اليوم الثلثاء، عند الحادية عشرة قبل الظهر والسابعة مساء، ستطلق صفارت الإنذار في البلدات الإسرائيلية داعية الإسرائيليين إلى الدخول إلى الملاجئ والمناطق الآمنة، لتعلن القيادة الأمنية - العسكرية وصول الحرب المتخيّلة إلى ذروتها. اليوم هو ثالث يوم من هذه الحرب، وفق السيناريو الذي يتدرب عليه الإسرائيليون، من جيش دفاع مدني وأسلحة البحر والبر والجو والسلطات ذات الشأن، تحت عنوان «نقطة تحول - 15». تختلف التوقعات الإسرائيلية وسيناريو التدريب هذه السنة عن السنوات السابقة، من حيث حجم الحرب وقوتها وأهدافها. فقد تم بناء سيناريو التدريب وفق توقعات أمنيين وعسكريين لاحتمالات تطور الأوضاع في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث، وسورية في شكل خاص: الانطلاقة ستكون من الحدود الشمالية. فهذه المنطقة، وخلافاً للسنوات السابقة، باتت موضع قلق أكثر من ذي قبل. وإذا كانت الحسابات الإسرائيلية في السنوات الخمس الماضية تقول: «فخار يكسر بعضه»، وعلى إسرائيل أن تتفرج بالأساس حتى ينهك المحاربون السوريون بعضهم، فاليوم تنبعث رائحة حسم في سورية ويشعر الإسرئيليون بأن ثمة قوى ستقصف إسرائيل. لذلك، قدم إلى الجولان رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، ليتجول على المستوطنين والوحدات العسكرية. واختار التوقيت، مع انطلاقة هذه التدريبات. رافق قيادة الجيش وألقى نظرة على طول هذه الحدود مركزاً على البلدات السورية المحاذية للجولان المحتل والجدار الحدودي ليعلن من هناك أن هذا الهدوء لا يمكنه أن يوهم أحداً، لا يوهمه ولا يوهم الإسرائيليين ولا الجيش الذي يستعد لحدوث تدهور مفاجئ. حديث ريفلين هذا جاء مطابقاً لحديث رئيس «سلطة الطوارئ»، بتسلئيل ترايبر الذي راح يعلن مع بدء التدريبات أن الوضع اليوم هادئ، نسبياً، لكن الحرب تستطيع أن تكون سريعة، وأن سيناريو حرب شاملة على كل الجبهات هو سيناريو واقعي والحرب المقبلة يمكن أن تبدأ بعد هجوم في أعقاب تدهور الأحداث على طول الحدود الشمالية. ترايبر يعتمد على ما سبق وصرح به الأمين العام ل «حزب الله»، السيد حسن نصرالله عما يملكه الحزب من صواريخ فقال: «نصرالله حذر أخيراً من أن حزب الله يملك 80 ألف صاروخ موجهة في كل لحظة إلى حيفا وتل أبيب. يمكن أن يكون هذا هو ما يملكه حزب الله، وإذا كان صحيحاً فإنه يؤكد مدى أهمية الاستعداد لحرب كهذه. لا نستطيع السماح لأنفسنا بأن نتجاهل ما يجري لدى الطرف الثاني، ولا نتجاهل استعدادات حزب الله، وجاهزية حركة حماس، لجهة السعي إلى التسلح والتجارب التي يجرونها على الأسلحة التي ينجحون بتهريبها إلى القطاع، والجهود الكبيرة التي يبذلونها لتجديد الأنفاق وترميمها داخل القطاع وتلك التي تتجاوز السياج». السيناريو الذي يتم التدرب عليه يشمل سلسلة أحداث بينها المس ببنى تحتية وشبكات الكهرباء والمطارات ومنشآت المواد الخطيرة في خليج حيفا وتسلل عبر البحر إلى ميناء حيفا أو تسلل طائرات من دون طيار إلى الأجواء الإسرائيلية وكذلك زرع متفجرات على طول الحدود مع لبنان، تستهدف دوريات عسكرية. التدريب وفق ترايبر يشمل سيناريوات لم تشملها الحروب السابقة وستكون فيها الجبهة الداخلية معرضة لضربات أشد مما تعرضت له في المواجهات العسكرية السابقة، ولكن، يضيف: «الضربات التي سنوجهها للطرف الآخر ستكون هي الأخرى أشد وأقوى». التدريبات هذه المرة تنطلق من اليوم الذي تتعرض له إسرائيل لقصف مكثف بالصواريخ، بعد أشهر طويلة تكون تعرضت خلالها منطقة الشمال لصواريخ متفرقة من الطرف الآخر للحدود، لكن إسرائيل، وفق السيناريو، ترفض الرد وتتحلى بالصبر، كما قال الجيش خلال عرضه التدريبات. في التوقعات الإسرائيلية أن القصف المكثف يبدأ من سورية ولبنان، ثم تتحول إيلات لهدف، بعد إطلاق الصواريخ عليها من سيناء. الاستخبارات العسكرية، وفق التوقعات، ترى أنه من الصعب معرفة من يقف وراء إطلاق الصواريخ وتقدر أن الأمر يتعلّق بمنظمات منشقة، إسلامية متطرفة، لا تتقبل سيادة «حزب الله» في الشمال ولا تخضع ل «حماس» في الجنوب. تتوقع إسرائيل أن تتعرض لمئات الصواريخ المتطورة، الطويلة المدى، يومياً، تنجح بالتملص من القبة الحديد، وتسقط في شوارع البلدات الإسرائيلية، وفي شكل خاص في شمال البلاد. وتؤدي إلى هدم عمارات سكنية في مراكز المدن الكبيرة. وتصاب الجسور على مسارات الطرق المركزية، وفي الكثير من المناطق تندلع نيران كثيفة. ويقوم سلاح الجو باعتراض طائرات من دون طيار، تتخطى الحدود، ويعمل ضد مطلقي الصواريخ، وتنجح خلايا عدة من «حزب الله» بتخطي السياج الحدودي. ويصل جزء منها إلى المستوطنات ويحتجز رهائن. ويصف الجيش الوضع بأنه حدث ضخم يضطره لاستدعاء عشرات آلاف جنود الاحتياط وفق أوامر التجنيد الرقم «8». توقعات الإسرائيليين أيضاً أن الضفة ستنضم إلى الحرب عبر اندلاع انتفاضة، وفلسطينيي 48 يكون لهم دور من خلال مشاركتهم في تظاهرات احتجاجية. خطوات عملية بعيدا عن التدريبات «نقطة تحول - 15» هي ترجمة على أرض الواقع لتوقعات المسؤولين الإسرائيليين، وليس مصادفة وخلافاً للسنوات السابقة، أن تأتي تدريبات أسلحة الجو والبر والبحر في الوقت نفسه مع تدريبات الجبهة الداخلية. فقد كشف قبل يوم من انطلاق هذه التدريبات أن سلاح البحرية بدأ يبني حواجز معدنية ضخمة أقوى من جدران الباطون المسلح عند مراسي الغواصات وبوابة الدخول البحري إلى ميناء حيفا، بادعاء معلومات استخبارية تشير إلى احتمال دخول زوارق سريعة مفخخة لتنفيذ عملية تفجيرية في هذا المكان. هذه الاحتياطات جاءت أيضاً في أعقاب التهديدات التي أطلقها تنظيم «داعش». وأعلنت مصادر عسكرية أن الجيش الإسرائيلي كان بحث في هذه الوسيلة منذ حرب لبنان الثانية، ولكن التقديرات حينذاك بينت أن احتمالات اللجوء إلى هذا السلاح ضئيلة. لكن هذه التقديرات تغيرت حالياً، لذلك تقررت العودة إليها من جديد. وبعد الانتهاء من هذا الإجراء في حيفا، سينقل إلى الموانئ الإسرائيلية الأخرى. هذه الحواجز، وفق هذه المصادر، هي جزء من المنظومة الدفاعية التي تم وضعها في حيفا في شكل خاص تستهدف حماية أسطول الغواصات الإسرائيلي وبينها أربع غواصات جديدة من ألمانيا. ووفق هذه المصادر، فإن تقارير تتحدث عن أنها غواصات نووية. الحواجز المائية متطورة جداً، وبمقدورها إيقاف زوارق مفخخة سريعة وإبطاء سفن كبيرة لدى محاولتها الدخول إلى الميناء، وتم تطوير الحواجز في الولاياتالمتحدة بتمويل من الأسطول الأميركي. ويتم تشغيل الحواجز بواسطة أجهزة تحكم من بعد، وتبلغ تكلفة الحاجز بضعة ملايين من الدولارات. القيادة الإسرائيلية استبقت هذه التدريبات بتهيئة الأجواء، من جهة، وطمأنة الإسرائيليين من جهة أخرى، عبر استعراض القدرات الإسرائيلية. وزير الدفاع موشيه يعلون وقائد سلاح الجو أمير إيشل، استغلا خطابين لهما، في الاجتماع السنوي لمعهد فيشر الذي يعمل في البحوث الاستراتيجية في مجال الجو والفضاء، لاستعراض القدرات الدفاعية والهجومية لإسرائيل. ولم يخف إيشل الحسابات الإسرائيلية لدى المواجهة مع «حزب الله» معتبراً هذه المواجهة التحدي الأكبر لإسرائيل. زيادة الموازنة لم يكتف الجيش الإسرائيلي بهذه الزيادة فتوجه في شكل استثنائي إلى الولاياتالمتحدة يطالب بزيادة دعمها العسكري لإسرائيل بنحو بليون دولار في كل سنة، إضافة إلى 3 بلايين تدفعها اليوم. والجيش الإسرائيلي، لا يتنازل عن رغبته في المزيد من الموازنات مستغلاً كل تصريح وحدث وسيناريو لاحتمالات تدهور أمني. هكذا فعل القائد الجديد للجيش غادي آيزنكوط الذي أعد اقتراحاً جديداً للحكومة، يتزامن مع موعد التدريبات، طالب فيه بزيادة موازانة جيشه نحو أربعة بلايين دولار، إضافة إلى موازنته العادية وإلى المساعدات الأميركية. هذه الموازنة، ووفق ما تسرب لمصادر إعلامية إسرائيلية، تأتي تحت بند ضرورة إحداث طفرة في التدريبات وكذلك لتحديث عدد من الآليات الحربية، والصواريخ الذكية، وغيرها من متطلبات استخلاص العبر والتطورات في العالم العربي. وتابعت هذه المصادر تقول أن آيزنكوط ينوي تشكيل سلاح جديد، إضافة إلى سلاح الجو وسلاح البحرية وسلاح اليابسة، وهو سلاح السايبر. في موازاة المطالبة بزيادة الموازنة، أصدر آيزنكوت توجيهاً بإيلاء الأولوية خلال الصيف المقبل للتدريبات العسكرية – في الجو والبحر واليابسة، استعداداً للحرب المقبلة. وتصل موازنة الجيش إلى 30 بليون شيقل، من أصل 57 بليون شيقل مخصصة لوزارة الدفاع. وينتظر الجيش التوصيات التي ستقدمها لجنة الجنرال احتياط يوحنان لوكر لفحص موازنة الدفاع، على أمل أن توصي بالانتقال الى تخصيص موازنة متعددة السنة. وكجزء من الحاجة إلى التوفير يعتقد عدد من المسؤولين الكبار أن عملية «الجرف الصامد» أديرت في شكل مبذر في كل ما يتعلق باستخدام الأسلحة، وأن اقتصاد الحرب لم يتم في شكل منظم. ويوضح قادة الجيش أن تكاليف الجيش في عام 2015 ستكون عالية أكثر من السابق. وقال مصدر أمني رفيع أن «الحصول على معلومات في عصر التكنولوجيا يكلف أكثر من السابق، كما تكلف القنابل الذكية كثيراً، ناهيك عن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في شكل دائم». ومن بين المسائل المركزية والباهظة الثمن المطروحة على جدول الأعمال، الاحتماء الفاعل من الصواريخ. وقال مسؤول رفيع في الجيش: «الجمهور يطالب بحمايته من الصواريخ، بخاصة صواريخ حزب الله، لكنه لا يعرف دائماً ثمن ذلك. فصاروخ «العصا السحرية» الواحد يكلف نحو مليون دولار، وهو لا يتصدى لأكثر من صاروخ واحد من طراز 600-M». ووفقاً للحسابات التي أجراها الجهاز الأمني، حول حرب لبنان الثانية، فقد اتضح أن تكلفة كل صاروخ أصاب إسرائيل، وصلت إلى ثلاثة ملايين دولار في الحد المتوسط، وشمل ذلك معالجة المصابين والعائلات الثكلى وضريبة الأملاك والنشاط الاقتصادي.