إذا كان مسلسل «القعقاع بن عمرو التميمي»، للمخرج المثنى صبح، قد وقف على حافة الدائرة، فإن مسلسل «عمر بن الخطاب»، للمخرج حاتم علي، سيقفز إلى قلبها. يبدو أن اللحظة التاريخية، وتماماً قبل الدراما العربية، قد حانت للانتقال من دراما الأكتاف والأيدي والعكاكيز والصور الظليلة، والصوت الخارجي (Voice Over)، إلى مستوى الدراما الحقيقية، التي تتعامل مع الشخصيات الدينية، وبخاصة الخلفاء الراشدين باعتبارها شخصيات تاريخية، يمكن إعادة قراءة مسيرتها، أو سيرتها، من خلال حبكة درامية، تشكل مفتاحاً لفهمها، وقراءة الشروط الذاتية والموضوعية التي مرّت بها، وصنعتها وارتقت بها، وتقديمها درساً مستفاداً! لن يكون ثمة مبرر للإعلان عن هذا الإنتاج الدرامي المشترك الكبير، الذي جرى، بين مؤسستين إعلاميتين إنتاجيتين عربيتين عملاقتين (مجموعة «ام بي سي»، والمؤسسة القطرية للإعلام)، إذا كان مسلسل «الفاروق عمر»، كما من المنتظر أن يكون اسمه، سيدور على حافة الدائرة ذاتها. فقد رفع مسلسل «القعقاع» السقف على مستوى الصورة إلى حدّ مناورة الكاميرا ومداورتها لحضور الخلفاء ، فرأينا تمثيل أجسادهم ووجودهم وحضورهم وحركاتهم وسكناتهم، ولم يخف سوى وجوههم، الأمر الذي جعل سؤال الصورة مطروحاً! صحيح أن مسلسل «القعقاع» لم يصل إلى مستوى الصوت، إذ اعتمد أسلوب القول الإذاعي، الذي يتحدث بدل شخصية الصحابي، بما يوحي تماماً بأننا نستمع إلى قول الصحابي، وليس له، وذلك عبر صوت لا يمثل صوته، بل ينقل قوله... لكن «القعقاع» في الأحوال كافة، استغنى عن أسلوب القول بالنيابة الذي اعتدناه في الأفلام والمسلسلات العربية، ذات العلاقة، والذي غالباً ما كان يأتي على نحو: «يقول لكم...»، فبتنا نستمع لما يقال، مع حرص صانعي العمل على تنبيهنا، في كل لحظة، إلى أن ما نسمعه ليس صوت الشخصية، بل صوت قولها! ولكن هذه لن تكون إلا خطوة على طريق الصوت. ما بين الصورة والصوت، يبدو أن من المنتظر من مسلسل «الفاروق عمر»، أن يذهب أبعد من ذلك، فيقوم بالكشف لا بالحجب، وأن يقدم الشخصية بالصوت لا بالقول... هكذا، لن نبقى، بعد ذلك، مضطرين لمشاهدة الممثلين ساهمين في الكاميرا، مشدوهي ومشدودي الأبصار نحونا، وقد باتت الكاميرا، التي تمثل وجهة نظرنا، كمشاهدين، تحتل موقع الشخصية، وتمتلك الأبصار... كما لم نعد مضطرين لسماع الصوت الدخيل، يحدثنا نيابة عن الشخصية، ويقول لنا بشكل مفخّم، خارج عن أصالة الدراما وروحها: «يقول لكم الخليفة...»! إذا كان مسلسل «عمر بن الخطاب»، أو «الفاروق عمر»، سيأتي في رمضان المقبل، أو بعده، من أجل: «السعي لتصحيح التاريخ، وحفظه قدر الإمكان عبر الدراما، ودحض تعدد الروايات من قِبل من أساء للتاريخ الإسلامي الجامع».. وإذا كانت الهيئة العلمية الشرعية المشرفة عليه ستضم علماء، من طراز: «الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ الدكتور سلمان العودة، والدكتور عبدالوهاب الطريري، والدكتور علي الصلابي، والدكتور سعد مطر العتيبي، والدكتور أكرم ضياء العمري»... وإذا كان المسلسل سيأتي بتوقيع كاتبه وليد سيف وبإمضاء مخرجه حاتم علي... فإن هذا يجعلنا على ثقة بأننا سنكون أمام خطوة نرجو لها أن تغدو حالة طبيعية، وبداية لرؤية درامية، تعيد قراءة ملفات التاريخ.