يقال في علم النفس إن «الانتقال من الضد إلى الضد» من أسهل العمليات السيكيولوجية. يبدو أن ذلك ما حصل في مدارس السعودية، فبعد أن كان الاختبار مصدراً للخوف والقلق لدى الطلاب، استطاعت التغييرات في أنظمة التعليم خلال السنوات الأخيرة - من إلغاء اختبارات الوزارة، والتساهل في عملية نقل الطالب من مرحلة دراسية إلى أخرى - أن تحول الهلع إلى برود، والقلق إلى «لا مبالاة». من بين هذه الظروف، وفي ظل فقدان مؤشر واضح لتقويم الطالب، ودافع تقليدي للاستذكار والاهتمام بما يتلقاه من علوم وآداب، بزغ مقترح التقويم بواسطة «البحث الطلابي»، كبديل للاختبارات التي لم تعد تسمن أو تغني عن تقويم. الوضع الجديد جعل كثير من الأكاديميين وأولياء الأمور يؤيدون مقترح استبدال الاختبارات ببحوث مقدمة من الطلاب يقاس على إثرها مستواهم التعليمي. وأوضح وكيل كلية التربية للدراسات العليا والبحث العلمي في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور فيصل أكبر ل«الحياة» أنه لو تم الاستغناء عن الاختبارات، فعلى الطلاب أن يقدموا بحوثاً بمسمى «مشاريع» في كل مادة، على أن يتناول كل مشروع جزئية من المادة التي تتكون من أجزاء عدة. ولفت إلى أن هذه الطريقة «أفضل من الاختبارات»، لأن «كل طالب سيعتمد على نفسه في عمل البحث، وهي أحد أساليب التعليم الذاتي»، لكنه أشار إلى سلبية قد تقف حاجزاً أمام تنفيذها بسهولة، فأقل فصل يوجد به 30 طالباً، وهذا رقم كبير يصعب السيطرة عليها ودعمه والاهتمام بتفاصيل أبحاثه. وأشار إلى أن الإنترنت لم يكن في البداية مرجعاً للمعلومات، أما الآن فهناك معلومات موثوقة يمكن أن تساعد الطلاب في أبحاثهم، مشدداً على ضرورة وجود البحث في كل مادة، وتخصيص حصة من علامات التقويم بناء عليه. وأشار إلى النموذج الجامعي، وإمكان تطبيق شكل مشابه له في المدارس، إذ يقول: «التركيز الآن داخل الجامعات على الاختبارات النهائية فقط، فالأخيرة تقتطع 40 في المئة من الدرجة المئوية، والبقية تركز على أعمال السنة، ومنها البحوث المقدمة من الطلاب والمناقشات. لكن أكبر أكد على عدم إلغاء فكرة الاختبار بشكل نهائي، فهو ضروري بشكل داعم ومقنن، منوهاً إلى أن الاستغناء عن الاختبار يتم في ظروف معينة، «كأن يكون الفصل الدراسي يضم سبعة طلاب، ليسهل على المعلم التفاعل مع بحوثهم وعملهم، أما إذا تجاوز العدد أكثر من 30 طالباً فلا يمكن أن نقوِّمهم دون اختبارات». ولا يمانع وكيل عمادة البحث العلمي لمراكز التميز البحثية بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور أحمد الغامدي بإقرار البحث العلمي في المدارس كأسلوب لتقويم الطلاب، لكنه يضع شروطاً، أولها تحديد طرق تقديم البحث، كأن تجهز المدرسة ورش عمل للطلاب لشرح بحوثهم، ليس أمام فصله فحسب، بل أمام المدرسة بأكملها بشكل يومي. ويضيف: «يمكن تقسيم الطلاب إلى مجموعات، والتعامل مع الأمر كالمؤتمر الصغير الخاص بطلاب المدرسة أو ورشة عمل داخل المدرسة». وأوضح أن مثل هذه الخطوات تعطي الطالب فرصة للتعبير عن مدى فهمه للمادة التي عمل بها بحثه، مشيراً إلى أن من إيجابيات البحوث خلق شخصية الإلقاء والتحدث لدى الطالب وإعطاء رأيه وزرع الثقة فيه، ويزيد بأنه ينبغي إعطاء المعلمين دورات في البحوث ليتمكنوا من تقويم البحوث المقدمة من الطلاب. وزاد: «إن تقديم وتقويم الطلاب لبحوثهم من طريق الإلقاء تبعدهم عن الطرق غير الصحيحة في تقديم البحوث، ومن ذلك تقديم البحث من طريق القص واللصق من الإنترنت، فقد يقدم الطالب بحثاً ممتازاً، لكنه لا يعكس مستواه». واعتبر الغامدي أن وجود الاختبارات والبحوث معاً هي الطريقة الفضلى لتقويم الطالب وصقل مهاراته، «فالاختبارات أحد المعايير المستخدمة في معرفة ومستوى فهم الطالب».