أبو لجين إبراهيم آل دهمان تتفق الأدبيات المطروحة حول مفهوم الطائفية علي توصيفها بأنها عصبية تتجاوز المذهب أو العرق، يحاول المنتمون إليها تحويلها إلى عصبية سياسية لتحقيق مطالب فئوية ومصالح خاصة، قد تتعارض مع مصالح الوطن كله.. وهنا تعدت الطائفية إطارها التقليدي كتعبير عن حالة انتماء لمذهب أو دين أو عرق إلى كونها هوية مستقلة تحاول أن تحل محل الانتماء للوطن، وتعبر عن استعدادها لاحتلال مواقعها.. أما مصطلح الطبقة فهو يُعَد واحداً من أكثر المصطلحات شيوعاً في علم الاجتماع، إلاّ أنه لا يوجد اتفاق واضح حول تعريفه, فعلماء الاجتماع يستخدمون المصطلح للإشارة إلى الاختلافات الاجتماعية الاقتصادية، بين الجماعات والأفراد التي تخلق صوراً للتفاوت بينهم. ويمكن تعريف الطبقة الاجتماعية بوصفها مجموعة من الناس تتشابه قيمهم الاجتماعية من خلال المكانة الاجتماعية، التي يشغلونها في نسق التدرج الطبقي، ويتحدد وضعهم الطبقي في ضوء متغيرات الدخل والقوة والمهنة وأسلوب الحياة والوعي الاجتماعي وتقييم أعضاء المجتمع لهم. وبالجمع بين اللفظين السابقين يظهر لنا ما يسمى ب"صراع الطبقات الاجتماعية"، وهي نظرية تفسر القضايا والتوترات في مجتمع مُنقسم إلى طبقات، كل طبقة تقاوم من أجل وضعها الاجتماعي والاقتصادي, وقد ظهر هذا المفهوم في القرن التاسع عشر لدى بعض المؤرخين الفرنسيين. ويعد المدخل الاجتماعي، أوسع المداخل لتفسير الصراعات الداخلية، وينطلق هذا المدخل من أن الصراع يحدث نتيجة غياب الانسجام والتوازن والنظام والإجماع في محيط اجتماعي معين، وكذلك نتيجة وجود حالات من عدم الرضا حول الموارد المادية مثل السلطة والدخل، أو تعبيراً عن مصالح ترتبط بأصول دينية أو إثنية أو أخطاء في الإدراكات المتبادلة داخل المجتمع. وهذا المدخل الاجتماعي يدفع إلى إعادة النظر في فهم دور البنى الاجتماعية التحتية (الدين، القبيلة، الطائفة، شبكات المصالح) في الصراعات بالدول العربية، على اعتبار أن التغيير الاجتماعي كشف عن أهمية تلك البنى في تعقيد الصراع، وأنه لم يعد صراع مصالح، وإنما وجود. والمشكلة برأينا لا تكمن في وجود الطوائف، بوصفها جماعات بشرية تشكلت عبر التاريخ، فهذا أمر طبيعي، وقد أمكن التعايش معه, لكن المشكلة تكمن في ناحيتين: الأولى: الفكر السياسي الطائفي، الذي يحيل هذه الطوائف إلى وحدات اجتماعية مختلفة عن بعضها، حتى من الناحية الهوياتية. الثانية: التلاعب بالمسألة الطائفية، أي بالطوائف، وتوظيفها في إطار الصراعات السياسية، صراعات القوة والسلطة والهيمنة. إذن ليس ثمة ترابط حتمي ومطلق بين الطوائف والتعصّب الطائفي، فالأولى هي نتاج تطوّر تاريخي طبيعي، ديني واجتماعي وثقافي، بينما الثانية (الطائفية) هي مجرد نظرية في التفكير السياسي، ينتجها بعض من البشر لخدمة مصالحهم الشخصية والسلطوية. وربما يتسع المجال مستقبلاً للحديث عن المعالجة النبوية, لمشكلة الفكر السياسي الطائفي، لا سيما في مراحل بناء الدولة الإسلامية في المدينة.