في تظاهرة لبنانية غير مسبوقة اجتمعت قوى الإنتاج من هيئات اقتصادية واتحاد عمالي عام ونقابات مهن حرة وهيئات المجتمع المدني، لتطلق موحّدة، بمنأى عن انتماءاتها السياسية والطائفية، صرخة «ضد الانتحار» الذي تفرزه خلافات الطبقة السياسية. وحمل لقاء اركان هذه القوى طابعاً سياسياً بامتياز، ليضعوا الطبقة السياسية امام واجباتها بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية وللاحتجاج على تعطيل التشريع والعمل الحكومي وانعكاس ذلك على أوضاع الاقتصاد المنتج والظروف الاجتماعية والمعيشية. واستهل اللقاء الحاشد الذي عقد في البيال، النائب روبير فاضل صاحب الدعوة إلى هذا اللقاء، قائلاً إنها «المرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث التي يجتمع فيها شركاء المجتمع المنتج، على رغم تنوّعنا السياسي والقطاعي وحتى المادي والطائفي، لنطلق صرخة في وجه الطبقة السياسية، «أوقفوا الانتحار الجماعي». واعتبر أن لبنان «لن يبقى إذا لم نغيّر ثوابت من أدائنا السياسي والمالي». وإذ حضّ على «معالجة ظاهرة الفقر المدقع»، قال: «كونوا صوت الفقير قبل أن يخطفه غيركم ويتلاعب بمصيرنا». وشدد على أن لبنان «لا يعيش إذا لم يعِ العمّال وأصحاب العمل أنهم في خانة واحدة وتعيش دولة الهدر والفساد على حسابهم، وإذا استمر المجتمع يراعي أهل السياسة». وإذ أقرّ بأن المجتمع المنتج «تأخّر كثيراً»، أكد أن «اجتماعنا اليوم يؤشر إلى وجود فرصة بعد لتوريث أولادنا بلداً منفتحاً نظيفاً وحضارياً». وختم: «سنظل نرفع الصوت كي يردّوا لنا دولتنا المخطوفة بدايةً بانتخاب رئيس للجمهورية». وأعلن رئيس الهيئات الاقتصادية عدنان القصّار أن «الصرخة التي نطلقها اليوم تتخذ بعداً وطنياً جامعاً هذه المرة، ما يدلّ على أن جميع اللبنانيين موحّدون في وجه الأخطار التي تتهدد وطنهم، وفي مقدّمتها مواجهة خطر التدهور الاقتصادي وتراجع النشاط التجاري والسياحي، وارتفاع معدّل البطالة، في ظل استمرار ازدياد الدين العام». وقال القصار: «لا يمكن السكوت عمّا آلت إليه الأوضاع، حيث الشغور الرئاسي المستمر منذ أكثر من سنة والمؤسسات السياسية معطلة أو شبه معطلة». ودعا القوى السياسيّة إلى «تحمّل مسؤولياتها الوطنيّة»، مطالباً ب «تفعيل عمل المؤسسات الدستوريّة بالنزول إلى المجلس النيابي، وانتخاب رئيس للجمهورية في أقرب فرصة، ليستكمل بفتح مجلس النوّاب أمام العمل التشريعي». وتوقف رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان محمد شقير عند مشهد «القصر الجمهوري المقفل، والدولة بلا رأس منذ 13 شهراً من دون أن تلوح في الأفق أي بارقة أمل لإنجاز هذا الاستحقاق المصيري، ما يجعل الخوف يدب في القلوب من وجود مخطط لإلغاء الرئاسة من قاموسنا وبالتالي قتل الجمهورية». وانتقل إلى الوضع الاجتماعي والمعيشي، لافتاً إلى أن معدل البطالة بلغ 25 في المئة وعند الشباب تجاوز 35 في المئة، وفرص العمل معدومة، والفقر والعوز يضربان عائلاتنا ويضيع شبابنا، ويجعلهم عرضة للذهاب باتجاه الجريمة والإرهاب». وقال «الاقتصاد يترنح والقطاعات تصرخ وآلاف المؤسسات تقفل، فيما آلاف أخرى تصارع من أجل البقاء». ولم يغفل وضع مالية الدولة «وهو في خطر مع دين عام 71 بليون دولار وانعدام النمو، وتفاقم عجز الموازنة». وأعلن رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غص، أن اللقاء هو «لإطلاق النداء لا بل الصرخة إزاء الأخطار الداهمة التي تهدّد الوطن بكل مرتكزاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتضعه على حافة الهاوية والانهيار إذا لم نسارع إلى تداركها بكلمة سواء وحوار بنّاء». وقال «ما كان لهذا الوضع إدراك هذا الحدّ الخطير لو كانت ممارستنا لنظامنا السياسي - الجمهوري والديمقراطي مستقيمة، ولو كنّا نحتكم إلى الدستور ونطبّق القوانين بعيداً من المحاصصة والمخاصصة والأنانية والكيدية، من دون إغفال الاعتبارات الطائفية والمذهبية المتزمّتة والسياسات الاقتصادية المتهوّرة وغياب الإدارة الرشيدة». ورأى نقيب المحامين في بيروت جورج جريج، أن «دولتنا تُحسِن الضيافة وتكرّم الوافد، لكنها دولة قاصرة في حماية الأمن السياسي والاجتماعي»، ملاحظاً «انتشار اليد العاملة الأجنبية كالفطر وخارج سقف القانون». وأشار إلى أن الدولة «قاصرة في حماية الاقتصاد»، لافتاً إلى «تراجع ملحوظ في الزراعة والصناعة والسياحة بنسب تتراوح بين 37 و44 في المئة». وأيّد رئيس غرفة التجارة والصناعة في صيدا محمد صالح، «أهداف هذا اللقاء طالما يهدف إلى تحقيق الوحدة الوطنية، ويتجاوز أي انقسام سياسي أو طائفي ويسعى إلى إنقاذ الوطن من الأخطار التي تحدق به على كل المستويات». وقال نقيب الأطباء انطوان البستاني: «نحن مجتمعون اليوم لنصرخ بصوت عال وموحد، نريد رئيساً للجمهورية ورأساً لها اليوم قبل الغد، يجمع الأوصال ويرمم المؤسسات. رأس سوي سليم ثاقب الرؤية صلب الإرادة، نظيف الكف والأخلاق، نختاره نحن ولا يفرض علينا هبوطاً في مظلة كما كان العرف يقضي». ودعت حياة ارسلان في كلمة «طاولة حوار المجتمع المدني» النواب «إلى اعتماد نموذج روبير فاضل ب «حمل راية المصالحة مع الوطن» بمباشرة الإنقاذ، من خلال انتخاب رئيس للجمهورية واستتباع الانتخاب بإقرار قانون انتخابات عصري يعتمد النسبية». واعتبر رئيس جمعية مصارف لبنان فرنسوا باسيل أن «من حقنا إعلاء الصوت وإطلاق صرخة مدوّية، لرفض استمرار التسيّب الحاصل والرضوخ للفراغ المفروض على سدّة الرئاسة الأولى، ولاقتصار الأداء الحكومي على ما دون الحدّ الأدنى السليم والمقبول، وللكفّ عن التعاطي مع عجز القوى السياسية اللبنانية، كأنه لعنة لا تُردّ أو قدَر مشؤوم ومحتوم». وشدد رئيس اتحاد المهندسين اللبنانيين خالد شهاب، على ضرورة إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إذ رصدت النقابة «تراجعاً حاداً في حركة البناء، وأظهرت الإحصاءات تراجعاً يفوق 20 في المئة عن نصف السنة الأولى تقريباً أي 35 في المئة وفق التقديرات الأولية في السنة، والتي تترجم حالة غير مألوفة». وشدد رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميّل، على أنها «مسؤولية وطنية وتاريخية تقع على عاتق الطبقة السياسية لإخراج البلد من عنق الزجاجة». وقال «ما نريده من السياسيين أن يكونوا على مثال القطاع الخاص اللبناني والقوى المنتجة، تعمل بصدق وتنتج وتتنافس في ما بينها على الأفضل لمستقبل البلد». ولفت رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماسإلى أن القطاع التجاري «يفقد في شكل منتظم ومتسارع قواه الحيّة»، مشيراً إلى أن في الفترة الممتدة بين آذار (مارس) 2014 والشهر ذاته من العام الحالي «أقفل 14 في المئة من المحال التجارية في وسط العاصمة أبوابها، وهذه كارثة موصوفة». ودعا نقيب الصيادلة رئيس اتحاد نقابات المهن الحرة ربيع حسونة، إلى أن «نصرخ متحدين وبصوت واحد لنقول كفى استهتاراً بمصالحنا ومصالح الشعب ومستقبله». وقال: «نعم أصبحنا على وشك الانتحار، ذلك إننا شعب يوشك أن يرمى على قارعة اليأس على رغم كل ما يتمتع به من كفاءات وحيوية، بفضل التناحر السياسي والأوهام المتقابلة بيننا، وهذا الانتحار لا يفرّق بين طائفة وأخرى او حزب وتيار». وأعلن رئيس اتحاد المؤسسات السياحية بيار أشقر، أن «السكوت أصبح أكثر من تواطؤ بل جزء من مؤامرة لإسقاط الرسالة، والمطلوب تضافر كل الفئات السياسية والكف عن التعالي والإملاءات لحماية الوطن ومؤسساته».