بعرض مسلسل القعقاع بن عمر التميمي على قناة قطر، تظهر معها الخلافات من جديد حول حقيقة شخصية هذا الفارس الذي يصفه مناصروه (بأن صوته في الحرب بألف رجل) و (بطل القادسية واليرموك)، في حين يرى فريق آخر أن القعقاع شخصية وهمية لم يروها سوى (سيف بن عمر التميمي) المتوفى سنة 180 ه في عهد هارون الرشيد, ولم يأت ذكر للقعقاع لا في المائة سنة الهجرية الأولى، ولا في الثلاثمائة سنة الهجرية التي تلت مرويات سيف بن عمر حتى أخرجها للوجود بن عبدالبر (368ه - 463ه) والطبري (838ه - 923ه) وبن كثير (700 ه - 774ه) وتناقلها الرواة فيما بعد. والخلافات التي تدور في مجالسنا حول شخصية القعقاع بن عمرو ليست وليدة اليوم, بل تمتد منذ أول يوم خط فيه الإخباري (سيف بن عمر) مروياته عن هذه الشخصية فمنذ القرن الثاني للهجرة اختلف المحدثون والمؤرخون ما إذا كان القعقاع صحابي أو غير صحابي, وما إذا هو شخصية حقيقية أم شخصية مختلقة, وما زال الجدل ماض حتى هذا اليوم . وعندما يأتي مسلسل القعقاع ليؤكد وجوده بهذه الصفات الخارقة للعادة, فإن السؤال: على أي مرجع تاريخي اعتمد مؤلفه؟ هل اعتمد على مرويات سيف بن عمر أم على رواة آخرين ؟ أم أن المؤلف أضاف أحداثا درامية جديدة من نسج الخيال ليضيف إلى مرويات سيف بن عمر المزيد. مشكلة أخرى في شخصية القعقاع بن عمر التميمي كونها مادة الصراع بين الشيعة والسنة, البحوث الشيعية تنفي وجوده، في حين البحوث السنية تسعى إلى تأكيده, فيما يظل البحث العلمي (المستقل) خالي الوفاض.حيث يبقى الجدل مستمرا وإلى مالا نهاية طالما أننا غير قادرين على التخلص من عقدة (التمذهب), فليس قرننا الحالي وما يتبعه من قرون بأفضل حال من حيث البحث العلمي المستقل من القرون السابقة. وتبقى الأعمال الدرامية (الموجهة) أيا كان شكلها ونوعها ومصدرها, أعمالا (حزبية) لا تمتد للدراما بصلة, فطالما أن المؤلف يضع على لسان شخصياته ما يريده هو، وما دام أنه يطلب من (شخصياته الدرامية أن تقول ما يشاء هو لا ما تشاء هي) فإننا في هذه الحالة أمام حالة (أيدولوجية) أكثر من كونها حالة (درامية) مستقلة بذاتها. [email protected]