حظيت المبادرة الفرنسية الرامية لإعادة إحياء العملية السياسية بترحيب فلسطيني، لكنها قوبلت بمعارضة إسرائيلية، ما يقلل فرص نجاحها. وقال وزيرا الخارجية الفرنسي لوران فابيوس والفلسطيني رياض المالكي في مؤتمر صحافي مشترك عقب محادثات بين فابيوس والرئيس محمود عباس في مقر الرئاسة في رام الله، إن عباس أعرب عن تأييده ودعمه للأفكار الفرنسية. وقال المالكي إن فابيوس «يغادر ومعه الدعم والتأييد الفلسطيني»، مضيفاً: «أكد الرئيس (عباس) تطابق الأفكار الفرنسية - الفلسطينية، وإننا ملتزمون مثل هذه الأفكار لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس». من جانبه، قال فابيوس: «عبّر الرئيس عباس ووزير خارجيته عن دعمهما هذه الأفكار»، مضيفاً أنه التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني عبد الله الثاني، وأنهما أعربا له عن قلقهما من الأوضاع في المنطقة. وتابع: «السيسي وعبد الله قالا الشيء نفسه: هناك قلق كبير. وإذا بقيت الأمور مجمدة، فإن من الممكن أن يحدث انفجار، وإذا حدث انفجار، فإنه سيكون سيئاً لشعوب المنطقة ودولها». لكن فابيوس قال إن مهمته لم تنته بترحيب الجانب الفلسطيني لأن هناك طرفاً آخر هو الإسرائيلي، مشيراً إلى أن مهمته الآن تتمثل في «البحث عن حلول توفيقية». ورفض الحديث عن تفاصيل الأفكار الفرنسية لاعادة إحياء العملية السياسية، لكنه قال أن الهدف منها هو توفير مقاربة جديدة للعملية التفاوضية تقوم على جمع الطرفين على طاولة المفاوضات تحت رعاية دولية تتدخل عندما يصلا إلى المراحل الأخيرة. وقال: «التجربة بيّنت ان الطرفين كانا يختلفان في الأمتار الأخيرة من العملية، والأفكار الفرنسية تهدف إلى توفير رعاية دولية تساعدهما على تجاوز الأمتار الأخيرة». وقال المالكي وفابيوس إن لقاء فرنسياً - عربياً سيعقد في أيلول (سبتمبر) لهذا الغرض. الأفكار الفرنسية وكشف مسؤول فلسطيني رفيع ل»الحياة» أن الأفكار الفرنسية تقوم على تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن ينص على جمع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي للتفاوض تحت مظلة مؤتمر دولي مصغر لعملية السلام. وتحدد المبادرة الفرنسية فترة المفاوضات بثمانية عشرة شهراً، على أن تتناول إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، وإيجاد حل متفق عليه لقضية اللاجئين. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق في نهاية الفترة، تعترف فرنسا بدولة فلسطين على حدود عام 1967. وقال المسؤول الفلسطيني إن فرص نجاح المبادرة الفرنسية ما زالت ضعيفة بسبب رفض الجانب الإسرائيلي التفاوض على إقامة دولة مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، ورفض أي مشاركة دولية في المفاوضات. وأضاف أن فرنسا تحاول ملء الفراغ الناجم عن غياب الدور الأميركي بعد فشل جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري في إعادة إحياء المفاوضات. فابيوس في عمان وكان فابيوس وصل إلى رام الله قادماً من الأردن حيث التقى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ووزير خارجيته ناصر جوده، علماً أن فابيوس يقوم بجولة «ديبلوماسية مكثفة» تشمل كلاً من مصر والأردن والأراضي الفلسطينية وإسرائيل بهدف عرض المبادرة الفرنسية للسلام. وشدد فابيوس خلال لقائه نظيره الأردني على أن بلاده لن تتخلى عن جهودها رغم الجمود الذي يعتري تلك المفاوضات. وأوضح في مؤتمر صحافي مشترك أن «فرنسا في الحقيقة هي واحدة من الدول القليلة التي لا تتخلى عن جهودها... على حد سواء لصداقتها للفلسطينيين وللإسرائيليين». وأضاف أن «الهدف الأول لهذه الزيارة هو التعرف إلى الكيفية التي يمكننا بها أن نساعد في إحياء عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية». وحذر فابيوس من خطورة تجدد أعمال العنف، قائلاً: «إذا لم نقدم أفقاً سياسياً، فهناك خوف من استئناف دوامة العنف التي يمكن أن تحدث للأسف في أي لحظة». وقال: «في هذا الوقت، لا توجد مفاوضات، ولا قرار، ولا أي دعم دولي، وهذا يعني أن الأمور يمكن أن تتدهور في أي لحظة، ودورنا كعضو دائم في مجلس الأمن، وكصديق لدول المنطقة، هو المساعدة في العثور على حلول، ليس على حساب أصحاب المصلحة، لكن مع أصحاب المصلحة». وشدد على أنه «في حال تقدمت المفاوضات، فإنه يجب أن تكون قادرة على أن تستكمل». وأضاف: «حتى الآن، ما نلاحظه منذ أربعين عاماً، أنه أحياناً هناك مفاوضات، وأحياناً لا توجد مفاوضات، لكن عندما تكون هناك مفاوضات، فإنها لم تنجح أبداً». من جانبه، أكد جودة أن «فرنسا من الدول المهتمة جداً بموضوع الحل السلمي وإيجاد حل دائم وشامل، لكن نقول دائماً لا يجب اختزال القضية الفلسطينية إما اختزالاً سياسياً أو اختزالاً جغرافياً أو اختزالاً زمنياً، بل يجب أن يكون الحل للقضية الفلسطينية حلاً شاملاً وعادلاً بحيث تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة». وأضاف: «يجب أن يكون الحل شاملاً على أن لا نزرع بذور الحرب بعد سنوات، أو نترك الأمور معلقة ليتم الخلاف عليها بالمستقبل، وكما نرى هناك دوامة مستمرة في منطقتنا، جمود يؤدي إلى اندلاع عنف، أو حرب تؤدي بدورها إلى جمود في عملية التفاوض». وأوضح أن «هذه ليست قضية محلية وإقليمية وإنما دولية، وهذا الصراع دولي، وحل هذه القضية يبقى أمراً أساسياً بالنسبة إلينا». وتابع جودة: «لا يمكن أن يكون هناك حل جزئي وإنما حل شامل ونهائي»، مشيراً إلى أن «الأردن صاحب مصلحة عليا عندما يتم الحديث عن القضية الفلسطينية». وأضاف: «لسنا بمراقب ولسنا بوسيط، لكن أصحاب مصلحة، وهدفنا في نهاية المطاف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة ذات السيادة الكاملة على أراضيها والقدسالشرقية عاصمة لها وأن تعيش بأمن وسلام مع جيرانها». وخلص إلى القول إن «هذا هو موقف الأردن مع تأكيدنا على أهمية الدور الفرنسي والاهتمام الفرنسي». وفي شأن آخر، قال فابيوس انه طلب من محاوريه الأردنيين «احترام الإجراءات الدولية» في شأن تسليم الأردني المتهم بارتكاب اعتداء استهدف مطعماً يهودياً في باريس عام 1982، والذي تطالب باريس بتسلميه. وأوضح: «سألت أصدقاءنا الأردنيين، مع الأخذ في الاعتبار علاقاتنا، أن إجراءات دولية يجب احترامها»، مضيفاً إن الإجراءات «ماضية»، من دون أن يعطي المزيد من التوضيحات. والمتهم هو سهير محمد حسن خالد العباسي (62 سنة) الملقب ب «أمجد عطا»، وهو متهم بمراقبة الهجوم الذي شنته مجموعة تابعة ل «أبو نضال» واستهدف مطعم جو غولدنبورغ في حي ماريه اليهودي في باريس في 9 آب (أغسطس) عام 1982، ما أوقع ستة قتلى و22 جريحاً. ويواجه تسليم العباس صعوبات نظراً لعدم قيام عمان بتسليم مواطنيها إلى دول أخرى في السابق، بحسب مصدر مقرب من الملف. وصدرت مذكرة توقيف دولية من باريس في شباط (فبراير) الماضي بحق سهير العباسي بعد 32 عاماً من الاعتداء. ومثل «أمجد عطا» أمام قاضي محكمة الصلح المختص بقضايا تسليم المطلوبين طلال الصغير فور توقيفه من جانب الانتربول الأردني مطلع حزيران (يونيو) الجاري، لكن السلطات أطلقت سراحه بكفالة. وصدر قرار بمنع سفر العباسي من السفر وحجز جواز سفره لحين ورود ملف الاسترداد من وزارة العدل لمعرفة هل وقع الأردن اتفاقية للتسليم مع فرنسا سارية المفعول، بحسب المصدر المقرب من الملف، مضيفاً أن «العباسي مثل أمام القاضي من دون حضور محام، فهو طاعن في السن وعامل بناء». وبحسب مصادر مقربة من أجهزة الأمن، فإن العباسي أوقف في منطقة الزرقاء (30 كيلومتراً شمال عمان) حيث أكبر المخيمات الفلسطينية في الأردن.