منذ «قرصة الأذن» الأخيرة التي وجهها الأمن المصري إلى الشباب الذين قد تراودهم أفكار أو ابتكارات أو حتى تخيلات حول الحياة السياسية في مصر، شهد فضاء «فيس بوك» السياسي حالة من الركود والجمود. فقد قدمت الشابة المصرية إسراء عبد الفتاح درساً قاسياً لكل من تسوله نفسه الخروج من حيز المناقشات الاجتماعية بين دوائر الأصدقاء والصديقات إلى الدعوة العامة لحركة أو وقفة أو حتى جلسة، وإن كانت افتراضية عنكبوتية. لكن في الفترة الأخيرة عادت ساحة «فيس بوك» لتشهد نوعاً من التحرك الذي اتسم بالهدوء والوعي، وإن بقي ملبداً بالسياسة، وتحديداً بمسألة الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها مصر في عام 2011. شاب من رواد «فيس بوك» يسمي نفسه «ميركوري» أو «زئبق» أسس مجموعة أطلق عليها «ماذا لو كنت رئيساً لمصر؟». ويقول كل من يرغب في شغل المنصب بتسجيل اسمه وعرض برنامجه الذي سيحل من خلاله مشكلات البلاد. وما إن تسجل اسمك حتى تستقبلك رسالة ترحيب «مبروك! أصبحت رئيساً للجمهورية. أخبرنا بالمشكلات التي تراها في مصر وخططك لحلها». الطريف أن صاحب الفكرة يتساءل: «هل ستتمكن من حل المشكلات؟ أم ستتحول بدورك إلى مشكلة جديدة؟!» الأفكار السياسية الافتراضية التي يطرحها «زئبق» تقابلها على الشبكة أفكار كثيرة أخرى غامرت بالخروج من حيز التنظير العام والنقاشات الضبابية إلى طرح أسماء بعينها، وشن حملات الدعاية والترويج الإلكتروني لها، وجمع التوقيعات من أجل دعمها، على رغم أن أصحاب تلك الأسماء قد لا يعرفون الكثير عما يجرى في هذا الفضاء ولا يكونون بالضرورة مسؤولين عنه. أبرز تلك الأسماء هو المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي الذي وجد على «فيس بوك» عشرات الآلاف من الشباب المؤيدين لترشحه للرئاسة، على رغم أنه لم يترشح، ولم يقل ذلك صراحة. ووجد كثيرون من الشباب من رواد ومستخدمي الشبكة في البرادعي ما يؤهله لحل مشكلات الوطن، فقرروا أن يرشحوه افتراضياً. ولا ينافس البرادعي في حجم الشعبية بين شباب ال «فيس بوك» سوى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي تبوأ المرتبة الأولى في أحد استطلاعات الرأي على الموقع نفسه، اذ حصل على نسبة تصويت 36 في المئة، وتلاه البرادعي بنسبة 17 في المئة. وإذا كانت ترشيحات شباب ال «فيس بوك» لشخصيات سياسية مثل البرادعي وموسى مفهومة، فإن مجموعات الإنترنت عامرة بتشريحات أخرى تثير التعجب. فمثلاً ترتفع أصوات مجموعات بين الحين والحين تطرح اسم الداعية الشاب عمرو خالد للرئاسة، على رغم نفيه بشدة أي نية له في هذا الاتجاه. شخصية دينية أخرى تحظى هذه الأيام بشعبية عنكبوتية هي مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة، الذي يحظى بكثير من الاحترام بين أوساط الشباب، وخصوصاً بعد تأسيسه جمعية «مصر الخير»، التي تعمل من أجل تنمية المجتمع المصري في مجالات عدة على رأسها الصحة والتعليم، وذلك باستخدام أموال الوقف الخيري والصدقات والزكاة، وهي الفكرة التي كان كثيرون يحلمون بها، وتمكن المفتي من تنفيذها. حلم آخر كان كثيرون يحلمون به، وأخرجه إلى حيز التنفيذ هذه المرة نجل الرئيس مبارك الأكبر علاء، ألا وهو التطرق إلى أحداث الأزمة بين مصر والجزائر في السودان بنبرة قوية وحادة، بدلاً من أسلوب المداهنة والمراوغة تحت شعار «الأخوة» و «العروبة» و «وحدة الأمة». وكان خروج علاء مبارك عن صمته وغيابه الإعلامي المعروف بهما عقب أحداث هذه الموقعة عبر ثلاثة برامج تلفزيونية مختلفة كفيلاً بمطالبات شبابية بترشحه للرئاسة. إلا أن أطرف الترشحات، والتي جاءت على الأرجح كنوع من الدعابة، دعوة أخيرة لترشيح عميد الكرة المصرية الكابتن حسام حسن الذي تسلم مسؤولية تدريب نادي الزمالك لكرة القدم قبل أيام. فقد حقق الفريق الذي يعاني منذ سنوات من إخفاقات متتالية حفنة من الانتصارات، وهو ما جعل البعض يقترح ترشح حسن للمنصب. وكتب أحد المؤيدين: «مشكلات الزمالك تفاقمت وتضخمت في السنوات الماضية ما جعل الحلم بتحقيق أي انتصار شبه مستحيل، وإذا كان كابتن حسام نجح في تحقيق تلك المعجزة، فقد ينجح ويحقق معجزة أكبر ويحل جزءاً من مشكلات مصر المزمنة». الشيء المؤكد الذي تعبر عنه كل تلك الترشيحات الافتراضية هو أن كثيرين يحلمون بالتغيير، وأن كثيرين أيضاً من الشباب المتهمين دائماً بالسلبية وعدم الاهتمام بقضايا الوطن على قدر كاف من الوعي يجعلهم يحللون الشخصيات العامة الموجودة على الساحة ويرشحون بعضها للمنصب، حتى وإن كانت ترشيحات افتراضية، أو كوميدية، أو حتى بفعل عوامل عرضية مثل برودة الجو أو الخوف من أنفلونزا الخنازير.