كشفت رئيسة مركز الأبحاث في مركز الملك فهد الوطني للأورام التابع لمستشفى الملك فيصل التخصصي الدكتورة خولة الكريع، أن لا احد يستطيع الجزم بجدوى استخدام بول الأبل أو العسل أو الحبة السوداء أو ماء زمزم أو غيرها لعلاج مرض السرطان، قبل ان يتم التأكد من مفعولها عبر البحث العلمي. وأكدت الكريع أن أي دواء لعلاج السرطان لابد أن يمر بمراحل علمية متعارف عليها، ثم يخضع للتجارب الكافية على الخلايا في المختبر، ومن ثم يطبق على حيوانات مصابة بهذا المرض واخيراً على مرضى ميؤس منهم بعد توقيعهم على أخذ العلاج. وأضافت أن هذا لا يعني أنني لست مؤمنة بالاستشفاء بالطب النبوي على العكس تماماً، فكل شيء بإرادة الله وقدرته، لكنني أتحدث من جانب علمي وبحثي حتى يعتمد في الاستشفاء به. وحذرت الكريع في ليلة تكريمها في إثنينية عبدالمقصود خوجة مساء أول من أمس في جدة من ترويج بعض وسائل الإعلام لخلطات نباتية أو خلافها دون التاكد منها علمياً ما قد يؤدي إلى خداع الناس وتضليلهم. وفي ردها على حقيقة مسببات السرطان المشاعة بين الناس كالعين والحسد قالت الكريع : «يجب أن نعرف أن مرض السرطان ليس وليد اللحظة، بل هو يتكون خلال سنوات ولا تظهر أعراضه إلا بعد سنوات كسرطان القولون مثلاً، وأتذكر قصة حدثت أن امراة ذهبت لحفلة زفاف، وفي الصباح وجدت أنها مصابة بسرطان الثدي، فالذي نراه من الجانب العلمي بأنه لم يحدث بالأمس بل تكوّن من فترة طويلة، وهذا لا يعني أيضا أننا ننكر الإصابة بالحسد والعين، ولكنني أتحدث من جانب علمي بحت، وكل شيء بإرادة الله أولاً وأخيراً».وعن اختراقها لهذا التخصص الفريد لامرأة سعودية قالت الكريع إنه: «أثناء تدريبي في كلية الطب وسنة الامتياز واعتنائي بالكثير من المرضى ومنهم مرضى السرطان اكتشفت أن الطب الإكلينيكي لا يستهويني كثيراً وهذا بعد 7 سنوات، وحصر دوري كطبيبة في فحص المرضى وصرف العلاج لهم ثم الانتظام أمر لم أجده كافياً وكنت أشعر دائماً أنه لا بد من بذل المزيد لهؤلاء المرضى أكثر من القدرة على تشخيص الحالة وصرف العلاج، وكان يحزّ في نفسي ويؤلمني أشد الألم عندما أشاهد معاناة مرضى السرطان وكل ما نستطيع تقديمه لهم كأطباء هو العلاج الكيماوي المليء بالسميّة فيتناولونها ويتحملون أضرارها حتى من دون معرفة إن كانت تؤدي للقضاء على هذا المرض أم لا». مبينة: «كان يثير فضولي العلمي وتساؤلاتي عن مرضى السرطان وتناولهم هذا الدواء الكيماوي، فمنهم من ينتصر في صراعه ومنهم من يقاومه لكنه يعود ومنهم من ينتهي، فمن هنا ظهرت رغبتي في التخصص في جينات السرطان وكشف أسبابه الجينية الوراثية، لاسيما ونحن نعيش اليوم في عصر الخريطة الجينية والتكنولوجيا المصاحبة لها التي سرّعت حل الكثير من الرموز المحيطة بهذا المرض، والحمد لله ظهرت أدوية جديدة تعطي الكثير من الأمل والتفاؤل للمرضى، ونحاول في المملكة أن تكون لنا الريادة في تقديمها لمرضانا، وهذه الأدوية تسمى بالأدوية الموجهة التي نستطيع تصميمها بطريقة تقضي على الخلية السرطانية من دون التأثير في الخلية السليمة المحيطة بالخلية السرطانية، وبالتالي نتمكن من القضاء عليها تماماً وبأضرار جانبية طفيفة إن لم تكن منعدمة». وعن مسيرة نجاحها وكفاحها قالت الكريع: «إن الكثير من الناس حينما ينظر إلى مسيرة شخص يعتبر ناجحاً، وأتمنى أن أكون منهم، خصوصاً حينما يكون الشخص امرأة ويصوّر له أن مسيرة هذا الشخص لا بد أن تكون مثالية كما تحب أن تصدرها خيالات الكتاب، فجميع عوامل النجاح لا بد أن تتوافر في ذلك الإنسان، فلا أحب هذه الصورة الوردية التي يحاول الكثير اختزال قصة نجاح الإنسان فيها، فهذا من شأنه إدخال اليأس لمن لا تحيطه هذه العوامل المثالية، فيقتل الطموح لمن لا يملك في هذه الدنيا سوى نبوغه»، وأضافت: «أنا بطبيعتي أحب الأمل وأعشق التفاؤل وأتطلع دائماً بطموح، لذا فإنني دائماً في لقاءاتي الإعلامية لا أحب السؤال عمن ساندني ودعمني، لأن هذا السؤال لا يتردد مع رجل ناجح وإنما يكون سؤالاً متكرراً وشبه إجباري لأي امرأة سعودية ناجحة، وترجمتي الشخصية لهذا السؤال أن نبوغ الرجل وعلمه وعمله ومثابرته كفيلة وحدها بوصوله إلى قمة النجاح، أما المرأة فهي في نظر البعض ممن يطرح مثل هذا السؤال إنها ذلك المخلوق الضعيف الذي لا يستطيع أن يسير على الدرب من دون أن يساندها أحد، وهذا الأحد لا بد أن يكون رجلاً وكأن نبوغ المرأة وعملها وجهدها أمور غير كافية لوصولها ونجاحها إن لم تتم مباركة الرجل لها، وهذه صورة نمطية مغلوطة عن المرأة يجب على المفكرين والكتاب ألا يقعوا في مصيدتها فيقضون على نبوغ كثير من النساء اللاتي لم يحالفهن الحظ بمباركة العنصر الذكوري، متمنية ألا يفهم ما ذكرته على أنه تعالٍ أو نكران لدور الأسرة في حياتي، مؤكدة أن كل الفضل والعرفان لأسرتي، فمنها تعلمت العطاء ونكران الذات، ولذة السعادة الحقيقية تكون من خلال إدخال السعادة على قلوب الآخرين، ولكن أنا أشبّه الأسرة الداعمة أثناء السير في طريق النجاح كالسحابة الممطرة التي تخفف من لهيب وقسوة طريق الكفاح، فالمحرك الحقيقي الذي يمكننا من السير في هذا الطريق الوعر هو الإيمان بالله والإخلاص وصقل الموهبة بالعمل المتواصل والعمل والاجتهاد، فمن وجدت لديه هذه الخلطة السحرية سينجح في الوصول حتى وإن لم تخيّم عليه تلك السحابة». وعن تمثيلها الشرق الأوسط في مجلس تحرير مجلة بي ام سي bmc genomic الطبية قالت الكريع: «هذا شرف كبير لي وصحيح أن فيه استهلاكاً لجزء كبير من الوقت لكنه الاستهلاك المرغوب، لأنه يساعد في قراءة الجديد من البحوث من جميع أنحاء العالم أكثر مما أكتب فيه، وهو إضافة علمية وليس له تأثير في عملي». وحول هجرة العلماء العرب والعقول العربية إلى الغرب أكدت الكريع أن «معظمهم مستقرون هناك لوجود الإمكانات المادية والبحثية وتعطى بصورة خالية من البيروقراطية، وعن تجربتي في أميركا فقد كانت النظرة لي في البداية تشكيكية في قدراتي، ولكن بعد أن أثبتُ نفسي وجدارتي تغيرت هذه النظرة إلى الاحترام المتبادل، وتلقيت عروضاً للبقاء هناك لكن لم يكن في بالي أن أبقى، لأننا في السعودية لدينا الكثير من الإمكانات وحتى لجذب العلماء إلينا» وأضافت: «المعوقات موجودة في أكثر الدول العربية وربما في بعض المراكز في السعودية، وتأخير إجراءات اعتماد البحث العلمي التي تعطل من ظهور الكثير من البحوث التي يتسابق الغربيون على إظهارها بشكل سريع، فالبحث إذا كانت له قوة علمية فسينافس على جوائز عالمية مثل نوبل، ومستشفى الملك فيصل التخصصي قدّم لنا الكثير من الإمكانات المعنوية والمادية». وشكرت الكريع القائمين على «الإثنينية» وقالت: «هذه بادرة طيبة في تكريم العلماء والأدباء من الرجال والنساء ورموز الأدب والفكر والعلم في السعودية وخارجها، ودليل على الاهتمام بما يقدمه الإنسان من خلال الفكر والعلم». واعتبر عبدالمقصود خوجة الكريع «مثالاً رائعاً للمرأة في السعودية ودورها في النهوض بمقدرات هذا الوطن ومواهب أبنائه الرفيعة»، فيما أكد الدكتور أنور عشقي أن «تجربة الكريع البحثية وتفردها في أبحاث السرطان أزالا الشبهة التي كانت تسيطر على المجتمع في مواهب وقدرات بنات هذا الوطن المعطاء»، وشهدت الأمسية عدداً من المداخلات من الرجال والنساء، وحضرها عدد كبير من الأطباء والأكاديميين ووسائل الإعلام المختلفة.