بعد سنوات من محاولات عزل سوريا وتشديد الضغوط السياسية عليها إثر اتهامها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري يبدو العام 2009 على دمشق وكأنه عام حصاد فك طوق العزلة والنجاح الدبلوماسي. وبدأت ملامح التغيير مطلع العام مع انتهاء ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش ووصول باراك اوباما إلى البيت الأبيض ودعوته للحوار مع دمشقوطهران. وتخلصت سوريا أيضا من عزلتها العربية بمصالحتها مع السعودية، ومن نتائجها تشكيل حكومة وفاق وطني في لبنان وزيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري دمشق في وقت سابق من ديسمبر الجاري. ونقلت دمشق علاقاتها مع أنقرة إلى مرحلة نوعية، فيما عززت علاقاتها الإستراتيجية مع حليفتها إيران التي ما تزال تواجه ضغوطا دولية بسبب برنامجها النووي. ولم تسجل لسوريا في العام 2009 إلا نكسة واحدة تبدت في علاقتها المضطربة أحيانا مع العراق جراء اتهام بغداد لدمشق بغض النظر عن تسلل ارهابين وإيواء بعثيين سابقين اتهمتهم بتنفيذ التفجيرات الدموية خلال هذا العام. وتعتبر القيادة السورية نجاح سياستها الخارجية نتيجة طبيعية للجهود الكبيرة التي بذلتها دوليا وعربيا وتمسكها بمواقفها السياسية ،والحزم في تعاملها مع الملفات الصعبة المتعلقة بسوريا ومنطقة الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي، ما جعل الآخرين يدركون أن دمشق ليست رقماً عادياً في المعادلة السياسية في المنطقة. واعتبر وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن عام 2009 "سجل نجاحات كبيرة" للسياسة السورية التي انتهجها الرئيس بشار الأسد. وقال المعلم ليونايتد برس انترناشونال" السؤال المهم الآن هل تغيرت سوريا أم أن العالم هو الذي تغير؟ ...أقول إن سوريا لم تتغير بل إن العالم اكتشف أهمية سوريا لأمن واستقرار المنطقة". واستقبلت دمشق خلال العام عددا كبيرا من الوفود السياسية والأمنية الأميركية، وزارها مبعوث الرئيس الأمريكي للسلام جورج ميتشل مرتين. لكن دمشق لا تزال ترى أن دعوة اوباما إلى الحوار بقيت خجولة ولم تدخل حيز التنفيذ. وقال المعلم" حتى الآن نسمع كلاماً طيباً ولا نرى أفعالاً. لقد استقبلنا وفوداً أميركية كثيرة وتحاورنا معهم ،ولدينا رغبة في السلام وهناك مبادرة عربية للسلام، ومع ذلك إسرائيل لا ترغب في إعادة إطلاق المفاوضات ". وأضاف" نحن حتى الآن، كما يقول المثل العربي، نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً، ونأمل أن يكون العام القادم عام الطحين ". وكانت سوريا وإسرائيل كشفتا بشكل متزامن في أيار2008 عن مفاوضات غير مباشرة تجري بوساطة تركية بشأن الانسحاب من مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل في 1967 مقابل توقيع اتفاق سلام. إلا أن دمشق علقت هذه المفاوضات في أعقاب الحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في نهاية العام الماضي. وشهد العام 2009 توقف التدهور في العلاقات بين واشنطنودمشق،لكنها لم ترتق إلى مستوى الانفراج الكامل. وقال المحلل السياسي ثابت سالم ليونايتد برس انترناشونال انه لا يمكن الحديث عن انفراج في العلاقات السورية- الأميركية حتى الآن، "فالعقوبات التي تفرضها الولاياتالمتحدة ما زالت قائمة ، رغم حدوث انفراج وتفاهم بينهما وخاصة في الملف اللبناني". وأشار سالم إلى "غموض" في الموقف الأميركي من العلاقات السورية- التركية في وقت لم يقرر اوباما بعد الدخول بقوة في عملية السلام في المنطقة"وهذا يؤثر بشكل سلبي ". وأضاف" يعلم السوريون جيداً أن علاقاتهم مع الولاياتالمتحدة لا زالت في بداية الطريق وتحتاج إلى حوار طويل، وهذا ما عبر عنه الرئيس بشار الأسد عندما قال إن الأميركيين تراجعوا عن سياسة الإملاءات لصالح الحوار وإن العلاقات بين البلدين هي أفضل من قبل، لكن علينا ألا نفرط بالتفاؤل". ويرى نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أن العلاقات السورية الأميركية بدأت بالتحسن في عهد أوباما ،وظهر ذلك من خلال المباحثات التي أجرتها الوفود الأميركية في دمشق والمباحثات مع المسؤولين الأميركيين في واشنطن. وقال المقداد خلال ملتقى في إحدى الجامعات الخاصة مطلع الشهر الجاري إن سبب عدم تنفيذ التفاهمات التي تم التوصل إليها مع الولاياتالمتحدة حتى الآن هو انشغال الإدارة الأميركية الجديدة بالأزمة المالية العالمية وقضية الضمان الصحي ووجود العديد من الديمقراطيين الموالين لإسرائيل في الكونغرس والتطورات في العراق وأفغانستان. أما العلاقات مع باريس فقد بدأت بالتحسن منذ العام الفائت حين زار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي دمشق ، وتابع هذا العام اقترابه من سوريا عبر إلغاء إجراءات كان اتخذها سلفه جاك شيراك ضدها. وزار الأسد باريس حيث دعا منها أوروبا للعب دور أكبر في عملية السلام في الشرق الأوسط، لأنها "الأقرب إلى تفهم مشاكل المنطقة" مشددا على الحاجة لوجود "شريك إسرائيلي يكون مستعداً للقيام بعملية السلام أو إنجاز السلام". ولا تقل غلة الحصاد السوري إقليميا ، حيث وثقت دمشق في العام 2009 علاقتها مع أنقرة ورفعتها إلى سوية إستراتيجية عبر مجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين ، وإصرارها على دور الوسيط التركي في رعاية المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، ما يدل على ثقة دمشق بأحفاد العثمانيين. وقال المعلم إن الوساطة التركية"غير خاضعة للنقاش"، مشددا على أن "لا بديل عن هذه الوساطة لا الآن ولا بعد عشر سنوات ، وان أي اتفاق(مع إسرائيل) يجب أن يكون عبر الوسيط التركي النزيه على قاعدة تتيح للطرفين استئناف المحادثات المباشرة ". وكان ساركوزي طرح على الأسد خلال زيارته الأخيرة إلى باريس التوسط بين دمشق وتل أبيب ، إلا أن الأخير أصر على الوساطة التركية. ورأى المحلل السياسي المتخصص بالشؤون التركية حسني محلي أن تمسك سوريا بالوسيط التركي يعود إلى أنها "لا يمكن أن تثق بفرنسا لان تاريخها معروف وهي عضو في الاتحاد الأوربي الذي يقدم دعمه لإسرائيل وتجاهل كل ما حدث في غزة "، في إشارة إلى الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع. وقال محلي ليونايتد برس انترناشونال"أثبتت تركيا للجميع أن ليس لها أجندة خاصة وحرصت على إقامة توازن استراتيجي في علاقاتها مع جميع الدول لأنها على ثقة بأن مشاكل المنطقة لا تحل إلا باتفاق دولها ". ورأى السفير السوري في أنقرة نضال قبلان أن الثقة السورية بالوسيط التركي ناجمة عن"الصدق والشفافية في التعاطي بين البلدين والإرادة القوية والدعم الشعبي الواسع"للإجراءات الهادفة إلى تمتين العلاقات الثنائية والتي كان لإلغاء سمات الدخول بين البلدين في 13 تشرين الأول'أكتوبر الماضي أهمية كبيرة "نقلت العلاقات إلى مستوى عال جداً". وقال قبلان ليونايتد برس انترناشونال"هناك تداخل في المصالح و الإستراتيجية والسياسة العامة بين البلدين، وأصبحت دمشقوأنقرة عاصمتين لا يمكن لأي دولة أن تتجاوزهما لدى تعاطيها مع قضايا المنطقة ". وعززت دمشق تحالفها الاستراتيجي مع طهران من خلال الزيارتين اللتين قام بهما كل من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى دمشق والأسد إلى طهران، والكلام عن توسط سوري بين طهران والغرب في الأزمة النووية الإيرانية. عربياً ، نجحت سوريا بفك عزلتها من خلال المصالحة مع المملكة العربية السعودية عبر زيارتين قام بهما الأسد إلى المملكة، وزيارة العاهل السعودي الملك عبد الله إلى دمشق مطلع تشرين الأول'أكتوبر الماضي،ومن ثمار هذه العلاقة المتجددة تشكيل الحكومة اللبنانية وزيارة رئيسها سعد الحريري إلى دمشق. وقال الإعلامي طالب قاضي أمين ليونايتد برس انترناشونال"ما حصل خلال هذا العام سواء في قمة الكويت أو الدوحة يؤكد أن ما طرحه الأسد حول إدارة الاختلاف بين العرب وجد صداه لدى القيادة السعودية، وكانت مصالحة قمة الكويت نقطة تحول تسجل للقيادة السورية بأنها أدارت خلافاتها مع الدول العربية". وأضاف أمين أن زيارة العاهل السعودي إلى دمشق كانت "مثمرة وناجحة استطاعت القيادة السورية أن تحولها ليس لفائدتها المباشرة وحسب، بل لتأكيد وجهة نظرها بأن التعاون بين الدول العربية ممكن حتى في ظل اختلاف وجهات النظر". وأوضح أن دمشق ثبتت هذا التعاون عبر تسهيل انجاز تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في لبنان وزيارة الحريري لدمشق وبدء علاقات جديدة بين سوريا ولبنان.br / وبدت النكسة الوحيدة في سلسلة نجاحات القيادة السورية لهذا العام في اضطراب العلاقة مع العراق واتهام بغداد لدمشق بالوقوف وراء منفذي تفجيرات الأربعاء الدامي في18 آب'أغسطس الماضي في بغداد، التي راح ضحيتها 95 قتيلاً وأكثر من 563 جريحاً الأمر الذي دفع دمشق إلى استدعاء سفيرها احتجاجاً. وقال المعلم ليونايتد برس انترناشونال إن علاقات بلاده مع العراق "علاقات عادية تمر بأزمة بسبب موقف الحكومة العراقية ولكن نأمل أن يكتشف الأشقاء(العراقيون) مع الأيام ومع تطور العملية الانتخابية أن سوريا لا تكن لهم إلا كل الخير". يبدو العام 2010 سائرا على نحو سابقه الراحل حيث يتوقع وصول سفير أميركي إلى دمشق ،وتوقيع اتفاق الشراكة مع أوروبا ،وزيادة تعزيز التعاون مع تركيا ما يدفع للقول أن ربيع الدبلوماسية والسياسية السورية سيستمر.