عندما تم تأسيس منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) في بغداد في شهر سبتمبر من عام 1960م، أعتقد الكثير من المعارضين لقيام هذه المنظمة أنها لن تستمر طويلاً وسوف تفشل في تحقيق أهدافها. بل إن المتفائلين أيضاً لم يتصوروا أن تحقق المنظمة أهدافها بكفاءة عالية وتتعدى هذه الأهداف بمراحل كثيرة. لقد استطاعت هذه المنظمة، بقيادة الدول الرئيسية المصدرة للبترول، تغيير وقيادة صناعة النفط العالمية والتأثير الإيجابي على الاقتصاد العالمي عن طريق تأمين إمدادات البترول إلى جميع دول العالم، حيث لم يشهد العالم خلال ال 50 سنة الماضية أيّ أزمة إمدادات بترولية سواءً خلال أوقات السلم أو أوقات الحرب. بل وحتى أثناء الأزمات الاقتصادية العديدة التي هزت الاقتصاد العالمي في هذه الفترة. الاستثناء الوحيد الذي شهد العالم فيه أزمة إمدادات نفط يتمثل في القرار السياسي الذي اتخذته المملكة العربية السعودية بوقف تصدير البترول أثناء حرب 73 كدعم قوي للدول العربية في حربها ضد دولة العدو الصهيوني، حيث أثبتت المملكة العربية السعودية للعالم إمكانية استخدام البترول كعامل لتحقيق العدالة الدولية التي سُلبت من العرب باحتلال فلسطين. لقد مرت أوقات عصيبة على المنظمة خلال هذه الفترة خاصة أثناء الأزمات الاقتصادية العالمية العديدة واستطاعت المنظمة بحكمة قادة ووزراء نفط دولها وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية أن تجتاز هذه الصعوبات لتصبح أقوى مما قبل. وأكبر مثال على ذلك الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي هزت العالم في منتصف عام 2008م ولم تؤثر على المنظمة وسياساتها التي ترتكز على توفير مصدر من للطاقة للدول المستهلكة وتحقيق استقرار عادل في أسعار النفط يضمن دخل ومستقبل مستقر وآمن للدول المنتجة ولا يضُر باقتصاديات الدول المستهلكة. هذه السياسة الحكيمة اعتمدت أيضاً على استمرار دول المنظمة في مشاريعها التطويرية لزيادة السعة الإنتاجية لدول المنظمة ليصبح لدى دول المنظمة أكثر من 4-5 مليون برميل في اليوم كسعة إنتاجية إضافية تستطيع دول المنظمة ضخها في السوق ما دعت إليه الحاجة، مما أعطى المنظمة ودولها مصداقية وقدرة على التأثير الإيجابي المباشر على سوق النفط العالمي. المتابع للمنظمة وما حققنه من إنجازات يجد أن دول المنظمة استطاعت خلال هذه الفترة رفع قدرتها الإنتاجية من أقل من 14 مليون برميل في اليوم عام 1965م إلى أن وصلت إلى أكثر من 34 مليون برميل في اليوم عام 2009م، ورفع قدرتها التكريرية إلى أكثر من 8.5 ملايين برميل في اليوم. واستطاعت المنظمة أيضاً من خلال سياسة دولها الرئيسية التنقيبية عن البترول، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، زيادة احتياطيات أعضائها البترولية من 425 بليون برميل عام 1980م (63% من احتياطيات العالم) إلى 1029 بليون برميل عام 2009م (77% من احتياطيات العالم) بالرغم من مضاعفات إنتاج دول المنظمة خلال هذه الفترة. ومن أهم إنجازات المنظمة أيضاً تشجيع الحوار بين الدول المنتجة والدول المستهلكة للحد من تقلبات السوق البترولية من خلال إنشاء منتدى الطاقة الدولي الذي يعمل على تشجيع واستمرار الحوار وربط مصالح الدول المنتجة بمصالح الدول المستهلكة. الحقيقة أن أهم إنجازات المنظمة حسب رأي كثير من المتخصصين يتمثل في تحقيق الهدف الإستراتيجي الذي أقيمت من أجله المنظمة وذلك للحد من سيطرة شركات البترول العالمية التي كانت تدير قطاع البترول في دول المنظمة من خلال إنشاء شركات وطنية تدير قطاع النفط بكفاءة عالية وتحقق الأهداف الإستراتيجية لدول المنظمة. خلال الخمسين سنة الماضية استطاعت دول المنظمة تحويل شركات النفط الدولية العاملة في دولها والتي كانت تعمل على تحقيق أهدافها الربحية البحته وتحدد سعر برميل البترول بما يتوافق مع مصالحها الإستراتيجية حتى وإن كانت تتعارض مع المصالح الإستراتيجية والوطنية للدول التي تعمل فيها إلى شركات وطنية تطبق سياسات دولها الموافقة لسياسة المنظمة. هل يصدق أحد أن هذه الشركات العالمية كانت تبيع بترول دول المنظمة بأقل من دولار للبرميل؟ أود أن أُبارك لقادة ووزراء بترول دول المنظمة وجميع القائمين عليها منذ تأسيسها حتى وقتنا الحالي على هذه الإنجازات. في الأسبوع القادم، سوف أتحدث عن مستقبل المنظمة وذكر بعض التحديات المستقبلية التي يجب على المنظمة التعامل معها. وكما يقال باللهجة المصرية: عقبال ال 100 سنة. عضو جمعية مهندسي البترول العالمية وجمعية اقتصاديات الطاقة