ذكر (ول ديورانت) من العقوبات التي فرضها النصارى على اليهود إيجاب الضرائب عليهم بحق المواطنة للإنفاق على مرافقهم وخدماتهم كالألعاب الرياضية.. ومن العقوبات جدولة ديونهم أو مصادرتها؛ لأنها استقرت بالمراباة المضاعفة، والابتزاز الشنيع، وكان ذلك مصدراً ثرياً لكتبٍ أدبية وتاريخية كتاجر البندقية لشكسبير، وكفاحي لهتلر.. ومن العقوبات رفع الحرمة لمعتقداتهم؛ فكان يُفرض على مشاركة ممثليهم أن يكونوا أنصاف عرايا، ومن العقوبات الحرق الذي بالغ اليهود في تضخيمه والنفي، وقد فرض عليهم ملك فرنسا عام 1315م ثلثي ما جمعوه من المال الحرام، وهو فوائد القروض التي امتصوا بها الشعب الفرنسي.. ولم يعاملوا اليهود بالإبقاء على الدَّين أو دفع الجزية مقابل المواطنة والحماية والقيام بشأنهم إذا عجزوا كما فعل المسلمون، بل لابد من التنصر أو القتل(1).. وفي مجلس بال عام 1431-1433م تبلورت القوانين بتحريم معاشرة اليهود، أو خدمتهم، أو استخدامهم أطباء (وكانوا يَسُمِّمونَ مرضاهم).. ووجوبِ عزلهم في أحياء، وإلزامهم بوضع شارة تميِّزهم، وبحضورِ المواعظ الهادفة إلى تحويلهم عن دينهم «(2). قال أبو عبدالرحمن: واليهود هم الذين صنعوا لأنفسهم الكره والشتات؛ فعلى سبيل المثال فإن اليهود أجناس شتى، وليسوا هم بني إسرائيل، والسامي فيهم أندر من الكبريت الأحمر، ومع هذا أحنقوا الأوربيين في الافتخار عليهم بأنهم سلالة ملوك حكموا إسرائيل ألفَ سنة قبل ظهور المسيح عيسى عليه السلام (مع أنهم لا يعتقدون أنه ظهر بعد)، ووصفوا الأوربيين بأنهم مشركون يؤمنون بالخرافات وأنهم بطيئو الفهم.. ومن هذه المفارقات نستلهم العِبَر التالية: أ - أن تاريخ المسلمين مشرق الإحسان مع أهل الأديان. ب- أن العالَمين الغربيين بالغين المعجمة مكَّنوا لليهود في بلاد المسلمين بغير حق من جرَّاء دعوى ظلمٍ لليهود لم يرتكبها المسلمون؛ فكان التكفير عن الظلم بظلم أشنع. ج- أن ما حلَّ باليهود من عقوبات في أوربا مبالغ فيه؛ وإنما العقوبات حالات استثنائية بمقابل جرائم من اليهود أشنع. د- أن دعوى الشتات مبالغ فيها؛ فهم مواطنون متنفِّذون في أوربا.. وعلى الرغم من الكره الشعبي لهم إلا أنهم في حمايةٍ ودلالٍ تام؛ لصلتهم بالقادة من جهة، ولعملهم في الخفاء من جهة، ولملكهم لمقدِّرات الحياة من جهة ثالثة. ه- بما أنه لا قدرة لهم على الأوربيين؛ لتقدمهم العلمي فقد أبدعوا حربين كونيتين غيَّرتا موازين القوى، وتعاونوا مع أقطاب الحربين في تمزيق المسلمين لتخلفهم، وكسروا حاجز العداء الديني مع النصارى بوسيلتين: إحداهما نشر الإلحاد والإباحية، وأخراهما صنع ديانة وضعية صهيونية مصدرها التلمود. و- من ذلك الشتات بدأت فاعليتهم التخريبية إلى أن ولدت الصهيونية السياسية المتنفِّذة في العالم. ز- باسم حماية العالمين الغربيين (بالغين المعجمة) التي موقعها مادةً واستراتيجيةً بلادُ العرب والمسلمين: ابتزوا العالمين الغربيين بالمال والسلاح حتى كانت إسرائيل في بلاد العرب قوة لا تُضاهَى، وكان صوتهم راجحاً في أوربا، وكان نفوذهم غير مُقَاوَمٍ في الدولة العظمى. ح- عداؤهم المرير للنصارى كامنٌ مؤجَّلٌ غايتُه توجيه هذه القوة الإسرائيلية والنفوذ التام في الدولة العظمى لضرب العالمين الغربيين؛ فالمواجهة بين اليهود ودول الوفاق حاصلة ولابد، وربما صحا الضمير في الدول الغربية، وانتشر الوعي قبل حدوث الكارثة، وقبل تمكن اليهود من أخذ ثأرهم التاريخي.. والقاعدة أن من أعان ظالماً على ظلمه سُلِّط عليه. ويحفل كتاب العهد القديم بعداء شديد للبشرية، وليس ذلك من حكم الله؛ فالله منزَّه عن الظلم والأمر بالفساد؛ وإنما ذلك ضمن ما افتُرِيَ على الله ورُسُلِه.. وعلى الرغم من عداوتهم الشديدة للمسلمين فعداوتهم للمسيحيين أشد وأنكى؛ لأنهم يحسدونهم على تفوُّقهم العلمي، ولا يجاهرونهم بالعداوة كما يجاهرون المسلمين، وإنما يكيدون لهم في الخفاء بهذا التغلغل في مقدِّراتهم باسم المواطنة مع أن الولاء للأعمال السِّرِّية للصهيونية.. بل يُحْكِمُون الكيدَ بتغلغلهم في أهم القوى علماً واختراعاً وقانوناً ومحاماة وإعلاماً وتحكُّماً في كراسي الجامعات مع منظمات الموساد وشبهها التي تملك كل وسائل العنف والتصفية.. هذا حسب التاريخ الحديث، وأما عداؤهم للمسيحيين والمسيحية فكان منذ جاء عيسى بن مريم عليه السلام؛ لتجديد شريعة موسى عليه السلام، وتصحيح ما اقترفه المغضوب عليهم من إفك، وشرعوا في قتله، وظنوا أنهم قتلوه؛ فلطف الله به ورفعه وكرَّمه، وما قتلوه يقيناً بل قتلوا شبيهه.. وعلى الرغم من هذا العداء الصارخ في معظم أسفار العهد القديم إلا أن كتاب التلمود عمل سيئ جداً لا يُذكر أمامه عنف ولا شبهه، وهو من وضع الحاخامات وتزويرُهم، ودين الله منه براء، ولم يطبع طبعة عربية قط، وإنما هناك اقتباسات ضئيلة، والقوم حريصون على إخفائه.. بل أعظم من ذلك أنه غير مُعمَّم في العالَمين الغربيين، والنسخة المعتمدة في الغرب النسخة التي ترجمها سبينوزا اليهودي إلى اللغة الهولندية في ستة أسفار.. وكل ما يذكره الكُتَّاب العرب اليوم إنما هو اقتباسات لا تشفي؛ فطبْعُ هذا الكتاب باللغة العربية طبعة مُحقَّقَة مفسَّرة رموزها، ثم تعميم ترجمته باللغات الحية، واللغات الشرقية والإفريقية ضرورة حتمية لخلاص العالم من المآسي؛ فإن حصلت ترجمته لثلاث من اللغات الحية في البداية فذلك أولى في الحسبة وإنقاذ البشرية من هذا الكيد المبيَّت، وليس من الضروري أن يُثمر الكتاب ثمرته عاجلاً؛ فإن مفكري العالَمين الغربيين يعلمون الأخطبوط الصهيوني في كل مراكز القوة بالكرة الأرضية، وتصدر بين الفينة والفينة كتبٌ تئنُّ من هذا الغبن على استحياء مثل كتاب (من يجرؤ على الكلام ؟).. ولكن المؤمَّل أن تعميم هذا الكتاب وتفسيره وجلاءه يُعجِّل الانتفاضة العالمية على الكيد للبشرية في الخفاء.. والصهيونية وحلفاؤها الذين صنعوها وجعلوها ابتلاء للشعب الفلسطيني خاصة وللعالم العربي والإسلامي عامة بعد الفراغ من اختراق المسيحية، والسيطرة على الولاياتالمتحدة عقيدةً وسياسةً وقدرةً عسكرية، وابتزازاً مالياً: يُشعر جماهير العالم على استحياء بالذنب، وموت الضمير العالمي، وأما قادة التحالف الصهيوني فيبصرون من خلال لهجة تلمودية صارخة؛ فقد كان الإسرائيليون يُخْفُون كلمة (احتلال) في انتهابهم الرقعة الفلسطينية، أما الآن فقد أعلن شارون عن الافتخار بهذا الاحتلال، وعبَّر بالكلمة العبرية التلمودية (كيبوش).. كان هذا هو تعبير شارون منذ عام 1971م عندما كان قائداً للمنطقة الجنوبية لقمع الحركة الجهادية الدفاعية المسماة بالفدائية؛ وبمنطق تلمودي توراتي مبدل يُصبح الوعد الهزيل بدولة فلسطينية هراءً؛ لأن شارون وحليفته أمريكا يُصِرَّان على مفهوم (الدولة اليهودية) وهذا مفهوم يُلغي التعدُّدية، وقبول المواطن إذا لم يكن يهودياً ديناً أو صهيونياً سياسة، وأدبيات التوراة والتلمود تُحقِّق هذا المبدأ، ونجد من النصوص المنقولة من كتب العهد القديم من التوراة وهي من ركائز الهمجية في التلمود؛ لأنه عُدِلَ بها عن تنزيل الله تبديلاً وتحريفاً وإضافة وإسقاطاً: « إذا كنتَ ماراً بقرية، وأُلقي إليك حجر: ارجع إلى هذه القرية، واقتل جميع مقاتليها، واسب نساءها وأطفالها؛ فقد جعلهم الرب إلهك خولاً ولا يبقى منها حجر على حجر «.. قال الدكتور روهلنج، وشارل لوران: «وبخصوص استباحة مال الغريب ورد في التلمود: «أنه إذا نطح ثور يملكه شخص يهودي ثوراً آخر يملكه شخص وثني فلا يلتزم اليهودي بالتعويض، ولكن العكس غير جائز، وبالتالي فإن مال جميع الأمم هو ملك لليهود.. هكذا يُشار في التلمود إلى غير اليهود أو المرتدين عن اليهودية ب «أولاد نوح» في حين أن اليهود من بني إسرائيل هم « أولاد إبراهيم «، وإبراهيم من ذرية نوح عليهما السلام !!.. فيرد في التلمود، أنه إذا سرق « أولاد نوح « شيئاً ولو خفيفاً فإنهم يستحقون الموت، وأما اليهود فمصرح لهم بالاستيلاء على مال الوثنيين؛ لأن الوصية تقضي بأن (لا تسرق مال القريب)، وعلى نفس القياس فإنه مسموح لهم استباحة أجر الأجنبي الذي عمل لديهم؛ لأن موسى (عليه السلام) أوصى بألَّا يُظلم قريبه الذي استأجره للعمل دون أن يذكر ذلك بخصوص الأجنبي»(3) وقالا: «يعتبر اليهود أنفسهم مساوين للعزة الإلهية(4)، ولذلك تكون الدنيا بما فيها ملكاً لهم، ولهم عليها حق التسلط، ولهم مطلق التصرف في كل شيئ؛ ولهذا جاء في التلمود: إذا نطح ثورُ يهودي ثورَ أُمي فلا يلتزم اليهودي بدفع قيمة الأضرار التي وقعت، أما إذا كان الحال بالعكس فإن الأمي يلتزم بدفع تعويض عن الأضرار التي لحقت باليهودي.. وقد جاء في التوراة: إن الله سلط اليهود على الأجانب عندما تبين أن أولاد نوح لم يحافظوا على الوصايا السبع المنزلة عليهم، فأخذ أموالهم وسلمها لليهود. قال أبو عبدالرحمن: ارتباط الصهيونية بالديانة اليهودية كارتباط بعض البدعيين المنتسبين إلى الإسلام كذباً وزوراً؛ فأولئك البدعيون مؤجِّلون ممارسة الدين على الحقيقة حتى يكتمل في آخر الزمان، وعندهم إباحية.. والصهاينة يستبيحون التنصُّر والتأسلم والوثنية والإباحية والإلحاد ظاهراً في سبيل تحقيق الغاية الصهيونية، ويختلفون عن اليهود الملتزمين بتسامح وسيع في دينهم حتى يأتي مِسْياهم المنتظر الذي سيحكم العالم ألف عام ويُطهِّرهم، ونحن نرى أخباراً تجعل الصهيونية ديناً كما عند الدكتور رشاد شامي.. قال: (قفزت الصهيونية الدينية قفزة كبيرة إلى الأمام بأفكار الرابي افراهام إسحاق كوك؛ فتبلورت بفضل أفكاره ولأول مرة فلسفة شاملة للصهيونية الدينية، وعمل هو بنفسه على نشر هذه الأفكار، وترجمتها إلى واقع عملي عبر تأسيسه عام 1924م مدرسة (مركاز هَراف) الدينية التي تعتبر أول مدرسة صهيونية دينية في إسرائيل، والتي تخرَّج فيها الآلاف من دعاة الصهيونية الدينية، وعلى رأسهم زعماء حركة جوش أيمونيم)(5). قال أبو عبدالرحمن: يترجح لي من خلال السلوك الصهيوني أن مثل هذه المدرسة مزيج من الديانة والسياسة؛ فمن جهة الدين فهي تلقين الغضبيِّين ميتافيزيقيا الهمِّ الصهيوني من مصادر دينهم اللاهوتي والطبيعي.. على أن اللاهوتي أكثره محرَّف مبدل، وأما السياسة فتعني تلقين العمل الظلامي؛ للتعجيل بمجيئ المسيا!!.. فمن جهة اللاهوت الطبيعي نجد الحاخام موشيه بن نجمان الملقب (رمبان) (1194-1270م) الذي وصفه الدكتور رشاد الشامي بأنه أضفى في تفسيره للتوراة طابعاً من القداسة على أرض فلسطين: يَعُدُّ فلسطين مركز العالم، وأن أورشليم هي مركز أرض إسرائيل، وأن هذه الأرض هي المكان المناسب والوحيد لتأدية الوصايا الدينية المنصوص عليها في التوراة، وفيها يصل الإنسان وكذلك الحيوان على قمة كماله.. وقد اعتبر ابن نجمان أن الاستيطان في أرض إسرائيل واجب ديني، بل إنه اعتبر أن استيطان أرض إسرائيل يوازي كل فرائض التوراة.. وتم تفسير هذه الفريضة فيما بعد كواجب(6) مزدوج يُلزم اليهود كمجموعة(7)، كما يلزم كل فرد يهودي الهجرة إلى أرض إسرائيل والعيش فيها تمهيداً لمجيئ المسيح المخلص.. وتم لاحقاً بناء على هذه الاجتهادات توسيع هذا الالتزام وإدخاله إلى حيز الأحوال الشخصية، بحيث أصبح مثلاً رفض أحد الزوجين الذهاب إلى أرض إسرائيل والعيش فيها مبرراً كافياً حسب الشريعة للزوج لطلب الطلاق، ومثل هذه الاجتهادات(8) كانت من الأسباب التي دفعت بعض اليهود من حين إلى آخر للهجرة إلى فلسطين والعيش فيها) (9).. وأما اللاهوت الطبيعي وهو المصدر الأصيل للعدوان الصهيوني فيرى الدكتور رشاد الشامي انطلاق البداية الحقيقية للصهيونية الدينية في العصر الحديث من أفكار الحاخام يهودا القلعي (1789 1878م) الذي دعا إلى خلاص اليهود بالعودة إلى التلمود، وأساطير (القبَّالات).. واقترح في كراسته: اسمعي يا إسرائيل (شِمعي يسرائيل) التي نشرها عام 1834م العودة إلى فلسطين تحت قيادة زعامة بشرية دون أي انتظار للمسيح المخلص، كما دعا إلى إقامة مستعمرات يهودية في فلسطين كي تكون مقدمة لظهوره؛ وبناء على حسابات كان قد أجراها اعتماداً على القبَّالات توقع القلعي أن يظهر المسيح عام 1840م، ولما لم يحدث ما توقع فقد غيَّر رأيه، وأعلن أن الخلاص لا يمكن أن يأتي فجأة ومرة واحدة؛ وإنما ينبغي العمل بجدٍّ في سبيله، وأن الخلاص الذاتي سيتم بالدعوة إلى عقد (جمعية كبرى) (كنسيت جدولا)، وقيام صندوق قومي لشراء الأراضي.. وهي الأفكار نفسها التي تبناها هرتسل فيما بعد، وقد فسَّر في كتابه الخلاصَ الثالث (الخلاصَ الجديد) على أساس الاستيطان في فلسطين بقصد تعمير الأرض الخراب، وإحياء اللغة العبرية. قال أبو عبدالرحمن: فالاستعجال بالعمل السياسي قبل مجيئ مسياهم يُمثِّل بذرة الصهيونية؛ إذْ عقيدتهم أن مجيئ المسيا لإقامة دولة عالمية ألف سنة لن يكون إلا بعد انتشار الفساد على وجه الأرض، وهم سيعجِّلون بالفساد إلحاداً وإباحيةً وسفكَ دماءٍ كي يعجِّلوا بمجيئه.. والتلمود الذي دعا الحاخام يهودا إلى العودة إليه وضْعٌ بشري عدواني يتألف من المشنا والغمارا؛ فالمشنا هي التلمود الذي هو الوضع الأول من قبل الحاخامات، والغمار شرح تغلَّبوا على توحيده.. والتلمود متناً وشرحاً عدوان آثم تعجز عن صنعه الشياطين، والعالم العربي محروم من الاطلاع على هذا الكتاب الجهنمي؛ لأن جهود العرب عجزت عن ترجمته، وقد طبع في أوربا عدداً من المرات مع بعض الحذف، والمتداول لدى الصهاينة بالعبرية وبتكتُّم شديد نسخة كاملة منه بلا حذف، وطبع مجلد صغير الحجم بعنوان: (التلمود أصله وتسلسله وآدابه) ترجمه عن العبرانية وشرحه الدكتور شمعون يوسف مويال، وقدم له الأستاذ الدكتور سهيل زكار، دار التكوين للنشر والتوزيع بدمشق 2005م.. جاء فيه: (وسعى في مطلع القرن التاسع عشر يهودي اسمه الدكتور شمعون يوسف مويال إلى ترجمة التلمود إلى العربية؛ فنشر مقدمته في القاهرة عام 1909م (أو ما سماه الجزء الأول)، وجاء عمله هذا وسط معارضة شديدة من رؤساء الطائفة اليهودية في مصر، ومع ذلك أعلن أنه سوف يتابع عمله على الرغم مما ناله من الاضطهاد والمضايقة والسعي بقطع الأرزاق، وهنا لم يواجِهْ هذا المترجمُ التهديدَ بقطع الأرزاق فقط، بل عانى من قطع الأعناق؛ حيث قتله معارضوه، وهكذا مات مشروعه مع موته.. ويأتي اليوم إعادة طبع هذا الجزء مجدداً في دمشق بارقة أمل، بتوفر الفرصة أمامي إن شاء الله وأعان على ترجمة هذا الكتاب كله إلى العربية مع دراسة وافية حول ما فيه) (10). قال أبو عبدالرحمن: في الدراسات الكثيرة عن الصهيونية نجد دراسات عن التلمود والقبَّالات، ونتفاً منهما، ولكن ذلك لا يُغني عن ترجمة الأصول كاملة.. ومن أدبياتهم الآثمة في التحريض على مآسي الصهيونية قول شاعرهم (جوده لبيت جوردن): (كرِّسوا قواكم لكنوز الدولة الموجودة بها. خذوا نصيبكم من خيراتها وممتلكاتها. كن إنساناً خارج البيت وكن يهودياً داخل خيمتك. كن أخا لأبناء وطنك وكن خادماً لملك بلادك) (11). قال أبو عبدالرحمن: جمع هذا النص القصير زبدة النفاق الصهيوني، وزبدة الابتزاز لحق المواطنة؛ إذ كانوا في الغوتو (الشتات) مواطنين متوزعين في كل دولة.. وههنا كتاب نفيس استعرض الوعي بالكيد الصهيوني لدى مفكرين من العالم الأقوى، وهو عمل تحليلي دؤوب للحلم الميتافيزيقي اليهودي مع توثيق للاختراق الصهيوني.. ذلك هو كتاب (الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي) للأستاذ جورجي كنعان(12) تحدث فيه عن المسيحية المتصهينة في العالم الجديد منذ انتشار المسيحية المستحدثة باسم البروتستانت بشعار رسمي للولايات المتحدة مشترطة الاستيحاء من ملحمة بني إسرائيل الدينية.. ولقد اقترح بنيامين فرانكلين رسماً يمثل موسى عليه السلام وهو يفلق البحر الأحمر بعصاه، ثم في عهد توماس جفرسون (1801 1809م) اقترح رسم يهود خارجين من مصر بقيادة موسى عليه السلام(13)، ومع نهاية القرن الثامن عشر ترسَّخ الاعتقاد بالانبعاث الصهيوني بالمسيح المنتظر والألف السعيدة (فكرة هرمجدون)؛ والسر في كل ذلك أن العهد القديم والجديد يطبعان معاً، وكان العهد القديم (كتب اليهود) هو المرجع المقدَّم، وأما الكتاب المقدس (العهد الجديد) المشتمل على الأناجيل فهو مرجع ثانوي قابل للتأويل، وأصبح التلهف إلى عودة اليهود لفلسطين غناء في الأدبين الديني والشعبي في العالم البروتستانتي، وأكبر قاعدة له الولاياتالمتحدة وبريطانيا صاحبة وعد بلفور.. وسيطرة الإعلام الصهيوني حجبت كل حماس يدعو إلى العودة للكتاب المقدس؛ وبهذا التأويل صارت العصموية من الفرق البروتستانية تتظاهر بعصمة الأناجيل بالتأويل البروتستانتي، ومقر هذه الفرقة الولاياتالمتحدة، وهذا أيضاً هو المذهب الحماسي للمعمدانيين؛ لأن التأويل البارد يقضي بصحة المزاعم الصهيونية في فلسطين بناء على نبوءات في العهد القديم.. وهكذا فرقة حواريي المسيح، وكان شعار فرانك جَنَّاوي بعد الانتداب البريطاني: (أرض إسرائيل لشعب إسرائيل)، ومن تلك الفرق أيضاً الدهرية بالولاياتالمتحدة، وعندهم أن المسيحيين من شعب الله المختار؛ لأنهم ولدوا من جديد بالأفكار البروتستانتية.. وقد مارس بلاكستون أنشطُ دعاة الصهيونية ضغطاً على بنيامين هاريسون يحمله على سرعة العمل بعودة اليهود إلى فلسطين، ويربط عودة المسيح بعودة اليهود، وكان معه توقيع 413 من كبار الشخصيات الأمريكية فيهم كبير قضاة المحكمة العليا، ورئيس مجلس النواب، وعدد كثير من أعضاء مجلس الشيوخ، وكبار القساوسة وكثير من رؤساء تحرير الصحف.. وما دامت هذه العودة وعداً بقضاء الله الكوني فقد حكموا ضمناً بعجز الله جل وعلا وتقدس عن إنجاز وعده؛ ولهذا فلا بد من بذل جهد بشري لإنجاز نبوءات العهد القديم والجديد (14). قال أبو عبدالرحمن: كانت أسطورة هرمجدون (آخر معركة في العالَم) بالتمويه الصهيوني عقيدة عند ذوي الحل والعقد من أهل الكتاب الآخرين، ولهذا كانت إقامة دولة إسرائيل وحمايتها هي مهمتهم الدينية والدنيوية.. هذا ما نراه اليوم ونلمسه ونعيشه، وليس هو ما نقرؤه من كتاب تراثي !!.. ولقد سبق التخطيط لذلك قبل الثورة الفرنسية، ومن ذلك التخطيط إشاعة وفرض دين جديد تبناه يهوديان هما كالفن ولورثر، ثم تحول أصحاب الدين الجديد قبل التخطيط لغزو الخليج العربي إلى سبتيين !!.. وضللوا الرأي العالمي العام غير السبتيين بأسطورة الأفران التي ضخَّموها وجعلوها أسطورة هتلرية؛ وإنما الرجل على وعي بكيد المفسدين في بلاده، وله نظر فيهم لو انتصرت دول المحور، وقد بين بشهادة تاريخية لها شواهد في كل دولة إفسادهم الذي أشار إلى قليل منه شاعرهم (جوردون) كما مر؛ وذلك في كتب هتلر مثل كتابه (كفاحي).. وتحدث كنعان عن بحث بعنوان: (الدعاة في العالم الجديد)، وفيه نبوءات جديدة غير هرمجدون تعلن خوض حرب مع يأجوج ومأجوج، ومحرقة ضد غزوِ العرب والروس دولة إسرائيل.. وذكر المسيح الدجال الذي يقدم بمئتي مليون من الشرق، ووادي مجدو على ضيقه سيتسع لذبح هذه الملايين، وسيمتلئ بالمعدات الحربية، ويقرنون ذلك وهو ألف عام سعيدة عندهم بتدمير الكون الأرض والسموات حسب سفر رؤيا يوحنا - الإصحاح 21 22. قال أبو عبدالرحمن: لو صح هذا وهو لا يصح فليس هو إلا فعل الله عند قيام الساعة وفساد الكون، ولا أحد يملك التنبؤ بذلك.. ثقلت في السموات والأرض.. وعن كتاب (هناك عالم جديد قادم) قَرَّر ليندسي أن هرمجدون حرب نووية ستمسح مدناً مثل لندن وباريس وطوكيو ونيويورك ولوس أنجلس وشيكاغو، وسوف تبقى قوة الشرق التي ستمحو ثلث سكان العالم، ولن يبقى من اليهود سوى 144 ألف سيعتنقون المسيحية. قال أبو عبدالرحمن: هذا قول صهيونيٌ لتطمين أهل الكتاب الآخرين وتشويقهم؛ ليعملوا على التمهيد لقدوم المسيح عيسى عليه السلام؛ وإنما يُضمرون ميتافيزيقاهم أنه الملك الداوودي؛ وما هو إلا المسيح الدجال.. وكل نبوءة في كتبهم يؤولونها بالأحداث المعاصرة كلما استجد حدث بتأويل غير معقول، ثم سرد كنعان رؤيا حزقيال، ثم ذكر نبوءة القس بات روبرتسون الكاذبة أن القيامة ستقوم في خريف 1982م ؟!!.. ثم نقل نصوصاً من كتاب الكاتبة غريس هالسل، (وقد ترجمه الأستاذ محمد السماك).. وأحموقة هرمجدون استحوذت على مشاعر ريغان الذي امتنع عن حظر التسابق على صنع أسلحة الدمار؛ لأنه ينفذ مشيئة الرب !!.. والحصيلة الآن أربعون مليوناً في الولاياتالمتحدة غير الصهاينة يحملون عبء الصهيونية من خلال المسيحية الصهيونية !!().. ثم أردف كنعان بحديث عن غسل الأدمغة يتمثل في وسائل الإعلام الصهيونية المستحكمة في الراديو والمحطات الفضائية والصحف والأفلام والمسارح والكتب ومنابر الوعظ في الكنائس والمدرسين.. وواحد من هؤلاء الوعاظ المروجين أصبح رئيساً للولايات المتحدة، (وهو روبرتسون)، وكانت إليزابيت زميلة هالسل في الرحلة إلى أرض هرمجدون تصرح بأن الفلسطينيين يتحدون الرب القدير بعيشهم في البلاد مدة طويلة!!(16). قال أبو عبدالرحمن: والمسيح عيسى بن مريم عليه السلام عبدالله ورسوله وروح منه، والروح هنا تضاف إلى الله إضافة الملك كناقة الله وبيت الله.. وأمة محمد((أمة الإجابة) لا ترضى أن يُهان أحد من أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، ولا التهجم على كتب الله المطهرة المكرمة؛ وإنما المجال مجال تحقيق المنسوب إلى الله دلالة وثبوتاً مع الإيمان بأن لله كتباً دخلها التحريف والتبديل استحفظها من أنزلت إليهم فضيعوها؛ فأنزل الله القرآن الكريم مصدقاً للحق، نافياً للباطل من إحداث البشر في العقيدة، تاركاً تفاصيل الصحيح من الشريعة لشريعة نسخ الله بها الشرائع.. ومن المعلوم أن أعداء البشرية، وقتلة الأنبياء اكتسبوا مفهوم الصهيونية العالمية حديثاً بما ينضوي تحت هذا المفهوم من تدبير في الظلام، وأما كل مفهوم تحت عنوان (الصهيونية العالمية) فقد كان موجوداً قبل عهد المسيح عليه السلام، والمهم ما كان في عهد المسيح عليه السلام وآثاره على ما نشاهده اليوم من تحوُّل مروِّع في سلوك البشرية وتصورهم، ومن اندفاع ظالم لدى قادة العالم الأقوى.. ومن العجيب أن الحواة من المتشبِّثين بعلم شرعي قليل وهم أشبه بالعوام يتلقون كل نبوءة مثل نبوءة هرمجدون، ونبوءات الساحر اليهودي نوستراداموس وقد طُبع مُعَرَّباً مراراً، ثم يفسرون رموز النبوءات الموغلة في الإبهام وضحالة الدلالة ويُصَرِّفونها على ما استجد من حدث، وعلى ما أثَروه من نصٍّ شرعي أو تاريخي صحيح أو غير صحيح؛ وإنما الحدس لا النبوءة في سبر أحداثٍ تكون أسباباً وبواعث لأحداث مرتقبة بالتجربة إذا تخلف المانع؛ لأن فاعلية الحدث بإذن الله مشروطة بتخلُّف المانع، والبشرية تخاف حرباً عالمية ثالثة مبيرة؛ لما تشهده من بواعث، ولكن يتميَّز أهل الإيمان بعلمهم أن مصير العالم في قبضة الله سبحانه، وأن له ملائكة شداداً عليهم سلام الله وبركاته موكَّلين بحفظ وتصريف ظواهر الكون وَفْق تدبير ربهم، وأن جهد المخلوقين مُقتضيات قد يمضيها الله، وقد يجعلها قاصرة عن تحقيق الغاية، وقد يحجبها بمانع أقوى.. وعلى هذا القياس نزن خوفنا ورجاءنا معاً من آثار الفساد الصهيوني على وجه المعمورة كتسميم المياه والمزارع، ودفع النفايات النووية في شرقنا العربي والإسلامي والبلدان المستضعفة؛ مما سبَّب نشر الأوباء المهلكة كالسرطان.. وأما السلوك الصهيوني الأخلاقي الرذل فقد انتشر في المعمورة.. وأعود إلى التذكير بأن الإغضاء عن الفساد الجزئي غير العلني شيئ، وترويجه و الإكراه عليه شيئ آخر، وهو محاربة للفكر والدين اللذين لا يرضيان ظهورَ الفساد في البر و البحر لا بيئة مَرَضيَّة ولا سلوكاً بشرياً شاذاً.. إن هذا الأداء الشيطاني إملاء تلمودي قَبَّالي(17) تحقَّق بالمجمَّعات السرية، ووجود أكثر من قوة خفية ذات مصدر صهيوني واحد يحكم الكون، وسيادة القانون الإباحي جزئياً بالقوة، ثم عالمياً بعلمنة الصهيونية من خلال الولاياتالمتحدة، واختراق العقلية المسيحية الجبارة الرحيمة بغيبيات التلمود حتى صارت عقلية الولاياتالمتحدة من صنع القوة الباهرة والعلم المادي المعجز غير مستوى تفكيرها المهزوم من خلال غيبيات التلمود؛ إذن لماذا نشطت من سمَّت نفسها بالنخبة في نقل كل طفح أجنبي وتركتْ أخطرَ منفذٍ للعذاب العالمي الآن وهو التلمود؟.. إن طبع التلمود بالشرط الذي ذكرته مطلب عظيم الضرورة لتحرير العالم من هيمنات صهيونية في الخفاء عن طريق التوعية؛ ولتحرير الممزَّقين عندنا أيديولوجياً وتجزئة باستثناء من هم تُكْأةُ العمالة، وتحصيلِ سلام بشري مع العالم المسيحي المغَرَّر به.. وكل أخطار الدولة الكبرى في العالم منذ هذا التبدُّد في أجزاء المعمورة هو رسم تلمودي حاخامي شِرِّير تحوَّل إلى سياسة صهيونية علنية وخفية مسيطرة.. إن الوعي بالتلمود سيُحدِث تكاتفاً عالمياً من أجل السلام فوق هرطقات بني قومنا الذين مزَّقتهم الأيديولوجية والتجزئة؛ وحينئذٍ يرى العالم أن الإرهاب ممارسة تلمودية بأيديهم هم، وبتضليل وتخويف وإغراء يجعله بأيدي بعض الآخرين. وكتبه لكم: أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري عفا الله عنه (1) قال أبو عبدالرحمن: هذا يُرَجِّح بقاء الأصول اليهودية على يهوديتهم أمثال الساحر نوستراداموس. (2) انظر قصة الحضارة 26-130-178 بترجمة الدكتور محمد علي أبودرَّة - دار الجيل ببيروت، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس. (3) الكنز المرصود في قواعد التلمود بترجمة الدكتور يوسف حنا نصر الله ص40. (4) قال أبو عبدالرحمن: هذا هو باعث الحلول والاتحاد عند مثل الفيلسوف اليهودي سْبينوزا. (5) القوى الدينية في إسرائيل ص 89. (6) قال أبو عبدالرحمن: الصواب بصفتها واجباً مزدوجاً. (7)قال أبو عبدالرحمن: الصواب بصفتهم مجموعة. (8) قال أبو عبدالرحمن: يجوز جَمْعُ المصدر إذا استخدم للحادث مُجَرَّداً عن الحدث؛ فالاجتهاد اسم لحادث؛ فصح جمعه على اجتهادات. (9) المصدر السابق ص 85 86. (10) التلمود - أصله وتسلسله وآدابه ص 17. (11) نصوص يهودية ترجمة علي الجوهري ص 24. والمعنى تظاهر بإنسانيتك، واخدم الملك وأنت على عدائك اليهودي لما كنت في الخيمة التي هي رمز الغيتو. (12) الطبعة الأولى عام 1991م- بيسان للنشر والتوزيع ببيروت. (13) قال أبو عبدالرحمن: بعد ملاحظة حرمة التصوير في ديننا ما عدا رسم حابس الظل الفوتوغرافي ولا سيما للضرورة ، وأن تخيل صورة الأنبياء تزوير: فنعم الشعار شعار الرسل والأنبياء عليهم السلام لا نفرق بين أحد منهم، ولكن منطق الهوية الدينية أنهم أحديون من أتباع شريعة عيسى عليه السلام بعد نسخه شريعة موسى عليه السلام؛ فالشعار إذن تهويد لهم. (14) عن كتاب الصهيونية الأصولية لجورجي مع إضافات مني.. ومصادره المسيحية والتوراة لشفيق مقار، والصهيونية المسيحية لمحمد السماك. (15) المصدر السابق، ومصادره كتاب «الحرب النووية ومجيئ يسوع المسيح الثاني» لهالسل. (16) المصدر السابق ومصادره السياسة والنبوة لهالسل، والمسيحية والتوراة لمقار. (17) قال أبو عبدالرحمن: أوعب من كتب عن الصهيونية بتحقيق وتدقيق الدكتور الطُّلعة عبدالوهاب المسيري، وانظر عن القبَّالا كتابه موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية 2-39 45، وهي الجانب التصوفي في اللاهوت اليهودي الطبيعي، وانظر أيضاً الموسوعة النقدية للفلسفة اليهودية للدكتور عبدالمنعم الحنفي ص 165 172.