للانتماء أهمية عظيمة وجليلة في حياة البشر أفراداً وجماعات، منذ تكوّن المجتمعات البدائية حتى المجتمعات المعاصرة، وبدونها يشعر الإنسان بالضياع والبتر، لأن الفرد البشري كائن اجتماعي بطبعه، بل قِيل عنه إنه حيوان اجتماعي متمدن. وبمناسبة ذكر الحيوان فإننا نذكِّر: بأنه حتى الطيور والحيوانات، لا تستطيع الاستغناء عن فصائلها وأشباهها وجماعاتها، أو مخالفتها، وإلا كانت كالطير الذي يغرد خارج سربه، فلا هم يفهمونه، ولا هو يقنعهم أو يطربهم. وفي مجتمعاتنا العربية الكل يفاخر بانتمائه لعائلته، ولقبيلته، ولوطنه، ولدينه قبل كل شيء وبعده، والذي ليس له كبير يبحث عن كبير ينضوي تحت لوائه كما يُقال، وإلا لما تمسَّك كثير من الناس بأنسابهم وأوطانهم، وأشفقوا على من حُرم من أيّ شيء من ذلك، والنماذج البشرية المحرومة التعيسة؛ متعددة ومعروفة لا يستدعي الأمر التذكير بها. ولكن وهذا هو المهم: هل عرف كل منا حقيقة الانتماء وقدَّرها حق قدرها؟ وعرف مسؤوليته الكاملة تجاهها؟ فما الفرد إلا جزء من كل، وليس مستقلاً بذاته، بل هو ممثل لجماعته، ترتبط سمعته بسمعتها، ويتمم دوره دورها وولاءه التام لها، طالما أنها لم تخرج عن رضا الخالق سبحانه، ثم عن إجماع الأمة. وإلا كان كمن يريد أن يثقب موقعه في السفينة التي ألحَّ على ركوبها مع جماعته، وفي الوقت ذاته أصر على الإساءة إليها وإليهم، دون مبرر مقنع، ومن غير مؤيدين إيجابيين أو كثر، فما هو الواجب الإيجابي لهؤلاء الجماعة تجاه هؤلاء الأفراد المتهورين، أو المنشقين؟ هل يتركونهم يوردونهم إلى موارد التهلكة الدنيوية والأخروية، وتشويه الصورة الجميلة التي ارتبطت تاريخياً ودينياً واجتماعياً بهم؟ أم يأخذون على أيديهم بجميع الطرق المتدرجة.. المباشرة وغير المباشرة حتى يعودوا إلى صوابهم، فيتوقفوا عن خراب السفينة وإيذاء أهلها؟ إنهم إن فعلوا ذلك الحسم محتسبين متعقلين متآخين، فسيكونون بذلك قدوة حسنة لغيرهم من الجماعات المختلفة أرباب السفن الأخرى المتعددة في المجتمع المتكامل في منظومة اجتماعية متناسقة متناصحة متعاضدة، تقدم رضاء الله تعالى على رضا أي كائن كان، وسيتم بذلك الإنقاذ المطلوب دون أية خسائر، أو بأقل خسائر ممكنة، تهون أمام النتائج الإيجابية العديدة التي ستتحقق من وراء ذلك السعي الإصلاحي المثمر بعونه سبحانه.. لأن الملاحظ الآن والمتضح في أفق الرؤية الإعلامية المرئية والمكتوبة والمذاعة، ينم عن انحراف لدى البعض عن مسار الرؤية الجمعية الإيجابية، حيث أصبح كلٌّ يغني على ليلاه، دون مراعاة المصلحة العامة للدين والوطن، فالنعيق الفضائي لبعض المنتفعين الذين أكلوا خيرات هذا البلد وما زال بعضهم يتظلل بفيئه؛ استمر يلجم آذاننا، ويؤذي أنظارنا بقذاه، ويجرح مشاعرنا سواء بأنانيته أو بتهوره، أو بهواه الواضح لغير مصلحة ديننا وبلادنا، ونفس التوجه السلبي يتفق مع كثير ممن سار في نفس النهج المختل، ولكن في منابر إعلامية أخرى من مكتوبة أو مسموعة، والتي يرفضها كل من يؤمن بأنه لا يبقى إلا ما ينفع الناس ويقنعهم، ويُرضي عنهم بارئهم. [email protected]