لا يتمنى أحد من المتهمين في كارثة سيول جدة أن يرى سيارة مظللة بالسواد من نوع «فان» تنتظره أو أن يسمع هدير «محركها» تمشط الطرقات متجهة لاصطحابه. تلك السيارة ذات المقاعد المتعددة، لاتهدأ حرارة مقاعدها فهي ما انفكت تستقبل وتودع «كائناً من كان» منذ وقوع الكارثة، قبل 40 يوماً وراح ضحيتها نحو 122 شخصاً حتى الآن. لا تقدم هذه السيارة السوداء الرفاهية ل «المسؤولين» كما هو المتوقع من سيارات «البوقاتي فيرون»، سوى مكيّف التبريد وأحزمة الأمان، وهو ما يعني تكسيراً لجميع البرتوكولات الخاصة بكبار الشخصيات في الدولة، استجابة للإرادة الملكية بالكشف عن هوية المتسببين في كارثة سيول عروس البحر الأحمر بأسرع وقت ممكن. الرؤوس في هذه القضية ستتساوى أمام طاولة «المحترفين» من أعضاء لجنة تقصي الحقائق، فلا يختلف عليهم سوى الوجوه التي سيجتهدون في تفكيك ألغازها، المحظوظون وحدهم من يستطيعون العودة لشرب قهوتهم بين زملائهم في العمل لبراءتهم، أما المتورطون لن ينجوا من المحاكمة مهما كانت أوسمتهم الاعتبارية، بحسب ما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وبنفس الطريقة التي داهم فيها سيل الأربعاء الأسود الجداويين وهم في غرف منازلهم وبين أطفالهم، ستداهم «السيارة السوداء» مواقف المسؤولين مباشرة بين زملائهم دون سابق إنذار، لتسقط بذلك كل الاستدعاءات الورقية والمخاطبات الشفهية رغبة في إطفاء الغضب الشعبي من الكارثة الإنسانية التي لم تنته الأجهزة الحكومية من حصر أضرارها حتى الآن. المراقبون للمشاريع الخدمية التي كشفها «سيل الفضيحة» يعيبون عليها اتساعها لأكثر من مقاول لتنفيذها عبر «عقود الباطن»، وربما من باب المصادفة فيمكن لهذه «السيارة السوداء» أن تطوي مقاعدها الخلفية لتعطي مساحة أكبر لإركاب «كائن من كان» وسحبه ل «التحقيق». السيارة السوداء قد تكون مركبة أمنية بالنسبة للجهات المعنية بالأمر، أما بالنسبة للإعلاميين والصحافيين فهي البوصلة التي ستقودهم للمعلومات، وإشارة مميزة للدلالة عن وجود عمليات ضبط وقبض وتحر عن متهمين أو شهود في هذه القضية التي لم يعلن عن وقت محدد للانتهاء منها، لظروفها المعقدة، ودهاليزها المتشابكة. قائد سيارة «الفان» ربما يكون الشاهد «الصامت» في عمليات الضبط والتحفظ، فخريطة الاتجاهات في قبضة مقوده، بعد أن تلقى التوجيهات والأوامر التي لا تقبل الشفاعة في أرواح «شهداء السيول» بالإحضار للاستجواب على وجه السرعة أمام «اللجنة» التي يبقى الرهان قائماً على قدرتها في فرز الوطنيين من بين المنتفعين على خزانة الدولة، من دون وجه حق. في حين جدد أمير منطقة مكةالمكرمة ورئيس لجنة تقصي الحقائق الأمير خالد الفيصل تأكيداته بمواصلته في جمع الحقائق عبر عمليات الضبط والإيقاف والتحفظ سواء من الأجهزة الحكومية أو القطاعات الأهلية وفق مجريات التحقيق و «حدس» الأعضاء في الوصول إلى «لصوص» المشاريع الحكومية.