مهما كانت ثقتنا بأنفسنا قوية إلا إننا بحاجة لمن نأخذ برأيه في موضوع ما أو استشارته في مشكلة ما تؤرقنا وتريد من نستنير برأيه. ومهما كانت أحوالنا الاجتماعية والاقتصادية جيدة ولله الحمد إلا أننا نشعر أحيانا أننا بحاجة لشيء ما نفتقده، نشعر بحاجة لمن يجيب على تساؤلاتنا الحائرة التي لم نجد لها اجابات شافية منذ زمن. ومهما كنا على اطلاع واسع وثقافة جيدة نفتخر بها إلا أننا على استعداد لتقبل ما يطرح علينا من أفكار ومناقشتها والتفكير بها مهما كانت أفكارا بسيطة في ظن الآخرين، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أين تلك المصادر الشافية الموثوقة المطلوبة التي تفي بهذا الغرض؟ وأين هو ذلك الإنسان الذي يضع لك النقاط على الحروف ويتلمس مواطن الداء لديك بشكل عملي ويرشدك إلى الطريقة الصحيحة المناسبة والمعقولة للتخلص مما أنت فيه من سلوكيات مزعجة بالنسبة لك وذلك من خلال خطوات عملية؟ والحقيقة أني أجد هذه الأمور في نفسي قبل أن أجدها فيك أنت أيها السائل الكريم التي نبهتني إلى أمور أطرحها باستمرار ولكنها بحاجة إلى المزيد من الخطوات العملية والتحليل. وربما هذه هي العلاقة المطلوبة بين الكاتب والقارئ تلك العلاقة التي لا تقوم على القراءة فحسب، أو على الرضا بما هو مكتوب بل على المناقشة الجادة التي تشعر الكاتب بألا يكتفي بالكتابة وحسب بل وأن يكون بمثابة المرشد العملي لكل كلمة يقولها أو اقتراح يقدمه ولا بأس من التذكير من الحين والآخر لأن الإنسان قليل بنفسه كثير بغيره. ودعني أخاطبك أنت تحديدا يا من تجد في نفسك مثل هذه الأمور فأحيانا وربما كثيرا تجد نفسك أنت كإنسان لا ينقصك شيء من نعم الله ولله الحمد ومع ذلك تشعر بشيء من الشعور بالذنب! من أين؟ لا تعلم على وجه التحديد، والمشكلة ان هذا الشعور ليس لك ذنب فيه مطلقا ولكنك وجدت نفسه مقحما فيه دون إرادة منك! ألا يحدث هذا معك؟ بالتأكيد نعم وإن لم يحدث معك فمع غيرك خذ مثلا شعورك بالذنب في حق نفسك أنت، فأنت على سبيل المثال تريد ان تقول لا لأشياء كثيرة ولأشخاص آخرين لأنك إما غير مقتنع بها أو لانه لم يحن وقتها ومع ذلك تقول نعم وبالمناسبة فهذا ليس ضعفا منك ولكن ربما لأنك إنسان تعودت على العطاء دون انتظار مقابل مهما كانت نعم سوف تسبب لك من آثار نفسية متعبة أو على الأقل عدم رضا. ولكن الأهم من ذلك، أنه من المؤكد أن رواسب هذه الموافقة أي كلمة نعم في كل وقت بغض النظر عن الظروف التي أنت فيها، وبغض النظر عن رضائك عنها أو عدم استعدادك لها، من المؤكد ان رواسبها نابعة من التربية والتنشئة الاجتماعية التي تدركها أنت جيداً وتعرف أنك قد تشربتها من أسرتك ومن المجتمع من حولك. وللعلم وهذا ما أتفق معك فيه فالشعور بالذنب ليس بالضرورة أن يكون نتيجة خطأ ارتكبته أو ذنب اقترفته وليس كما يشعر بعض الناس بارتكاب الذنب بعد أن تكون لديهم مشاعر تعلموا أنها مشاعر سيئة أو شعور غيرهم بالذنب بعد التفكير بأفكار تعلموا أنها سيئة أو من الخطأ التفكير بها، أبدا ليس هذا فحسب بل إن الشعور بالذنب قد يكون أحيانا نتيجة أمل لم تحققه أو تحصل عليه أوحتى تقترب منه وهو يشعرك بتأنيب الضمير! وشيء آخر يحسسك بالذنب وهو كونك حساسا جدا في كل شيء لدرجة الإفراط، ومن ذلك مثلا احساسك بأنك ضعيف أمام مواقف معينة أو أشخاص محددين، احساسك بأنك تتأثر من كل شيء يوجه إليك أو حتى لو كان بشكل غير مباشر وشعورك بالذنب هنا نابع من أنك تبحث عن حل فلا تجد لتلك الحساسية المفرطة. وكل هذه الأمور بشكل او بآخر تقودك الى قضية اخرى وهي قضية عدم استمتاعنا بكل شيء في حياتنا كما ينبغي، فكل ما تفعله وتقوم به هو لغيرك حتى مع أطفالك، تجد كل هذه التضحيات تكون على حساب صحتك ووقتك ونفسيتك وحينها ربما تتساءل ألم يحن الوقت بعد لكي ألتفت لنفسي؟ لكي أشيح عني التفكير بالشعور بالذنب كوني لم أستطع أن احقق شيئا أو أصل إليه؟ ألم يحن الوقت بعد لكي أستمتع بقيمة ما لدي مهما كان بسيطا؟ إن ما أتحدث عنه تحديدا هو أن نعيش اللحظة(!) دون منغصات ودون أفكار جانبية أخرى. فالمتعة أو اللذة التي أتحدث عنه هنا هي الأفكار والمشاعر المفرحة السارة التي يحس بها الجميع الصغير والكبير، الرجل والمرأة, فهناك أفكار سارة ومشاعر مفرحة، فالأفكار السارة مثلا هي التفكير بتناول الحلوى أو البوظة والأفكار هي من صنع الدماغ, أما الشعور السار المبهج فهو من احساسات البدن فتناول البوظة مثلا يعطيك إحساسا باللذة وهذا الاحساس باللذة يصدر عن البدن وليس عن الدماغ أو كما يقول المرشد الصحي النفسي حول هذا الموضوع. وهذا فقط مجرد مثال أردت الدخول من خلاله لأمثلة أخرى نشعر بها ونتعامل معها يوميا بشكل اعتيادي وكأنها لا تهمنا بينما هي الهم نفسه! وهي ما تحتاج لوقفة تأمل وخطوات تصحيحية تبدأ في تصحيح وتعديل مسار السلوك غير المرغوب وهذا ما سوف نتطرق إليه. ومن ذلك مثلا والذي يؤكد انشغال عقولنا بأشياء لا يجب أن تنشغل فيها وبالذات في أوقات هي بحاجة للاستمتاع بالسعادة والشعور بالمتعة الحقيقية لأن لحظات السعادة الحقيقية قصيرة وينبغي ان تستثمر لصالحنا. وما أقصده تحديدا فيما يتعلق بعدم قدرتنا على استثمار مفهوم السعادة أوالمتعة الحقيقية هو اننا حتى في الوقت الذي يفترض أن يكون مخصصا للمتعة فإننا نقاطعه بأشياء أخرى جانبية يمكن تأجيلها فالكل منا تمر به مواقف مؤلمة وتجارب سيئة ولكن لا ينبغي أن تكون شغلنا الشاغل باستمرار وفي كل وقت، وحتى لو تخاصمنا مع فلان أو علان، فينبغي أن يكون الخلاف وقتيا وينتهي في حينه وألا يأخذ حيزا من تفكيري في الوقت الذي أريد أن أستمتع فيه, ينبغي طرد كل المنغصات وعدم اقحامها في حياتنا بشكل لا داعي له. قد لا تكون لدينا القوة أو القدرة أو المعرفة لكي نقوم بذلك، ولكن ما رأيك بعد إذنك ببعض الخطوات التي يمكن ان تساعدك ولو قليلا للبدء في ذلك؟ 1) بداية لابد من الجلوس مع النفس وتحديد تلك الجوانب التي تشكل ازعاجا بالنسبة لك. 2) هل هي كل ما لديك أم أن هناك أشياء أخرى خارجية؟ 3) حدد أسباب تلك الأمور المزعجة بمعنى تلك الأمور التي أنت سبب فيها والأمور التي من جهة أخرى لا تتعلق بك. 4) من تلك الأسباب أو القائمة التي أنت سبب منها حدد أولوياتها بالنسبة لك (أي أي منها تريد التخلص منها أولا أو تعديلها قبل غيرها) بالمناسبة يفضل ان تبدأ بالأشياء السهلة أولا والتي لديك القدرة عليها من باب التشجيع ليس إلا. 5) حدد وقتا أو جدولا زمنيا للتخلص من تلك العادة وتقيد به وتابع التزامك به. 6) اجعل تركيزك على الحلول وليس على المشكلة أو المشاكل. 7) إذا وجدت نفسك مستسلما لتفكير أو مشاعر سلبية فلا تعذب نفسك طالما قمت بتغيير حالتك فوراً. ولنفرض انك حددت اسبوعاً لتغير شيئا ما في حياتك ولتكن عادة غير مرغوبة, وإذا كنت على استعداد حقا لان تتبع منهجا جديدا في حياتك، فحاول ألا تبدأ ذلك الأسبوع من التحدي العقلي إلا إذا كنت متأكدا تماما أنك سوف تعيش بها أبدا بعد ذلك, فهذا التحدي ليس موضوعا لضعاف القلوب بل انه صالح لأولئك المصرين فعلا على تكييف جهازهم العصبي على تقبل النماذج العاطفية الجديدة القادرة على الوصول بهم إلى مستويات أعلى من النجاح. ولكن لكي تحصل أنت على مزايا إضافية للتأكد من أنك تستطيع ان تواظب على تلك السبعة ايام من التحدي العقلي فعليك ان تقوم بالإعلان بين أفراد أسرتك وأصدقائك عما أنت بصدد القيام به وان تطلب مساعدتهم في إعانتك على الالتزام بالمطلوب والأفضل من ذلك ان تجد صديقا أو أخا يريد هو أيضا أن يطبق الأيام السبعة من التحدي الذهني معك. وأقصد بالمساعدة هنا الدعم المعنوي بحيث يشجعونك حتى بعدم انتقادك أو لومك. ومن الأفكار الجيدة في هذا الشأن ان تقوم بكتابة يومياتك في مواجهة ذلك التحدي العقلي, وهذا مهم جدا لأن هذه اليوميات حول الكيفية التي تسيطر بها بنجاح على العادات السيئة التي تقوم بها سوف تكون بمثابة دليل تلجأ إليه فيما بعد عندما تواجه أحد المنعطفات في طريق حياتك ليس ذلك فحسب قد تكون مفيدا لغيرك ممن هو في أمس الحاجة لمثل تلك الخطوات التي اتبعتها وأثبت نجاحاً. ولتتذكر ان ما نربطه بالألم وما نربطه بالسرور يحدد مصائرنا فنحن في بادئ الامر من نشكِّل عاداتنا ثم فيما بعد تشكِّلنا عاداتنا, وهنا بيدنا منذ البداية ان نكوّن عادات حسنة أو سيئة بل الأهم من ذلك ان لم يكن ذلك، أي ان لم نكن قادرين على تشكيل عاداتنا لأنه فات الأوان في نظرنا أو هكذا نظن فإذا كان الوضع كذلك فإن بيدنا شيئا كبيرا جدا نقدمه لأحبائنا ولمن بيدنا سلطة عليهم كالأبناء وهذه قمة التضحية ألا تعتقد ذلك؟ نعم بإمكاننا ان نغرس فيهم عادات حلوة يشكروننا عليها فيما بعد ويحمدونها لنا. وعلى أي حال، فإن موضوعا مهما وشيقا كهذا من الصعوبة الإحاطة به كاملا، بل من غير الإنصاف القول بأننا جاوبنا فيه على كل تساؤلاتك ولكن يكفي ان هناك توافقا واتفاقا حول الأفكار ليس كتابيا فحسب بل وكلاميا. نعم يحدث أحيانا أن نشعر بتلك المشاعر ونبحث عن طريقة أو آلية للتعامل معها ولكن هذا شعور طبيعي وينم عن عدم رضانا عن الواقع الذي نعيشه ولكن ربما ما يريحنا أحيانا أننا لسنا الوحيدين ممن يشعر بها. مرة أخرى، فإن ما طرحناه من نقاط لا يعدو كونه أفكارا ولكنها تستحق التوقف عندها والتأمل فيها فلربما كان بعض منها مفيدا بالنسبة لنا فمن يدري؟ ثم أليست الحياة تجارب؟ فقط لتكن لدينا الإرادة والعزيمة على التغيير والبدء بخطوات ولو بسيطة ولا نتعجل النتيجة, المهم أن نسير بشكل صحيح. همسة صدقني,. ما يعجبني فيك,. وما يريحني منك,. إنه رغم اختلافنا,. في بعض الآراء,. تظل أنت كما أنت,. بقلبك الكبير,. وبصراحتك الشديدة,. وحوارك المتفهم,. *** تظل أنت كما أنت,. لا تحمل بداخلك حقداً,. لأي مخلوق,. ولا تسيء فهماً,. لأي إنسان,. *** لم لا؟ وقد رأيت فيك الحياة بجمالها. والغيوم بخيراتها,. بل وجدتك العبير الفواح,. والعطاء اللامحدود,. *** أما أنت,. فقد يكون رأيك فيَّ مختلفا,. قد لايكون كما تصورت,. قد لا يطابق ما رسمت,. ولكن,. حسبي أنه رأيك,. وهذا ما أحترمه,. ما أعتز به,. *** وحسبي ايضا,. أنك اهديت لي عيوبي,. وهذا لا يقدر بثمن,. ويكفي أنها منك,. لأنظر لها بجدية,. ولأحاسب نفسي عليها. عنوان الكاتب ص,ب75395 الرياض 11578 بريد الكتروني Fhmaghloth@ yahoo.com