شكل فوز حزب «المحافظين» البريطاني بزعامة رئيس الوزراء ديفيد كامرون بغالبية مطلقة في مجلس العموم (البرلمان)، «انقلاباً» في المشهد السياسي أطاح حزبي «العمال» و «الديموقراطيين الأحراز»، وأغلق الباب في وجه «حزب الاستقلال» (يوكيب) الناشئ الذي اقتصر تمثيله على مقعد فقط. وأتت النتيجة المفاجئة بحصول «المحافظين» على 331 مقعداً في البرلمان، خلافاً لاستطلاعات الرأي، لتضمن لكامرون البقاء رئيساً للوزراء للسنوات الخمس المقبلة، وسمحت له بمكافأة «صقور» في حزبه بمنحهم مقاعد وزارية، بعدما تحرر من صيغة الائتلاف التي اضطر للّجوء إليها مع «الديموقراطيين الأحرار» في حكومته السابقة. (للمزيد). لكن هذا الفوز لكامرون لم يأت من دون مخاوف على مستقبل المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، بعدما وعد رئيس الوزراء بإجراء استفتاء عليه، تلبية لرغبة جزء كبير من اليمين المحافظ الرافض سياسة الاندماج الأوروبية، وخصوصاً إتاحة حرية التنقل لمواطني دول في شرق أوروبا استقروا في بريطانيا، التي توفر لهم آفاقاً معيشية أفضل. وبات على كامرون التفاوض مع القادة الأوروبيين لمحاولة التنصل من حرية التنقل، التي اعتبروها «خطاً أحمر»، فيما تتعين عليه معالجة قضية أكثر خطورة في الداخل، وتتعلق بوحدة المملكة المتحدة بعد صعود القوميين في «الحزب الوطني الإسكتلندي» واكتساحهم 56 مقعداً من أصل 59 مخصصة للمقاطعة في البرلمان البريطاني، بعدما نجحوا في إقصاء «العمال» اللذين اعتُبرت إسكتلندا معقلاً تقليدياً لهم، ويبدو أنهم لم ينجحوا سوى بالاحتفاظ بمقعد واحد فيها. وبصعود القوميين في إسكتلندا، برزت مخاوف من أن يحيي ذلك أطماعهم في الانفصال عن المملكة المتحدة ويشكل عبئاً جديداً على كاهل كامرون يتعين عليه التعاطي معه لإبعاد شبح تفكك البلاد. وألقيت مسؤولية الهزيمة القاسية ل «العمال» على عاتق زعيمهم إد ميليباند، الذي استقال من زعامة الحزب أمس، أسوة بزعيمي «الديموقراطيين الأحرار» و «يوكيب» نك كليغ ونيجل فاراج. وعزا محللون هزيمة «الديموقراطيين الأحرار» وتراجع تمثيلهم إلى ثمانية مقاعد فقط في البرلمان، إلى قلة وفاء «المحافظين»، الذين نافسوهم في معاقلهم على رغم أنهم شاركوهم الحكومة السابقة، فيما نسبت هزيمة «العمال» في إسكتلندا الى ترددهم في استبعاد أي تحالف حكومي مع القوميين هناك، ما أظهرهم في صورة الانتهازيين المترددين في اتخاذ مواقف مبدئية. وركز «المحافظون» حملتهم على الاقتصاد في الدرجة الأولى، مستغلين النمو الذي حققته البلاد في السنوات الخمس الأخيرة، ونجاح سياستهم التقشفية في كبح جماح التضخم. وسجلت الانتخابات مفارقات، من بينها انتخاب النائب الأصغر سناً في تاريخ بريطانيا الحديث، وهي ميريل بلاك (20 سنة)، عن مقعد في إسكتلندا، فيما تضاعف عدد النواب المسلمين في مجلس العموم البريطاني ليبلغ 8، من بينهم 3 نساء ينتمين إلى حزب «العمال» وأول نائبين مسلمين في صفوف «المحافظين». كما خسر أحد الوزيرين المسلمين في الحكومة البريطانية السابقة شهيد مالك، مقعده البرلماني في دويسبوري (شمال إنكلترا) بفارق 1500 صوت، فيما احتفظ وزير النقل صادق خان بمقعده عن منطقة توتينغ في جنوبلندن. وتمكن النائب «العمالي» علي خالد محمود، من الحفاظ على مقعده عن منطقة برمنغهام بيري بار، للمرة الثانية على التوالي. أما النائب الوحيد الذي خرق اكتساح «الحزب الوطني الإسكتلندي» المقاعد المخصصة للمقاطعة، فكان «العمالي» المسلم أنس ساروار، الذي حل بدلاً من والده محمد ساروار، الذي كان أول نائب مسلم في بريطانيا عندما فاز بمقعد وسط غلاسكو في عام 1979. كما بات ناظم زهاوي أول نائب بريطاني من أصل عراقي - كردي، بعد فوزه بمقعد ستراتفورد - أون - أفون في وسط إنكلترا عن حزب «المحافظين». من جهة أخرى، هنأ الرئيس الأميركي باراك أوباما، كامرون على «فوزه الرائع»، وقال إن «العلاقات الخاصة والتي لا غنى عنها بين الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، تعود جذورها الى المصالح والقيم العميقة والثابتة التي يتشاركانها»، وأمل في «مواصلة تعزيز العلاقات بين بلدينا»، في حين دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند كامرون لزيارة فرنسا والبحث في وسائل لزيادة الصلات بين بريطانيا والاتحاد الاوروبي.