سنوات طويلة والكرة السعودية تقدم نجوم كرة قدم يفخر بهم الشارع الرياضي السعودي والعربي، على حد سواء؛ لما حققوه من إنجازات على كافة الأصعدة، إقليمياً وعربياً وقارياً، وحتى على المستوى العالمي هناك نجوم تألقوا، لكن في واقع الأمر، وبمقياس الاحتراف الحقيقي، لا نجد هذا التميز على أرض الواقع!! وذلك لسبب واحد.. كل نجوم الكرة السعودية، سواء في هذه الفترة أو في الفترات السابقة، بعيدون عن الاحتراف الخارجي باستثناء لاعب واحد أو اثنين هما من قدما أنفسهما خارجياً بشكل مُرض، وتعتبر تجربتهما مقبولة نوعاً ما، وغير ذلك لا يوجد سوى تجارب باءت بالفشل. في فترة الثمانينيات كان ماجد عبدالله من أبرز النجوم وكان يملك مقومات اللاعب المحترف في عالم الهواية؛ لما يملكه من انضباطية عالية ومخزون مهاري عال يصعب توافره في الكثير من النجوم لكنه لم يحترف خارجياً. وفي التسعينيات ظهر سعيد العويران وقدم نفسه للعالم بشكل رائع في مونديال 94م بعد الهدف الأسطوري الذي سجله في مرمى بلجيكا؛ لتظهر علامات التعجب بشكل أكبر وأوسع.. لماذا لم يحترف هذا النجم حينها خارجياً؟! في وقتنا الحاضر ملاعبنا تزخم بالنجوم الموهوبين الذين لديهم القدرة على توظيف مهاراتهم بشكل جيد؛ مما يساعدهم على الاحتراف الخارجي.. وقد يراهن معظم النقاد والفنيين على نجاحهم خارجياً، على سبيل المثال وليس الحصر.. ياسر القحطاني وأسامة هوساوي من الهلال، ونايف هزازي ومحمد نور من الاتحاد، وسعد الحارثي ومحمد السهلاوي من النصر، وابنا عطيف من الشباب، وكلهم نجوم لا يمكن أن يفشلوا - بعد توفيق الله - في تقديم أنفسهم خارجياً بشكل لائق، وربما يذهبون إلى أبعد من ذلك؛ فالملاعب الأوروبية مليئة بنجوم أقل عطاء من نجومنا المحليين. السؤال المهم هنا: مَن وراء ابتعاد هؤلاء النجوم عن الاحتراف الخارجي؟ هل تتحمل إدارات الأندية مسؤولية هذا الأمر أم أن ضعف التسويق وعدم احترافية واهتمام وكلاء اللاعبين له دور في هذه القضية؟! تكمن أهمية هذا الأمر في حجم الفائدة التي ستجنيها الكرة السعودية عندما يحترف نجومها خارجياً؛ لهذا يعتبر احتراف اللاعب السعودي خارجياً ملفاً ساخناً ومحيراً في الوقت ذاته، ويحتاج إلى دراسة شاملة يتم من خلالها التعرف على أهم معوقات هذا الأمر والعمل على تذليلها أمام نجومنا. يوجد لدينا دوري قوي يعتبر الأبرز على المستويين القاري والعربي، ولدينا نجوم عقودهم بالملايين، كذلك توجد لدينا برامج احترافية مقبولة إلى حد ما يطبقها اللاعب السعودي داخل ناديه.. في مناسبات كثيرة يستطيع المنتخب السعودي مقارعة المنتخبات العالمية وأحياناً يتفوق عليها على الرغم من أن نجومنا غير محترفين خارجياً بعكس نجومهم.. كلها معطيات تمنح نجوم الكرة السعودية الفرصة حتى يحترفوا خارجياً. هناك مَن يضع العراقيل أمام نجوم الكرة السعودية ويرسم لهم شبح الفشل قبل أن يفكروا في الأمر مجرد تفكير من خلال بعض المحبطات كأن يقول: اللاعب السعودي يحب السهر، تغذيته غير جيدة، لياقته ضعيفة، التكوين الجسماني ضعيف، كلها أشياء تفرض فشل اللاعب السعودي خارجياً قبل أن يذهب!! على الرغم من إمكانية تغييرها لو افترضنا صحتها بمجرد توقيعه عقد انتقال خارجي لأي نادٍ في أوروبا؛ فالمناخ العام للاحتراف هناك متوافر بشكل أفضل مما هو عليه في أنديتنا. من وجهة نظري لا أعتقد أن السبب المباشر في عدم احتراف نجومنا خارجياً ضعف المردود الفني واللياقي للاعب السعودي؛ فربما تكون هناك أسباب أخرى تمنع تلك الأندية الخارجية من التعاقد مع أي نجم سعودي، ولعلي هنا أميل إلى ما قاله النجم الأسطوري محمد الدعيع في برنامج (فوانيس) عندما حمّل إدارات الأندية المسؤولية، وطرح تساؤلاً أمام الجميع: كيف يدفع النادي عشرين أو ثلاثين مليوناً في أحد نجومه ثم يتنازل عنه بمبلغ أقل؟! لهذا لن تجد أي ناد يوافق على بيع عقد نجمه بخسارة. إذاً الصورة الآن أصبحت واضحة وارتفاع سعر اللاعب السعودي داخلياً أثر بشكل مباشر في قلة العروض الخارجية. يرتبط مع النقطة السابقة سبب آخر مهم ورئيسي؛ فاللاعب السعودي تُقدم له مغريات مادية كبيرة تجعله لا ينظر إلى مسألة الاحتراف خارجياً بشكل جدي؛ فهو يحصل على ما يريد بأقل مجهود وهو داخل مجتمعه دون المجازفة بالانتقال إلى مجتمع آخر قد يفشل في الاندماج معه. باختصار.. عوائق هذه القضية تتشكل في ثلاث نقاط: العلاقات الأسرية الاجتماعية المرتبطة باللاعب منذ الصغر، ارتفاع قيمة عقد اللاعب السعودي محلياً، هاجس (الكوبري) لدى بعض رؤساء الأندية.. وكلها عناصر قد تحرم نجوم الكرة السعودية من الاحتراف الخارجي. ربما تكون أولى خطوات تذليل العوائق تبدأ من رؤساء الأندية من خلال استشعارهم للمصلحة العامة للكرة السعودية والمبادرة بالتضحية والمساهمة في التطوير والعمل على تعزيز ثقافة الاحتراف الخارجي لدى اللاعب السعودي من خلال ناديه ومجتمعه.. لن يضر هؤلاء النجوم عندما يضحون في بداية الأمر بالمبالغ الكبيرة التي يتقاضونها محلياً ويقبلون مبالغ أقل في ناد أوروبي مع بذل الجهد والعطاء حتى يصلوا إلى مكانة عالمية مرموقة، ولدينا في الوطن العربي أمثلة كثيرة لنجوم ذاع صيتهم عالمياً بعدما كانوا مغمورين لا أحد يعرفهم. قضية غياب اللاعب السعودي عن الاحتراف الخارجي لا يمكن تجاهلها وقد تكون نتائجها سيئة وتعيق مسيرة تطور الكرة السعودية؛ لهذا كان من المفترض على اتحاد الكرة عقد ندوات ومحاضرات وورش عمل داخل الأندية وخارجها مع الاستعانة بخبرات متنوعة في هذا الجانب، وتحويل هذه القضية إلى مشروع.. يعمل اتحاد الكرة على دعمه وتيسير متطلباته؛ حتى يتمكن اللاعب السعودي من الظهور خارجياً وتقديم نفسه كنجم يملك موهبة فطرية يمكن الاستفادة الكاملة منها.