بقيت إسرائيل عقوداً تبتز الغرب المسيحي الذي قتل اليهود، ورسمت لنفسها صورة بلد ديموقراطي صغير محاط بعداء وكرهٍ وتطرف، غير أن الصورة تآكلت وإسرائيل تحتل وتدمّر وتقتل النساء والأطفال، وبعد الحرب على لبنان في صيف 2006 ثم الحرب على غزة في شتاء 2009 تحولت صورة إسرائيل نهائياً الى دولة عدوانية عنصرية خلفت جنوب افريقيا في ممارسة سياسة «الأبارتهيد». ولعل تقرير غولدستون كان المسمار الأخير في نعش الصورة القديمة، فكاتبه قاضٍِ يهودي هو ريتشارد غولدستون، وبما أنه من جنوب افريقيا فهو يعرف كيف تكون التفرقة العنصرية، وقد رآها بنفسه تمارس في بلاده. أتجاوز الضجة العربية حول التقرير، واختلاف العرب عليه وهو ينتقد إسرائيل بدل استغلاله ضدها، وأرصد عمل إسرائيل للرد على التقرير والانتقادات الدولية لإسرائيل التي أطلقها صدوره. في الأخبار أن مجموعة من السياسيين وقادة الجيش الإسرائيلي وأركان وزارة العدل يعدون الآن رد إسرائيل على التقرير وسيرسلونه الى السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون مع نهاية هذا الشهر. الإسرائيليون سيكذبون، وليس هذا مجرد رأي، فقد قرأت أن حكومة الدجال بنيامين نتانياهو أذعنت لضغط وزير الدفاع ايهود باراك ورئيس الأركان غابي اشكينازي، ولم تُشكِّل لجنة مستقلة لدرس التقرير والرد عليه، وإنما اكتفت بأن يرد الجيش مع وزارة الدفاع، أي الطرف المتهم بارتكاب جرائم حرب. الرد سيكون مكشوفاً مداناً كالذين يعدونه، ولن يجد نصيراً سوى الكونغرس الأميركي الذي كتبت غير مرة، وأكتب اليوم أنه أكثر إسرائيلية من الكنيست. إسرائيل هي ذلك الأمبراطور من دون ثياب في الخرافة المشهورة، فقد عُريت تماماً مع استمرار الاحتلال وجرائمه ثم تشكو صحفها لأن الفلسطينيين يكرهونها. باريم لندن كتب في «يديعوت أخرونوت» تعليقاً على حرب غزة بعد سنة من وقوعها يقول إن إسرائيل حققت ما تريد من الحرب فقد توقف اطلاق الصواريخ على المستوطنات المجاورة للقطاع وعاد سكانها اليها. إلا أن الوضع لم ينته كما تريد إسرائيل تماماً، فحماس ساكتة لأنها تحتاج الى وقت لتدعيم حكمها في القطاع وإعادة بناء قوتها العسكرية. وفي غضون ذلك لا يوجد أي اعتدال في كلام خطباء المساجد أو الإذاعات، وكما قبل الحرب فالكلام نفسه عن أن اليهود متحدرون من قردة وخنازير، وينشرون الحروب والأوبئة والإلحاد والشيوعية. أدين أي كلام عنصري عن أي شعب، بمن في ذلك اليهود، ولكن أسأل ماذا يتوقع الكاتب أو أي إسرائيلي، بعد أن دُمر القطاع على رأس أهله وقتل 1400 مدني، بينهم أكثر من 420 امرأة وطفلاً؟ أعمال إسرائيل تدينها وتزيد الكره لها، ولا أفهم كيف ينتظر كاتب أن يرد الناس على قتلهم باحترام القاتل أو «تفهّم» ظروفه. وكان هناك قرب نهاية الشهر الماضي مؤتمر في وزارة الخارجية الإسرائيلية شارك فيه 134 سفيراً وقنصلاً إسرائيلياً، وقرأت على هامشه أن دان ميريدور، نائب رئيس الوزراء ووزير الاستخبارات، قال إن الوضع مع الفلسطينيين لا يمكن أن يستمر بشكله الحالي، وأن 80 في المئة من الإسرائيليين يوافقون على قيام دولة فلسطينية، وهو بذلك يخالف كلام وزير الخارجية افيغدور ليبرمان انه لا يرى سلاماً في السنوات العشر المقبلة. لفت نظري في المؤتمر أن السفير الإسرائيلي في القاهرة شالوم كوهن الذي قاربت مدته على الانتهاء شكا من اللهجة اللاسامية والمعاديةِ لإسرائيل في الإعلام المصري على رغم وجود معاهدة سلام، كما انتقد ضعف رد الحكومة الإسرائيلية على العداء الشعبي المصري. وكان رد بنيامين نتانياهو عليه عاماً وضعيفاً. إذا كان الغرب والشرق يكره إسرائيل هل يتوقع سفيرها في القاهرة أن يحبها المصريون، أو يغفروا لها وينسوا؟ إسرائيل بدأت حروباً على مصر ودمرت مدن القناة وقتلت مئات ألوف المصريين، بمن فيهم الأطفال في المدارس، وقتلت الجنود الأسرى، ثم يستغرب السفير أن المصريين يكرهون إسرائيل. إسرائيل في «بيت الكلب» حول العالم، وفي أخبار إسرائيلية أخرى أن السفيرة السويدية اليزابت بورسين بونير وسفير الاتحاد الأوروبي في إسرائيل اندرو سترادلي استدعيا الى وزارة الخارجية للشكوى من موقف السويد من النزاع مع الفلسطينيين، وللاحتجاج على ما تظهره احصاءات من أن الاتحاد الأوروبي انتقد إسرائيل عشر مرات في مقابل كل مرة انتُقد فيها الفلسطينيون. وحمل حاييم هاينوف في «ماكور ريشون هاتزوفيه» على وزير خارجية السويد كارل بيلت لأنه يؤيد الفلسطينيين ولا يعرف تاريخ اليهود وتعلقهم بإسرائيل، طبعاً لا تاريخ، والتعلق العادل هو من حبل مشنقة للذين يقتلون النساء والأطفال. لا أحد يحبهم. [email protected]