من منا لم يسمع أو حتى يقرأ روايات دان بروان، ومن منا لم يندهش من نجاح كتاب (هاري بوتر) للكاتبة البريطانية جي كي رولينغ؟! ومن لم يستمتع بمشاهدة أفلام المخرج المبدع ستيفن سبيلبيرغ؟! الشيء المشترك في نجاح براون ورولينغ وسبيلبيرغ هو وجود عنصر الخيال.. الذي أصبح أرضية خصبة للإبداع والإبهار, فنحن البشر بحاجة إلى الخيال لنبدع ونخترع وبل ولنعيش. الخيال أيضاً أصبح مادة مربحة تجارياً والدليل نجاح فيلم الخيال العلمي الجديد (أفاتار) الذي حقق رقماً قياسياً في شباك التذاكر حيث تجاوزت إيراداته المليار دولار بعد ثلاثة أسابيع من عرضه, هذا الرقم الهائل يفوق ميزانيات عدة دول نامية مجتمعة. رواية هاري بوتر أيضاً تعتمد كلياً على الخيال وهو الكتاب الأكثر مبيعاً في تاريخ البشرية والذي يعتبر ظاهرة فريدة من نوعها حيث تجاوزت مبيعاته 275 مليون نسخة. هذه الرواية التي جعلت الكاتبة في مصاف الأثرياء بل وأغنى من ملكة بريطانيا نفسها ونقلتها من الفقر والظل إلى الثراء والشهرة وأصبحت الطاولة التي سمح لها بالجلوس فيها للكتابة ساعات طويلة مقابل أرخص مشروب مزاراً لكاميرات الصحافة والتلفزيون والمعجبين بها من حول العالم. الواقع يثبت أن هناك سوقاً عريضاً لهذه «البضاعة» في العالم العربي أيضاً، وحتى في السعودية فإن مسحاً سريعاً لقطاع المهووسين بزيارة السينمات القريبة أو تنزيل الأفلام من مواقع (تورنيت) سيثبت لنا أن شريحة معتبرة تتابع منتج الخيال العلمي الصادر عن هوليوود من أفلام ومسلسلات بشغف واهتمام. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه.. لماذا نفتقد قصص وروايات وأفلام الخيال العلمي العربية؟؟ ولماذا لا يملك الفرد العربي القدرة على التخيل والإبداع؟! على الرغم من أن الطفل يولد ولديه خيال خصب ولكن يبدو أن هذه القدرة تتلاشى مع مرور السنين, فإحدى قريباتي كانت تحدثني عن خيال ابنتها ذات الأربع سنوات, والتي لم تدخل المدرسة بعد, وتقول إنها خلقت لها اسم مدرسة خيالية, واختارت أسماء صديقاتها, ومعلمتها المفضلة, وأصبحت تتحدث عن أحداث حصلت معها أثناء يومها الدراسي, حلوة حيناً, ومرة أحياناً أخرى, كما أنها تفتخر أحياناً بإنجازاتها التي حققتها في المدرسة, مثل ذلك الخيال الخصب لو وجد في بيئة تحفز الخيال وتنميه وتستثمره كم كان سيبدع ويدهش بقدرته التخيلية والتصورية؟! ولكن مناهجنا وأنظمة التعليم لدينا مازالت لا تبعث على الإبداع والتخيل وما برحت محفزاً للتفكير بطريقة نمطية تقليدية بعيدة عن التفكير الخلاق فهي من علمنا أن لا نبدع حينما اتخذت أسلوب التلقين والحشو منهجاً لها وتعاملت مع عقولنا على أنها أوعية تُخزّن فيها المعلومات وتُفرغ بعد الاختبار, دون أن يكون للطالب حق التساؤل والنقد والإبداع. فهي من علمتنا كيف يفكر الآخرون ولم تعلمنا كيف نفكر نحن.. فكيف يبدع ويتخيل عقل لم يتنفس تعود التلقين والتخزين؟؟ حسناً المناهج تقتل الإبداع وتقوضه, فما هي أخبار المعلم؟! وهل له دور في كسر النمطية وتحفيز أو حتى دغدغة الجانب الخيالي الإبداعي؟؟ للأسف.. المعلم منهك ومشغول بإنهاء المنهج وكأنه في سباق مع الزمن, يخاف الخروج عن النص ويرفض الأسئلة بل ويهاجمها فعليك أن تحفظ وتكتب ويُفَضل أن لا تسأل. كما أن للخطاب الديني وبعض خطباء المساجد دوراً سلبياً في هذا الموضوع، حين يهمشون الجانب الحواري والنقدي ويلقون خطباً تقليدية ورتيبة دون أن يتيحوا الفرصة للنقاش بعدها. للأسف أن الكثير منهم لا يؤمن بالحوار ويرفض الرأي والرأي الآخر ويفرض الوصاية على عقول الناس على اعتبار أنه أفضل وأعلم منهم, فتبعه جمع كبير من الناس ونهج نهجه وأصبح لا يقدم على أي عمل دون فتوى إباحة على قاعدة (خل بينك وبين النار مطوع). الخلاصة واقع الخيال والإبداع العربي مرير, بسبب محاولة تغييب وتهميش العقل, في البيت أولاً وفي المدرسة وفي بعض الخطابات الدينية وفي غياب حرية التعبير والحضور المكثف للقمع والكبت والخوف وغيرها، فلا يستطيع أن يعبر ويبدع من لا يشعر بالأمان. نبض الضمير: (الخيال أهم من المعرفة) ألبرت أينشتاين.