يقدم متحف «قصر الباب الذهبي» (Palais de la Porte dorée) في الدائرة الباريسية الثانية عشرة، المتخصص في الثقافات غير الفرنسية، وحتى نهاية حزيران (يونيو) الجاري، معرضاً لافتاً، بما يحويه من معلومات طريفة مقارنة بأي معرض تقليدي يخصّ شؤون الموضة. يحمل الحدث عنوان «Fashion Mix»، ويتطرّق إلى الدور الأساسي الذي اضطلع به المبتكر المُغترب منذ مطلع القرن العشرين، في رونق الأناقة الباريسية وفي رفع اسم العاصمة الفرنسية عالياً في دنيا الموضة. هكذا يكتشف الزائر أو يتذكر أن إيف سان لوران وُلد وكبر في وهران الجزائرية، وأن إلزا سكياباريللي المنافسة الأولى لكوكو شانيل كانت إيطالية، أسوة بجاني فرساتشي. ويذكرنا المعرض أن كريستوبال بالنسياغا كان إسبانياً، حاله حال باكورابان، وأن جون غاليانو بريطاني مثل ستيلا ماكارتني وألكسندر ماكوين، وتوم فورد وألبير الباز ومارك جاكوبز أميركيون، وعز الدين علايا تونسي، والقائمة طويلة... ولا يكتفي المعرض بالإشارة إلى هذا الأمر أو حتى بعرض مجموعة واسعة من تصاميم كل واحد من المذكورين وغيرهم، بل يخصص إحدى قاعاته لعرض صور عن الأوراق الرسمية التي تخص الشخصيات المعنية من جوازات سفر وشهادات ميلاد وبطاقات هوية وأوراق طلب إقامة في فرنسا مرفقة بتصريح للعمل، وعقود الإيجار المتعلقة بورش العمل الصغيرة جداً والغالية التي شهدت بداية هذا الأرمني أو تلك اليونانية في مهنة الموضة والتطريز في أحياء باريسية شعبية. الأيدي الصغيرة وإضافة إلى الأسماء التي صارت مشهورة، هناك تلك التي لا يعرفها الجمهور العريض والتي على رغم هذه النقطة لا تقل أهمية عن غيرها، لكونها انتمت إلى فئة العاملات الحرفيات في مشاغل العلامات الكبيرة من كريستيان ديور وشانيل وإيف سان لوران ولانفان، مروراً بجيفانشي وبالمان ونينا ريتشي وفرانك سوربييه ولوساج، قبل الوصول إلى دور أزياء القرن الحالي، مثل إيلي صعب وجوليان فورنييه وبشرة جرار. وعلى أي حال، نعلم أن «الأيدي الصغيرة» مثلما يطلق عليها في دنيا الموضة الباريسية، تتشكل في شكل شبه كلي من مغتربات يحوّلن رغبة المصمم إلى حقيقة، من خلال التفصيل والقص والتطريز ووضع ألف تفصيل وتفصيل فوق الموديل الواحد قبل أن يرى النور، ويحدث أن يتطلب تنفيذ الفستان الواحد في ميدان الخياطة الراقية أو فساتين العرس، أكثر من 500 ساعة من العمل. ويمكن الزائر متابعة تحقيقات في أفلام فيديو صُوّرت داخل معامل التطريز وفي مشغل المصمم، وذلك عبر شاشات تلفزيونية موضوعة في القاعات المختلفة والواسعة التي يؤويها متحف «قصر الباب الذهبي». وهناك لقطات نرى فيها المبتكر وهو يفسر مراحل عمله الشخصي، ثم كيف يجسَّد هذا المجهود في المشاغل على أيدي الحرفيات. ويقدم المعرض نبذة من الفيلم التسجيلي «ديور» الذي يروي حكاية هذه العلامة العريقة والدور الذي تلعبه مشاغل التطريز في رونقها العالمي. وعُرض الفيلم في إطار مهرجان سينما الشانزيليزيه في باريس الأسبوع الماضي. وتقع عين الزائر قبل مغادرته المكان على لافتة تسأل عن الذي كانت الموضة الباريسية حرمت منه وخسرته لولا حصول عدد المغتربين الهائل الداخل في صناعتها على تصريحات الإقامة والعمل في فرنسا.