امتدت يد الإرهاب إلى مواقع عدة في مختلف دول العالم، منطلقة من أهداف متنوّعة تتفق جميعها على الكراهية والتشدّد والبغض والإجرام، لتُنتج بذلك آلاف الضحايا الأبرياء ممن اتخذوا السلام مسلكاً والتآلف طريقاً، قبل أن تغتالهم أيادٍ تشاركت معهم في العيش نفسه، وتقاسمت معهم الهواء والوطن ذاته. أثبت الإرهاب أن لا طريق له يُعرف، فجرمه الآثم الشنيع قابل للوقوع في أي مكان، طالما كان العقل مشوّهاً بأفكارٍ مسمومةٍ قاتلة، وملوّثاً بتطرّف مَقيت يخضع لعنصرية دينية أو مذهبية أو غيرها. وأكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود الدكتور سليمان العقيل، أن الاعتداء على حريات الناس وإيذاء المجتمعات، يعدّ أمراً مخالفاً للكينونة البشرية. وأضاف في حديث ل«الحياة»: «حين خُلق الناس آمنهم ربهم من جوع وآمنهم ومن خوف، ولذلك لا أحد يعتدي على هذه الأمور إلا بحق متفق عليه من المذاهب والشرائع والأديان، أما الانطلاق من آراء وأفكار فردية فهو مخالف للأديان والكينونة البشرية، فهذا التطرّف والتشدد الذي يولّد الإرهاب بصرف النظر عن الديانات والمذاهب، هو آلة حادة قاتلة يستخدمها بعضهم لتحقيق مصالح خاصة، سواء على المدى القريب أم البعيد، ولذلك أصبحت الأفكار التي فيها تطرف والقابلة للتطرف هي مادة حيوية للجماعات والدول ذوي المصالح لاستخدامها متى أرادوا، عبر توظيف أفراد ليس لديهم دين حقيقي وعقل حقيقي واعتراف بوجودهم وذواتهم، ولذلك جعلوا من أنفسهم وقوداً وأدوات لأنهم لا يفقهون ولا يدركون ما يفعلون». وشدّد العقيل على ضرورة أن يعي المجتمع ما عليه، منوّهاً بأن المسؤولية العظمى تقع على ثلاث فئات، هي السياسات العليا لأية دولة ولأية حكومة في العالم، ثم قادرة الرأي والعلماء والمفكرين، ثم الإعلام، مضيفاً: «السياسات إما أن تدعم أو توقف الفكر المتطرّف، وبالتالي فإن عليها جميع الدول دور كبير في هذا الجانب، أما قادة الرأي من علماء ومفكرين حينما يعملون على الحفاظ على المجتمع ويعزّزون تماسكه فإن النتيجة ستكون العيش في سلام وتآلف، كذلك لا بد من الحذر من تأجيج بعض وسائل الإعلام وترسيخها لمفهوم العنف»، مطالباً بإيجاد مجموعة من البرامج والأنشطة الاجتماعية الهادفة في مختلف مناطق المملكة لإشغال فئة الشباب وتزويدهم بالمعرفة والفائدة في مختلف المجالات. بدوره، أوضح المحلل السياسي وأستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود الدكتور مطلق المطيري، أن حادثة مسجد القديح الإرهابية تعدّ إحدى الحوادث التي تستهدف تعزيز الطائفية والتطرّف، لافتاً إلى أن الفكر المتطرف لا يلغي فقط المختلف معه مذهبياً، ولكن يلغي الوطن والمقدسات والآثار والإنسان وكل الكون، مشيراً إلى أن من الصعب إصلاحه أو التعامل معه، مرجعاً ذلك إلى أن التواصل مع أصحاب ذلك الفكر يسبب أزمة، لكونهم يحملون فكراً يؤمن بالتآمر ويعملون بمقتضاه. وقال في حديث ل«الحياة»: «ثقافة قتل الآخر القريب والبعيد يعمل وفقها صاحب الفكر المتطرّف أياً كان مذهبه، فهو ليس لديه مساحة متاحة للحوار الديني، فكل دليل ديني يعطّل تطرفه يراه بأنه ليس من الدين وأن جهاده أولوية، فمثل هؤلاء يصلّون مثلنا وقبلتهم قبلتنا، ويصومون الشهر نفسه الذي نصومه».