أخطر ما يمكن أن تشهده إيران هو إصرار «الحرس الثوري» والميليشيا (الباسيج) والرئيس «المشمئز» محمود أحمدي نجاد، على البطش باحتجاجات الإصلاحيين وغيرهم من المعارضين في الشارع، لإعادة مارد الانتفاضة الى القمقم. وإن كان الرصاص «المشبوه» الذي أوقع قتلى في ذكرى عاشوراء، لا يبرئ القيادة الإيرانية على رغم بأسها مع مَن باتت تعتبرهم «إرهابيين»، فالحال ان القيادة قادرة بتهورها على تحويل الانتفاضة التي قارب عمرها نصف سنة، الى مشروع حرب أهلية. القتل لترهيب المعارضين، بات واضحاً انه عاجز عن وقف مد الغضب المتنامي، من طهران الى شيراز وأصفهان، فيما صمت رجال الدين في قم - باستثناء قلة - لا يؤازر المرشد علي خامنئي في اعتلاء منبر الحَكَم، لاحتواء الانتفاضة. وإذ تحاول السلطة تعبئة الشارع المضاد لشارع المعارضة، وتنتقل من تصدير «الثورة» (الى المنطقة)، الى مرحلة تصدير أزمتها بتخوين دول عربية، بعدما اشمأزّ نجاد من «المسرحية الصهيونية - الأميركية» التي يؤدي أدوارها الإصلاحيون... تكتمل حلقات الضغط على القيادة الإيرانية: البطش يزرع الغضب، والغضب يستولد العنف، والقتل يكرّس الحقد المعلن بين النظام والمعارضة. يستحضر النظام ذريعة «إهانة المقدسات» في اتهاماته للإصلاحيين، كي يحسّن شعبية سياسة القوة في الرد على جرأتهم. وعلى مدى ستة شهور، بات قلق الاحتجاجات كابوساً مرعباً لما كان قبل الولاية الثانية لنجاد، قلعة حصينة برماح «الحرس» وأذرعه الاستخباراتية، وحُماة الجمهورية الإسلامية الذين طوّعوا المواطن الإيراني عقوداً، كي يتفرغوا لحلم «إدارة شؤون العالم»! ألم يكن ذلك مطلب نجاد، وطموحه حين عرض مناظرة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما؟ على الجبهة الداخلية الهادئة، كانت «قلعة الحرس» والقيادة الإيرانية تتكئان في تحديهما «غطرسة الغرب» بسلاح البرنامج النووي، وبسلاح الدفاع عن «المظلومين» في العالم. بعد نصف سنة من عمر الانتفاضة، بات شعار الغرب الدفاع عن «المظلومين» في إيران، الذين تطاردهم القبضة الحديد... وبالحديد والنار، تضاعف قيادة خامنئي - نجاد المأزق الكبير. وبين ما تسميه مشروع «الحرب الناعمة» و «مؤامرة الثورة الناعمة»، ستكون مطلع عام 2010 في مواجهة الداخل والخارج في آن. أما تهديد «الحرس الثوري» ووعيده لمن يحركون الشارع، بدفع الثمن الباهظ، فلن يكونا سوى ذاك السلاح ذي الحدين: كلما هيمن البطش كلما تقارب الإصلاحيون والليبراليون وتمددت الانتفاضة، وتعززت احتمالات الحرب الأهلية، خصوصاً بجر أنصار النظام الى الشارع. وأما محاولة القيادة الثأر من الغرب، إذ تراه محرّضاً على تأجيج احتجاجات الإصلاحيين، وإتاحة أفق الدعم المعنوي لهم، فلن تكون سوى مشروع مغامرة لا يمكن حصر عواقبها. لا يغيب سيناريو استفزاز البحرية الأميركية في الخليج لافتعال صدام معها، وإثارة أزمة إقليمية - دولية، ولكن هل تضمن طهران القدرة على حصر نار الصدام، ومنع توسيع المواجهة، فيما عين إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية؟ لن يكون توقيت هذا السيناريو مثالياً لأحلام نجاد، ولن يرضي المرشد النوم على حرير قبضة «الحرس الثوري». هو يدرك ان التقديرات الأميركية التي استبعدت نجاحه في «إعادة المارد الى القمقم» وراء أسوار «القلعة»، إنما كانت تمنيات، لكنها شجعت حتماً المعارضين في إيران على عدم إخلاء الشارع للميليشيا ولا لوعيد «الحرس»، بعدما تحطم جدار المحظورات. بعد ستة شهور هزت إيران، تبدو الجمهورية الإسلامية ذاهبة في طريق بسكة وحيدة، وأما محاولة تكفير المعارضين بذريعة «إهانة المقدسات»، فليست سوى بئر قاعها الحرب الأهلية بالتأكيد... ومرارتها أشدُّ إيلاماً بكثير من الكأس المرّة التي تجرّعها الخميني ليقبل وقف النار في الحرب مع العراق. بعد نحو ثلاثة عقود على الثورة، تحطمت رموز كثيرة، ومعها تحطمت قدرة المرشد على احتكار الصوت الأخير. البديل مزيد من الدماء والرصاص.