منذ كانون الثاني (يناير) الماضي ومع زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى لبنان لم تنقطع الزيارات الفرنسية الى الأراضي اللبنانية، فزارها رئيس الحكومة فرانسوا فيون ثم خلال هذا الاسبوع وزيرة الداخلية ميشال اليو ماري وغداً وزيرة العدل العربية الأصل رشيدة داتي. وعندما نسمع المسؤولين الفرنسيين ومن يستضيفهم من المسؤولين اللبنانيين، نطمئن لكون لبنان ما زال موضوعاً مهماً للرأي العام الفرنسي، وللشعب الفرنسي تاريخياً وحاضراً. وفي فترة انتخابية كثرت فيها التكهنات في لبنان حول ما يمكن ان يحصل إذا تغيرت الغالبية البرلمانية بعد الانتخابات اللبنانية المقبلة، أكد المسؤولون الفرنسيون في أكثر من ظرف أنهم يتحدثون مع الجميع في لبنان وانهم على علاقة مماثلة مع جميع الأطراف، ولا يفضلون طرفاً على آخر. وكانت أحاديث ميشال اليو ماري مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان والبرلمان نبيه بري مطمئنة للوزيرة الفرنسية التي سألتهما عن توقعاتهما بشأن الانتخابات. وكان رد سليمان وبري ان هذه الانتخابات ستكون حامية جداً وانه محكوم على جميع الأطراف اللبنانية التعايش والحكم معاً وهذا منذ زمن طويل. اما رئيس الحكومة فؤاد السنيورة فكان أوضح في كلامه نظراً لخبرته ولما واجهه من تعطيل للعمل الحكومي. فأبلغ اليو ماري ان الحكم بالتوافق يندرج في تقاليد لبنان ولكن حق التعطيل يسيء الى البلد لأنه يمنع الحكومة من السير قدماً في كل المجالات. وأعطى مثلاً على ذلك أنه إذا كانت المسألة تتعلق بتعيين رئيس لديوان المحاسبة وكان هناك حق تعطيل لهذا التعيين، فإن كل شيء يتوقف بسبب ذلك. وقال انه لا يمكن للبنان ان يستمر بهذا النهج، حتى إذا لم يتمكن من السير على طريق الديموقراطية الحقيقية، بحيث يتسنى للغالبية المنبثقة عن الانتخابات ان تحكم. فحق التعطيل مسيء لأي تقدم واصلاح في البلد، وهو ما لا يستطيع لبنان ان يستمر في تحمله مهما قيل. وكانت مناسبة للوزيرة الفرنسية ان ترى كيف يمكن لنظيرها اللبناني زياد بارود تجاوز الصعوبات والتعطيل تحقيقاً لبعض الانجازات. فعندما سئلت اليو ماري عما سيكون رد الفعل الفرنسي في حال تغير الغالبية في لبنان ووصول «حزب الله» الى الحكم، أجابت ان فرنسا تتحدث مع الجميع وتدعم كل اللبنانيين. إلا ان هذا ليس انطباع الرأي العام في فرنسا، فهناك قلق فعلي لدى المجتمع المدني المعني بلبنان من ان يصبح هذا البلد الذي تربطه بفرنسا علاقة قديمة وعريقة تحت سيطرة «حزب الله». ولا أحد في فرنسا من المسؤولين أو السياسيين يقول ذلك، أو يبوح بذلك، لكن تغيير الغالبية سيكون بلا شك مصدر قلق للرأي العام الفرنسي ولو ان المسؤولين في فرنسا يصرحون بالعكس. ونظرة المجتمع الفرنسي الى لبنان هي كما قالت اليو ماري «نموذج عالمي للتعايش بين الطوائف وفرنسا تريد حماية هذا النموذج». لكن فرنسا مدركة تماماً أن صورة لبنان تتغير إذا سيطر «حزب الله» على الاكثرية النيابية حتى مع تغطية مسيحية مصطنعة. ولا شك أن العالم الغربي ينظر باهتمام إلى الانتخابات الاشتراعية اللبنانية، حتى ولو أن القيادات اللبنانية تؤكد أنها لن تغير شيئاً. وقد يكون هذا صحيحاً، لكنه سيئ إذا بقيت الأحوال على ما هي عليه الآن، من انقسام سياسي كبير حتى داخل التحالفات نفسها. فكم كان مؤسفاً أن ينسحب الوزير نسيب لحود من الترشيح للنيابة في المتن، خصوصاً في ظل حاجة لبنان إلى نواب ومسؤولين من نوعيته، على صعيد الكفاءة والنزاهة والتمتع بالاحترام العالمي والشعبي، وذلك بسبب ألاعيب ومناورات سياسيين آخرين! والمرجح جداً أن انقسامات 14 آذار والخلافات في صفوفها لن تساعد القوى السيادية في لبنان على بناء دولة أفضل إذا استمرت على نهجها، بإبعاد مرشحين من نوعية نسيب لحود أو مصباح الأحدب أو انطوان اندراوس، نتيجة المناورات والصفقات. ومن جهة أخرى، فإن حصول «حزب الله» على الغالبية وبغطاء من العماد ميشال عون، سيعزز الهيمنة الإيرانية - السورية ويعيد البلد إلى ما قبل التحرر من هذه الهيمنة، وهذا شبه مؤكد مع عودة وجوه سياسية موالية لسورية وإيران! فلبنان على المحك ومن غير الصحيح أن الانتخابات لن تغير شيئاً، فهي موعد ينظر إليه في الخارج ببالغ الاهتمام.