يُعد دخول المملكة عصر الطاقة الذرية السلمية نقطة تحول كبرى في تاريخ ومستقبل الاقتصاد المحلي، فقد جاء القرار التاريخي لخادم الحرمين الشريفين في شهر أبريل الماضي بإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، وأتبعه بأمر تعيين لرئيس المدينة ونائبيه، لتكون المظلة الرسمية للنشاط النووي للبلاد قد اكتملت بهذه القرارات. وحمل القرار الملكي رؤية وأهداف المسؤولات ورسالة واضحة للمدينة التي ترتكز على قدرة المملكة وتمكنها، بمنهج سلمي يسهم في التنمية المستدامة للوطن باستخدام العلوم والبحوث والصناعات ذات الصلة بالطاقة الذرية والمتجددة. توطين التقنية وسجل الملك عبد الله دخولاً للمدينة إلى المجتمع السعودي بعنوان: رئيس يؤكد على رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة في المملكة، على أن ترعى وتدعم المؤسسة الجديدة نشاطات البحث والتطوير العلمي وتوطين التقنية في مجالات اختصاصاتها، وتحديد وتنسيق نشاطات مؤسسات ومراكز البحوث العلمية داخل البلاد. ووفقاً لأهداف المؤسسة الحديثة فإنها ستدير ملفات مهمة أبرزها: تحديد الأولويات والسياسات الوطنية في مجال الطاقة الذرية والمتجددة، من أجل بناء قاعدة علمية تقنية في مجال توليد الطاقة والمياه المحلاة، وفي المجالات الطبية، الصناعية، الزراعية، والتعدينية، والعمل على تطوير الكفاءات العلمية الوطنية في مجالات اختصاصاتها. وجاء القرار التاريخي متضمناً نظاماً واضحاً، ومجلساً أعلى برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية نائبيه الأول والثاني، ووزراء ومسؤولين كبار في مجال التقنية والطاقة. ويقود الجهاز التنفيذي للمدينة علماء وخبراء طاقة، يملكون خبرة علمية وبحثية واسعة وإدارية يصفها المراقبون بالمميزة، إذ شغلوا مواقع رسمية مهمة أسهموا في الارتقاء بها. التكلفة ووفقاً لما ذكره الكاتب والخبير الاقتصادي محمد العنقري يُعد دخول المملكة في عصر الطاقة خطوة أساسية متوجة للتوسع الكبير في مجالات التعليم والبحث العملي التي أصبحت طابع جل الجامعات خصوصاً بعد إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية واحتضان الرياض لأمانة منتدى الطاقة الدولي. وقال: إذا كانت الكهرباء عصب الحياة والشريان المغذي للصناعة السعودية فإن حجم الطلب عليها يرتفع بمعدلات كبيرة تصل إلى 6% سنوياً.. وتُقدر الدراسات أن حجم الاستثمارات المطلوبة لزيادة توليد الكهرباء تصل تكلفتها إلى قرابة 300 مليار ريال خلال أقل من عشر سنوات حتى يصل حجم الفائض عن الاستهلاك إلى 10% حسب المقاييس العالمية فإن الاستنزاف الآخر سيكون للطاقة الأحفورية النفط والغاز لتشغيل هذه المحطات بخلاف حجم التكلفة الكبير.. وبالتالي فإن دخول مصادر جديدة لتوليد الكهرباء كالطاقة النووية والمتجددة كالشمسية والرياح سيغير من حجم التكاليف وبالتالي يوفر مئات الآلاف من براميل النفط التي يمكن أن تحقق عائداً أفضل للاقتصاد بخلاف توسيع استخدامات الصناعات النفطية من خلال توفير هذه الطاقة التي تستنزف حالياً كمصدر وحيد لتوليد الكهرباء.. كما أن الطاقة الشمسية التي تتوفر في المملكة بحكم الطبيعة والموقع الجغرافي تُمثل ميزة نسبية مهمة للاستفادة من مصدر آخر للطاقة خصوصاً أن تكلفة الكيلووات المولدة من الطاقة الشمسية انخفضت تكلفتها خلال الثلاثين سنة الماضية من أكثر من دولار إلى قرابة 20 سنتاً ويتوقع أن ينخفض إلى أقل من 10 سنتات مع التقدم العملي الكبير بمجال هذه الصناعة خلال العامين القادمين. تطوير مراكز الأبحاث وقال: إن تطوير مراكز الأبحاث لخدمة قطاعات تحلية المياه التي تحتاج المملكة توسيع إنتاجها نظراً لقلة المخزون بباطن الأرض وعدم وجود أنهار ومصادر مياه كبيرة سينعكس أيضاً على حجم الإنتاج والتكلفة بشكل إيجابي.. كما أن استثمار الأبحاث الزراعية التي تستخدمها هذه المدينة سيكون له انعكاس بتوفير منتجات غذائية بتكاليف أقل وزيادة بالحجم المنتج.. هذا بخلاف الجانب الطبي الذي سيوفر بيئة للتقدم العلمي بهذا المجال.. كما أن التوجه الذي سيفرض نفسه على الجامعات هو التوجه للعلوم بهذه المجالات.. مما يعني نقل المملكة إلى عصر الطاقة بكل أنواعها وتطوير الأبحاث وتحويل مخرجات التعليم تلقائياً بما يصب في جانب خدمة هذا التحول الذي بدوره سينعكس على مناحٍ عديدة في الاقتصاد المحلي نقلة علمية وقد أكد عدد من الخبراء والمختصين أن مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية المتجددة هي نقلة علمية وتقنية بارزة تدخل المملكة عصر التقنية النووية والاستفادة من إمكاناتها وقدراتها في توليد الطاقة الرخيصة وبإمكانات واسعة تلبي الاحتياجات المتزايدة للمجتمع. وقال: إن إنشاء هذه المدينة العلمية سيفتح آفاقاً علمية واسعة أمام المجتمع تنقله إلى عصر الطاقة النووية وتعزيز وتوسيع البحوث العلمية في هذه المجالات، وتشجيع الباحثين الوطنيين للانخراط في هذا المجال والمجالات المتصلة بها، ومن ثم الاتجاه نحو تطبيقها في أرض الواقع، مما يسهم في بناء قاعدة علمية تقنية وطنية في مجال توليد الكهرباء وتحلية المياه، إضافة للاستخدامات الطبية والصناعية والزراعية والتعدينية. التوفير وأكدوا أن الاعتماد على الطاقة النووية في الأغراض السلمية يحقق فوائد جمة للمملكة تتمثَّل في الحفاظ على ثروتها من البترول والغاز والتي تستهلكها بشكل متزايد يومياً لإنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، وقالوا إن الأبحاث والدراسات تشير إلى أن إنتاج الكهرباء بالطاقة النووية يوفر نحو 60 - 70% من تكلفة إنتاجها بالطرق التقليدية باستخدام طاقة البترول والغاز. وتشير التقديرات إلى أن المملكة ستوفر نحو 400 ألف برميل من البترول يومياً عندما تلجأ لإنتاج الطاقة بالذرة، وهو ما يعني الحفاظ على ثروة المملكة النفطية من الاستنزاف، فضلاً عن أن إنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام الذرة يُعد اقتصادياً، حيث يوفر نحو 70% من تكلفة توليدها بالوسائل التقليدية المعتمدة على البترول. التطبيقات الطبية وأكد الخبراء والمختصون أن التأثير الإيجابي لمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة سيشمل أبعاداً أخرى غير الماء والكهرباء خصوصاً في مجالات التطبيقات الطبية والزراعية وهي مجالات تمثل احتياجات مهمة لحياة المواطن.. وأضافوا أن الأهداف التي حددت لمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة والتي من أهمها تحديد الأولويات والسياسات الوطنية في مجالات الطاقة الذرية والمتجددة من أجل بناء قاعدة علمية تقنية في مجالات توليد الطاقة وتحلية المياه والمجالات الطبية والصناعية والزراعية والمعدنية، وتطوير الكفاءات العلمية والبحثية الوطنية في هذه المجالات، تعزّز الرؤى الوطنية في أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو بناء مجتمع معرفي قادر على بناء اقتصاد وطني متين. الاستخدامات الإلكترونية وأضاف المختصون من استخدامات الطاقة الذرية، صناعة شرائح السيليكون لأجهزة الكمبيوتر والدارات الإلكترونية المُدمجة، وبعض الدارات التي تدخل في صناعة أجهزة الفيديو والتلفزيون.. كما يمكن استخدامها في صناعة السجاد والنسيج للحصول على ألياف لا تنكمش وتتحمل العثّة، وتتصف بخواص مقاومة البرودة والحرارة بدرحات عالية، وفي صناعة حفظ المأكولات وقتل الفيروسات والبكتيريا. ومن استخداماتها أيضاً إنتاج النظائر التي تطلق أشعة خاصة لعلاج الأمراض وإجراء العمليات، وفي إنتاج أنواع جديدة من البذور ذات مردود عالٍ ومقاومة للآفات. كما يمكن استخدام الطاقة الذرية في تصنيع وقود نووي للمحركات الضخمة يخدم لفترات طويلة، ويعطي طاقة دفع عالية للصواريخ التي تحمل المركبات الفضائية، وكمصدر للطاقة في السفن والغواصات.. وكانت السعودية قد أسّست، قبل 20 عاماًً، معهداً لبحوث الطاقة الذرية يتبع «مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية».