مايحدث في المنطقة من تطوُّرات عاصفة، وما تعصف بها من متغيرات مستجدة، وما تعترك في أرجائها من مستجدات مبتدعة.. إلا لتباشير مقلقة لأمور خطرة ظهرت معالمها من القرن الماضي، وتعتمل في رحم الحاضر الغامض، وقد تولد في رحاب مستقبل أكثر غموضاً، لم يعد بالإمكان معرفة جنس المولود أو شكله وبالطبع حتى خلفيته. ولو وقفنا لبرهة من الزمن لاستعادة الأنفاس، أو على الأقل لالتقاطها، لصعب علينا الأمر، ولاستحال علينا الوضع في زمن لم يعد فيه متسع من الوقت ولا مساحة من الزمن لالتقاط الأنفاس اللاهثة أو لاستعادة الأنفاس المحشرجة. دعك من القدرة على الجلوس المريح أو حتى الحركة الحرة التي قد تساعد على التنفس الطبيعي. فما يحدث ليس بالجنون نفسه، ولا بالخطر المحدق بعينه، وإنما هو مزيج خطير من الجنون والخطر بفعل هيمنة سحابة من الجهل والمجون السياسي اللذين حتماً سيؤديان إلى حدوث ما لا تُحمد عقباه. ذلكم بالفعل حقيقة واحدة من حقائق ما يفعله ويمارسه القادة السياسيون في إيران منذ عام 2005م، فيما يتعلق بما يمكن أن يسمى ب «معضلة إيران النووية»، وأيضاً منذ عام 1979م بما يمكن أن يسمى أيضاً ب «بمعضلة إيران الثورية». فالثورة الإيرانية التي نشبت في عام 1979م أعلنت انتهاء عهد المحافظة السياسية، وبدأ عهد خطير من الانقلابات المتواصلة بل والثورات المتتالية على الأوضاع السياسية السائدة في المنطقة برمتها بدعائمها المحلية ومصادر دعمها الخارجية. نعم، النظام السياسي المحافظ لشاه إيران القائم على ضرورة الحفاظ على الأوضاع الراهنة في المنطقة تغير في عهد الخميني وحكم الملالي في طهران إلى نظام سياسي ثوري يروم تغيير الأوضاع السياسية في المنطقة بالوسائل كافة، بما فيها استخدام مصادر وأدوات القوة والنفوذ والهيمنة. المشكلة تكمن في عدم قدرة العرب على إيجاد أو تشكيل نظام سياسي وأمني وعسكري عربي رادع وقادر على مواجهة المخاطر الإيرانية. فالعرب المشغولون بالقضية الفلسطينية، والمواجهات المباشرة وغير المباشرة مع إسرائيل, ربما غاب عنهم التعرُّف المبكر على مخاطر وأطماع النمو والتحفُّز الفارسي في المنطقة. قد يقول قائل ما: إن صدام حسين شنَّ حربه الخاطفة على إيران في عام 1980م وكأنه أول مَنْ أدرك حقائق مخاطر النظام السياسي للفقيه الولي الفارسي على الأمن القومي العربي.. ذلكم بالفعل قد يكون جزءاً من الحقيقة، ولكن قطعاً ليس الحقيقة برمتها؛ فصدام حسين كان يتحرك ويعمل بهدف تحقيق أهدافه ومصالحه وأطماعه الشخصية، وليس للحفاظ على الأمن القومي العربي. وعندما لم يتمكَّن صدام حسين من إلحاق الهزيمة المتوقعة بالنظام الإيراني، وانتهت الحرب تماماً كما بدأت دون تحقيق أي نصر عراقي على إيران، حاول تحقيق أهدافه ومصالحه الخاصة في موقع آخر، وكان ذلك الموقع هو الكويت!! بل إن وقف صدام حسين الحرب على إيران دون تحقيق نصر كاسح وواضح يُذكَر تَرَكَ الأمرَ هكذا معلقاً دون حسم، بل ساعد على تقوية النظام الإيراني ورسوخ شرعيته السياسية أكثر في الداخل، ورفع من أعداد مؤيديه ومناصريه ومن داعمي بقائه في السلطة. حرب صدام حسين على إيران الفارسية ساعدت على تقوية وتمتين قوة وشرعية نظام الملالي الحاكم في إيران الثورة؛ الأمر الذي مهَّد الطريق بسهولة بعد ذلك إلى ظهور «إيران النووية» ومعضلتها الخطيرة التي تواجهها المنطقة العربية، بل العالم كله.