«على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، سيدة رفعت ذلك الشعار في حياتها، تؤمن به وتطبقه كل يوم، تعطي من وقتها وراحتها لستة أشخاص، لا أمل لهم في هذه الحياة إلا تلك السيدة، تكابد الألم والتعب، حتى يعانق أبناؤها وإخوتها الراحة، وحلاوة العيش بعيداً عما تتجرعه من معاناة. أم وسام «سيدة تترك الأربعين بكامل مشمشها» كما يقول الشاعر محمود درويش، وتبدأ العقد الخامس من عمرها في ظروف اضطرتها إلى أن تكون الأب والأم في آنٍ واحد. وفي مجتمعٍ ذكوري خطّت طريق النجاح بالكفاح، واستطاعت أن توفر لقمة العيش لأبنائها، حتى أوصلت إحداهن إلى سدة كلية الطب، والأخرى إلى تخصص الكيمياء. بعد وفاة ابنها وزوجها، حاصرت أم وسام ظروف قاهرة، إذ لم يعد هناك رجل في المنزل يصرف عليها وعلى صغارها، كما تتحمل أيضاً تربية أربع أخوات لها، فنصّبت نفسها لمهمة شاقة، توفر لهم الأكل والشرب، وكامل مقومات العيش الكريم، بينما تحرم نفسها من أبسط ملذات الحياة. تقول أم وسام: «تكالبت الظروف القاهرة علينا من كل اتجاه، تحمّلت تربية أخواتي وأبنائي، من دون وجود رجل يعمل على توفير لقمة العيش، فدورة العمل وتوفير لقمة العيش لأسرتي، تجعلني أخرج كل يوم منذ الصباح الباكر وحتى دخول الليل، بالطبخ وتحضير الموائد للمناسبات والمهرجانات، وفي رمضان أضطر للإفطار خارج المنزل كل يوم». لم تستسلم لتلك الظروف على رغم صعوبتها، إلا أن صبرها على العيش الصعب، ومكابدة المنغصات، يتلاشى عندما ترى بناتها يحققن أحلامها بمواصلة الدراسة ونيل الشهادات المرموقة، فالأولى أنهت دراسة الكيمياء وتعمل في مؤسسة خاصة، فيما توشك الأخرى على إنهاء دراسة الطب التي طالما حلمت والدتها بذلك. أم وسام التي لا تحمل الجنسية السعودية، فيما يحملنها بناتها، معروفة جيداً لدى مجتمع «ينبع النخل» بكفاحها، وحلاوة طبخها وعملها، إذ تشارك في كثير من المهرجانات والحفلات، وكذلك إعداد الأطباق للمناسبات الرسمية، إذ طالما استعانت بعض الجهات الحكومية بطبخها في المناسبات المهمة. وتشير إلى أنها تبدأ عملها في أيام رمضان منذ الساعة الثالثة ظهراً لإعداد موقعها داخل المخيم الرمضاني، وبيع ما أنتجته حتى أذان المغرب، وتضطر للبقاء في الموقع مع ابنتها للإفطار مع بقية النساء الموجودات بالموقع. وتضيف: «بعد عودتي للمنزل مع اقتراب صلاة العشاء أبدأ في الاستعداد للعودة لشراء حاجاتي لليوم التالي، ثم إعداد الوجبات، ولا أنتهي إلا مع اقتراب موعد السحور، وهكذا طوال أيام الشهر الفضيل، وأحمد الله أن فتح لي باب رزق شريف مهما كانت صعوبته ومشقته، فهو يكفيني حاجتي عن الغير، ويشعرني بأنني أستطيع أن أحمي مستقبل بناتي وابني وأخواتي، طلباً للأجر من الله». ودعت أم وسام جميع الأسر اللاتي لا عائل لهن بالانخراط في العمل بأيديهن، «فهم يستحقون الحياة، وأبواب الرزق مفتوحة للجميع، وطعم السعادة لا يأتي إلا بعد العناء وحصول النجاح».