عندما صدر النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في 25 ايار مايو 1981 كان من أبرز اهدافه تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً الى وحدتها. وكان الطموح الخليجي ان تصبح دول الخليج كتلة واحدة، خصوصاً انها تشترك في مقومات كثيرة أهمها الترابط الأسري ليس فقط بين الأفراد بل حتى بين الأسر الحاكمة ذاتها. فالعائلة الواحدة قد يتوزع أفرادها بين دول خليجية عدة. ودول الخليج لها تقريباً الهيكلية ذاتها في الحكم والادارة، وتتشابه في السلوكيات والقيم الاجتماعية. اضافة الى ذلك فإنها دول تعتمد على النفط بشكل أساسي. والمهم جداً ان التعامل معها يتم في الغالب على أساس انها كتلة واحدة وليست دولاً عدة. لهذا كله كان مجلس التعاون بشارة خير في توفير وسيلة لتجاوز كثير من العوائق الادارية البيروقراطية وصولاً الى التكامل. ثم ازداد هذا التوجه قوة وأبرزت الحاجة الحقيقية له الحرب الخليجية الأولى بين العراقوايران التي كانت الدافع الحقيقي الذي أشعر دول الخليج بأنها أسرة واحدة ذات مصير واحد، شاءت ام أبت. وأكدت هذه النظرة حرب الخليج الثانية عندما حاول العراق التهام الكويت كمقدمة لغيرها، لهذا كله كان من المنطق ان يكون مجلس التعاون ادارة تسريع لمسارات التكامل مثل الدخول بالبطاقة بين دول المجلس واذابة كثير من عوائق الاقامة والاستثمار بين دولة وأخرى، وهي جميعها تمثل احلام المواطنين الخليجيين وتعبر عن فهمهم للاتحاد والتكامل. احلام وخيبات لكن هذه الأحلام مرت بخيبات كثيرة ولا يزال معظمها بعيداً عن التحقيق. وما يأمله الخليجيون هو ان تتم عمليات الترابط بين دولهم بشكل ثنائي مبدئياً، وبعد ذلك من الممكن ان يكتمل الاطار حسب ظروف كل دولة حتى يكون للمجلس عمق شعبي وتصبح الوحدة واقعاً ملموساً. ولكن المجلس يعاني الآن من تصدعات داخلية بعد زيادة حالات الاختلاف بين دوله، وأصبح معنياً بشكل أساسي بمحاولات المصالحة والتقريب بين الدول الأعضاء بعدما تنامى الشعور الذاتي بين بعض الدول التي تريد ان تؤكد ان لها صوتها الخاص خشية ان يكون مجلس التعاون اذابة لوجودها المستقل، وهو ما لم يحدث قبل غزو العراق للكويت. وكان من الطبيعي ان يكون مجلس التعاون اكثر تماسكاً بعدما واجهت دوله عملياً خطر الغزو، لكن الوضع تغير وأصبحت الخلافات البسيطة تثير اشكالات عدة، ولعل السعودية هي الوحيدة التي حلت اشكالات الحدود عملياً مع الدول المجاورة بما فيها اليمن. ان محاولة خلق الصوت الذاتي تناقض اصلاً فكرة التكتل الخليجي الذي قام أساساً على التماسك وليس الاذابة ولم يلغ أبداً الذاتية، بل ان بقاء بعض القضايا الأولية معلقاً مثل التعرفة الجمركية، ما يؤكد روح التسامح داخل المجلس، وقد شدد الملك فهد أخيراً على أهمية مجلس التعاون، مؤكداً ثقته به وبحاضره ومستقبله ومعتبراً انه دعامة لدول الخليج واطار لها. تهمة التجسس وفي لحظة دراماتيكية تاريخية أعلنت المنامة القاء القبض على جاسوسين قطريين داخل حدودها، في الوقت الذي أعلن فيه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر استعداده لزيارة المنامة ودعوة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البحرين لحضور القمة، التي لم ترحب بها المنامة كثيراً معتبرة انها لا تتعامل بالشكليات في حل القضايا الأساسية. وهذه المفارقة التوقيتية لا يمكن ان تحدث مصادفة وفي هذه الفترة بالذات، بل لعل البحرين ارادت احراج قطر إذ للمرة الأولى تتهم دولة خليجية دولة أخرى في المجلس بالتجسس عليها وتسريب معلومات أمنية، بل ان المنامة تؤكد انه سبق لها القاء القبض على مجموعة قطرية مماثلة في أوائل العام 1987. هذه السابقة الخطيرة في دول المجلس ترفع درجة النزاع البحريني - القطري ليتجاوز مجرد كونه خلافات حدودية، وخطورة هذا الاعلان ان دول الخليج تشعر دوماً انها كيان واحد وهي مفتوحة على بعضها البعض ومتماثلة في منهجها، لذا فإن هذا التصعيد يعمق درجة هذا الخلاف البحريني - القطري ويعيق جهود المصالحة التي تزعمتها المملكة العربية السعودية التي حاولت ان تقرب وجهات النظر بين البلدين. وجاء الاعلان البحريني عن التجسس القطري ليواجه الضغوط الخليجية وفي الوقت نفسه للايحاء ضمنياً بأن البحرين لا تأخذ حقها من الاهتمام، فالمنامة تشير باستياء الى انه تم الضغط عليها في قمة عام 1990، ويوضح الشيخ خليفة بن سلمان رئيس الوزراء البحريني في لقاء صحافي المخاوف البحرينية بهذا الشأن، فهو يقول ان المنامة حضرت قمة عام 1990 التي كانت تهدف الى البحث في موضوع احتلال الكويت "ولكن الاخوة في قطر انتهزوا الفرصة لإثارة القضية على رغم ان المنطقة كانت تموج بالأحداث المتسارعة، ومنذ ذلك الوقت والاخوان يوجهون كل طاقاتهم علينا إن ربحوا ربحوا وإن خسروا لم يخسروا شيئاً، نحن لا نقبل القول بأن ما نملكه نحن منذ مئات السنين لهم حصة فيه الآن". لقد أرادت البحرين في ما يبدو اغلاق باب الوساطات مؤكدة تمسكها برفض حضور القمة. وجاءت تهمة الجاسوسية لتكون مخرجاً ملائماً لا يضعها في حرج، على الأقل مع السعودية، حتى تمضي القمة وتنتهي. وبذلك تتخذ المنامة اكثر المواقف حدة في تاريخ مجلس التعاون، وتعيد بذلك ترتيب الأولويات لدى القادة الخليجيين. لحظة المصارحة وتقول مصادر خليجية ان حضور المنامة القمة او عدم حضورها لا يؤثر في اجتماعات المجلس الأعلى الذي يصح انعقاده بحضور ثلثي الأعضاء، متسائلة لماذا لا يترك الباب مفتوحاً لهامش اختلاف معقول؟ وتعتبر المصادر انه إذا كان من حق البحرين ان تصعد احتجاجها لدرجة مقاطعة قمة الدوحة فإن من حق المجلس ان ينعقد وأن تصبح قراراته سارية على جميع الأعضاء، الأمر الذي يضع الخلاف في اطاره الاعتيادي، اي مجرد نزاع حدودي سينتهي حتماً، لكن الاصرار على الحضور الكامل هو عرف خليجي، فلم يحدث ان غابت احدى دوله عن اجتماعات المجلس الأعلى، ودول المجلس ترى ان القمة هي بمثابة لقاء أخوي، ولذا تعول كثيراً على عدم غياب أية دولة عن اجتماعات المجلس او حتى الاجتماعات الوزارية، ويزيد من حساسية غياب البحرين الاهتمام الاعلامي والتصعيد المتواصل والتصريحات المتبادلة والانتقادات المعلنة والمبطنة مما يوحي بوجود تصدع في المجلس، ولكن من يعرف التركيبة الاجتماعية لدول الخليج يدرك ان مثل هذه الخلافات قد تذهب كلياً في لحظة مصارحة وصفاء، وأن دول الخليج في صلاتها البينية لا تستند كثيراً الى منطق المصلحة المادية، لكنها تقوم على أساس الأسرة الواحدة، وأبرز مثال على ذلك الخلاف على الأمين العام للمجلس عند انتخاب جميل الحجيلان العام الماضي. وفي سياق المواقف الخليجية المتمايزة دعت الامارات الى المصالحة مع العراق، وهي ليست المرة الأولى، ففي شهر تشرين الأول اكتوبر 1995 وجهت دعوة الى المصالحة ورفع المعاناة عن الشعب العراقي أيدتها آنذاك قطروالبحرين واليمن ورحب بها المغرب، وشكلت جامعة الدول العربية لجنة للبحث في تصريحات الشيخ زايد. رفض كويتي اما الدعوة الجديدة فرفضتها الكويت كلياً على لسان الشيخ سعد العبدالله ولي العهد. والكويت ما زالت ترفض اقامة علاقات مع دول الضد، لكن هذه الدعوة بتوقيتها هي دعوة للمجلس لمناقشة موضوع العراق برؤية تختلف عن رؤية العداء، ولعل دول الخليج جميعها ترغب في ان تعيش في أجواء مستقرة وأن تتخلص من التوتر الأمني المحيط بها، لكنها تريد ضمانات أولية وهي حريصة على ان يقدم العراق هذه الضمانات علانية وبوضوح. اما ايران فهي حاضرة دائماً في أجواء القمة او على الأقل في بياناتها، فهي بالنسبة الى دول الخليج تمثل خطراً تاريخياً قائماً، ويعمق حال القلق هذه الموقف الايراني غير الواضح والثابت خصوصاً ان ايران تطالب بإلحاح مستغرب خليجياً ان يتم الفصل في التعامل معها، فهي لا تريد ان يؤثر احتلالها للجزر الاماراتية على علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأخرى، أي انها تريد تفتيت الوحدة الخليجية، وهو أمر ترفضه دول المجلس بشدة، ولذا فإن ايران بحكم موقعها الجغرافي وتماسها مع دول الخليج وتباينها السياسي معها لا يمكن تجاهلها او اهمالها. ولا تفتأ دول المجلس في بياناتها الختامية تدعو ايران الى المسالمة والتعاون وتحذرها في الوقت نفسه من تجاوز الحدود، لكن من دون جدوى. ولا زال الاشكال قائماً، فايران تتحدث بصوتين متناقضين، فهي تدعو الى المسالمة ومن جهة أخرى تثير القلاقل. ولعل هذه القمة هي التي ستجعل العمل الخليجي على المحك وستدفع القادة الخليجيين الى خوض تجربة جديدة في التعامل حتى لا تتكرر حالات الاختلاف الحادة التي قد تصل الى درجة القطيعة. وإذا كانت القمة حاولت ترطيب الأجواء الخليجية فإن من المهم ان تجد آلية جديدة للتعامل بين دول المجلس، ولا بد ان يكون للمجلس اعتباره الخليجي حتى يصبح نافذاً ومؤثراً عربياً ودولياً. مع ذلك فإنه سيظل من أبرز ملامح التغيير في المجلس الحضور الاعلامي المكثف للأمين العام جميل الحجيلان الذي اعاد للمجلس وهجه الاعلامي