في نيسان (أبريل) 2003، اعتقلت القوّات الأميركيّة 11 من ضبّاط الاستخبارات التركيّة في مدينة السليمانيّة في كردستان العراق، وتعاملت معهم في شكل مهين، بعدما غطى الأميركيون رؤوس الضبّاط بأكياس، واقتادوهم الى عرباتهم العسكريّة، ما خلق أزمة بين تركيا والولايات المتحدة. في عام 2007، وبتمويل من المؤسسة العسكريّة التركيّة، أنتج فيلم سينمائي تركي، بعنوان «وادي الذئاب - العراق»، أخرجه سردار آكار، وتجاوزت كلفته 10 ملايين دولار. حاول الأتراك في هذا الفيلم، الانتقام من الأميركيين، سينمائيّاً، عبر إرسال فرقة انتقام، تتعقّب الضابط الأميركي، المشرف على تلك العمليّة، وقتله. وسعى الأتراك في هذا الفيلم، الى ربط الأكراد بالأميركيين، وإظهارهم جواسيس وعملاء ومرتزقة، وإعلاء شأن التركمان في العراق، وإظهارهم على انهم المخلصون لتركيا والوطنيون والمعادون لأميركا. كما ركز الفيلم على أن تحرير العراق سيكون على يد الأتراك، وبخنجر صلاح الدين الأيوبي، وبيد تركيّة. وأظهر ان الأيوبي تركي الأصل. من هذه الخلفية كلها، بدأت فكرة، العمل الدرامي «وادي الذئاب - الكمين» الذي يثير جدلاً وأزمة بين أنقرة وتل أبيب، وتعرضه قناة «ستار تي في» التركيّة مساء كل خميس. في هذا المسلسل سعي الى إبراز شجاعة الاستخبارات التركيّة، وذكاء وبسالة عناصرها، في تعقُّب المتغلغلين في مؤسسات الدولة التركيّة من الأتراك الذين يعملون لمصلحة جهات أجنبيّة، وضدّ المصالح التركيّة. وتدور القصة حول ضابط الاستخبارات التركي بولات عالمدار (يلعب دوره نجاتي شاشماز) الذي يقود مجموعة تتعقّب العناصر المندسّة في الدولة التركيّة وتعمل لمصلحة شبكات وجهات أجنبيّة، وتتولى تصفيتها. إنه مسلسل بوليسي، يظهر بولات عالمدار على أنّه جيمس بوند الأتراك، ضمن حكاية دراميّة، مليئة بالمبالغات. هذا العمل الدرامي، الذي يعتبر الأكثر مشاهدةً في تركيا، تنتجه شركة «بانا فيلم». وكتب السيناريو له رجائي شاشماز وباهادر اوزدنير وجنبت آيسان. وأخرجه زبير شاشماز. دخل مسلسل «وادي الذئاب - الكمين» إذاً على خطّ التوتر بين أنقرة وتل أبيب عبر عرض المسلسل لقطات تظهر عناصر الاستخبارات الإسرائيليّة على أنّهم قتلة أطفال، ومجرمو حرب. وصوّر المسلسل بولات عالمدار وهو يقتحم أوكار الموساد، ويقتصّ من عناصره، ويوجّه عبارات لاذعة للإسرائيليين. ما اعتبره الإسرائيليون «تحريضاً على الكراهية ضدّ اسرائيل، وتعريض حياة الإسرائيليين في تركيا الى الخطر». من هنا، قدّمت تل أبيب اعتراضاً رسميّاً للأتراك، عبر استدعاء السفير التركي في اسرائيل الى الخارجيّة الإسرائيليّة، واستقباله في شكل مهين، ما زاد من منسوب التوتر بين أنقرة وتل أبيب. علماً أنّ اسرائيل سبق واعترضت على مسلسل «الافتراق» الذي تعرضه القناة الرسميّة التركيّة «تي ار تي 1»، ما أجبر وزير الخارجيّة التركي أحمد داود أوغلو على التعليق على الاعتراض الإسرائيلي بالقول: «الإعلام في تركيا مستقلّ، والدولة لا تتدخّل في شؤونه». وكان العمل الذي يثير الجدل بين تركيا وإسرائيل حالياً بدأ على شاشة «شو تي في» التركيّة، باسم «وادي الذئاب»، ثمّ باسم «وادي الذئاب - الكمين» على القناة ذاتها. ونتيجة خلافات ماليّة بين الشركة المنتجة وقناة «شو تي في»، تعاقدت الشركة المنتجة مع قناة «ستار تي في» على عرضه بالإسم ذاته. ولأن هذا العمل هو الأكثر مشاهدة في تركيا، تزيد مدة الإعلانات التي تعرض خلاله عن 30 دقيقة، وهي الأغلى ثمناً، ناهيك بأن كل حلقة من المسلسل يسبقها ما مدّته 15 دقيقة، ملخّص الحلقة السابقة. وهنا أيضاً تكون الإعلانات التجاريّة حاضرة. وإلى الآن، عرضت 75 حلقة، وستعرض الحلقة 76 مساء اليوم. وسيكون في هذه الحلقة، استهداف مباشر لإسرائيل، عبر قتل بولات عالمدار أحد عملاء الموساد، وتطاير دمه، ليلطّخ العلم الإسرائيلي، ونجمة داوود. ومن المرجّح أن هذا العمل، سيحظى بشهرة ونسبة مشاهدة أكبر، وسيحظى بمردود اقتصادي أكبر، بعد دخوله على خطّ الأزمة بين تركيا وإسرائيل، عبر إظهار الاستخبارات التركيّة في مظهر المنتقم من الموساد وإسرائيل على الأعمال الوحشيّة وإرهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل ضدّ الشعب الفلسطيني. ومن المعلوم أن قناتي «أبو ظبي» و«حكايات كمان» تعرضان الدبلجة العربيّة للمسلسل. وبحسب بعض الأخبار المتداولة في الصحافة التركيّة، فإنّ الشركة المنتجة، ستتجه لإنتاج سلسلة جديدة من هذا العمل، تحت عنوان «وادي الذئاب - فلسطين». وغنيّ عن التنويه أن الذئب هو شعار أو أحد رموز الأمّة التركيّة. من هنا، ربما لن يمضي وقت، حتّى نجد الذئب التركي، يلاحق الإسرائيليين، دراميّاً، بينما تكون العلاقات الأمنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة بين الدولة العبرية وتركيا شيئاً آخر.