربيين من منطقة الخليج بشكل كان مجرد حلم من احلامهم قبل غزو العراق للكويت، بالاضافة الى ما يشاهد اهل الخليج ويعانون من مصائب جراء الانحياز الغربي ضد العرب وقهرهم للتخلي عن حقوقهم في فلسطين والجولان ولبنان والسودان، وما يسمعون من تصريحات ويلمسون من تصرفات وظفها الغرب لمشاركة الخليجيين في حقوقهم الوطنية والتدخل في شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية ذات الخصوصية الشديدة. والحقيقة الثانية ان أيا من حكامنا وهم رموز وجودنا وعزتنا وكرامتنا، لا يمكن ان يقبل بأي اهانة تلحق بشعبه او يسكت على اي مؤامرة ضد مواطنيه في سبيل المحافظة على مصلحة شخصية له,, فكل واحد منهم له ولاسرته تجارب وسجل حافل بالبطولات وهو على اتم الاستعداد لحمل السلاح والخروج الى عمق مجتمعه للقتال معه في الخنادق ورؤوس الجبال وبين كثبان الرمال دفاعا عن كرامة مجتمعه لا عن مصلحة ذاتية اقل من ذلك، فالعربي ينسى ذاته وحياته اذا جرحت كرامته او كرامة قبيلته او عشيرته، وهل حكامنا الافاضل إلا عرب اقحاح؟ ويترتب على كون حكامنا هم رموز عزتنا وكرامتنا اننا نحن الخليجيين نعد اي اهانة مادية او معنوية تلحق بأحدهم بمثابة اعتداء على كرامتنا وانتهاك لاغراضنا وعمل يقصد به سلب رجولتنا,, وعند ذلك لا نفكر في مال ولا سلطة ولا حياة خارج اطار المحافظة على رموزنا ونصرتهم والدفاع عما لا يمكن ان تكون لنا حياة شريفة بدونه. لقد ازداد تذمر المواطن الخليجي من المواقف الانتهازية والمؤامرات الغربية، وازداد ادراكا وقناعة بأن الغرب لا ينادي بحقوق او صداقة او تعاون في الشدائد إلا بقصد التضليل والتفريق لتسهيل هيمنته وتحقيق اهدافه على حساب حقوقنا وثرواتنا وحضارتنا وتقدمنا الفكري والتقني, فها هي عشر سنوات مرت والقوات الامريكية والبريطانية تحمي النظام العراقي من خلال منطقتي الحظر الجوي والبري في الشمال والجنوب. وقد اعلنت امريكا اكثر من مرة انها لن تسمح بأي تدخل يهدف الى الاطاحة بالنظام العراقي لانها تركت هذه المهمة للشعب العراقي وهي مقتنعة بقدرته على تحقيقها في الوقت الذي ضربت فيه حصارا على هذا الشعب, فالثائر جائع والمحارب مريض والام ثكلى والقوى العراقية الوطنية المؤثرة تم استيعاب افرادها وقادتها في كثير من دول العالم بتوجيهات امريكية، كما هو الحال عندما حددت القوى الاسلامية المؤثرة على مجريات الاحداث في كوسوفا وسراييفو وعملت على تهجير افرادها واستيعابهم في دول اوروبا وكندا وفي امريكا نفسها حتى يصبح المجال مناسبا لتحقيق مآربها في البلقان، ومن اهمها تفتيت المجتمع المسلم هناك وتثبيت اقدام الجبابرة المعتدين ومن ثم اعادة تشكيل ذلك المجتمع المسلم وفق محددات واسس غربية من شأنها تذويب هويته الاسلامية حتى يضمحل وتخلو منه اوروبا في المستقبل خدمة للمصالح الغربية بعامة,, وهذا مثال بسيط والشيء بالشيء يذكر. ومن يراقب الامور يجد ان امريكا تطالعنا بين فينة واخرى بتقارير متناقضة ومضللة عن مدى تأثر النظام العراقي من الحرب والحصار، فتارة تروج لفاعلية اجراءاتها هذه، وتارة اخرى تتحدث عن ان النظام العراقي مازال قويا وانه يعيد بناء قواته التقليدية والجرثومية والنووية، ومن السهل على من اراد التعامل مع الامور على حقيقتها ان يدرك ان هذه التصرفات والتقارير المتناقضة المضللة تندرج ضمن خطط تهدف الى ارهاب دول مجلس التعاون الخليجي والابقاء على حالة العداء مستمرة في هذه المنطقة اطول مدة ممكنة لتظل الاطقم العسكرية الامريكية والبريطانية العالية الصنوف والمخصصات والرواتب في منطقة الخليج ليحوز الغرب على مزيد من الامتيازات والمصالح المادية والسياسية والعسكرية على حساب حقوق ومصالح المواطن الخليجي، تحت غطاء من كذبة مرسومة ومضخمة اسمها الدفاع عن دول الخليج والعمل على اسقاط النظام العراقي . وربما وجد من يتساءل عن مبررات اصراري في هذا المقال على ان القمة الحالية لدول مجلس التعاون الخليجي لها اهمية خاصة وحساسة جدا، وان دعوة الملك فهد بن عبدالعزيز تحمل مؤشرات على طبيعة الاحداث التي يخبؤها المستقبل القريب؟ والاجابة على مثل هذا التساؤل لها جانبان استطيع الحديث عن احدهما باختصار: 1 دعوة الملك فهد بن عبدالعزيز ستغضب امريكا وبريطانيا والغرب بعامة فهم لا يريدون لنا ان نكتفي ذاتيا في اي مجال من المجالات. 2 لدي قناعة بأن ملكنا المفدى لم يوجه هذه الدعوة إلا ووراء الاكمة ما وراءها, فهو المشهود له ببعد النظر، والحكمة والاناة والصبر في غير ما تساهل او قبول بإهانة تلحق بشعبه وامته، لكن من الواضح ان السيل قد بلغ الزبى وان هناك احداثا قادمة ان لم نعتمد في مواجهتها على قدراتنا وانفسنا فسنظل تحت الابتزاز، وسنبقى اسرى الحاجة الى التدخل الغربي للدفاع المزعوم عن اوطاننا ضد اعداء صنعتهم السياسة الغربية,, هل رأيتم شخصا يمزق قطعة من ثوبه ليرقع مزقا آخر في نفس الثوب؟ وما سيحدث لنا في المستقبل يشبه هذا التصرف إن لم تتحقق دعوة خادم الحرمين الشريفين. 3 تنعقد القمة الحالية لدول مجلس التعاون في مرحلة حاسمة لحاضرنا ومستقبلنا ومن معطياتها: دخول القرن الحادي والعشرين هذه هي القمة الحادية والعشرون ومعظم الاهداف المهمة لقيام هذا المجلس لم تتحقق - مجيء ادارة امريكية جديدة تنذر بوادرها بسعي محموم للهيمنة الواسعة واعتماد الحرب وسيلة لتحقيقها - تكشف مزيد من النوايا السيئة للسياسة الغربية تجاه دول الخليج في الماضي والحاضر والمستقبل تتعارض مع آمال وتطلعات وحقوق مواطني هذه المنطقة - تغلغل الغرب وتدخله في السياسات والنظم الاقتصادية والاجتماعية والتنموية لدول المجلس تحت ذريعة الحماية والعولمة - استمرار النظام العراقي في الوجود رغم ما صرف من اموال طائلة للقضاء على تهديداته - تأثر التنمية في دول المجلس بسبب استمرار الغرب في الضغط لحشد المخصصات المالية لهذا الغرض دون طائل . الى غير ذلك من العوامل والمعطيات التي جعلت من دعوة الملك فهد امرا بالغ الدلالة وعظيم الاهمية الى درجة ان تحقيق مضمون هذه الدعوة يشكل محكا حقيقياً لاختبار مدى فهم الخليجيين لمتطلبات مستقبلهم، ورغبة الانظمة الخليجية في تنمية مجتمعاتها تنمية شاملة وثقتها بقدرة الانسان الخليجي وحرصها على ابعاده عن ذل الحاجة الى الحماية الغربية، وقدرتها على حماية ثرواتنا ومجتمعاتنا من الابتزاز العراقي والامريكي والبريطاني. ان تحقيق دعوة الملك فهد بن عبدالعزيز يتطلب من القمة اتخاذ قرارات ومواقف شجاعة تمكن مجتمعاتنا من الاعتماد على امكاناتها الكبيرة في الدفاع عن نفسها وحماية ترابها وثروات ومقدرات اجيالها وبالتالي توظيف هذه الثروات والمقدرات لاحداث تنمية شاملة لمجتمعاتنا,, تنمية تمكننا من الانتساب الى مجتمع القرن الحادي والعشرين امنيا ومعيشيا وصحيا وفكريا وتربويا وتقنيا وحضاريا,, وفي كل مجال. للتواصل الفكري: ص,ب 36236 جدة