كنت ضمن الجموع الغفيرة التي استقبلت ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز بمطار الملك خالد الدولي بالرياض بعد عودته من رحلته العلاجية الطويلة سالماً معافى، وكان في مقدم المستقبلين والد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي طالما جسّد معاني الإنسانية الكريمة والنبل والفروسية في سلوكه وتعامله على المستويين المحلي والدولي، لم تشغله ارتباطاته الرسمية عن مشاركة أبناء الشعب فرحتهم بعودة عضده وولي عهده الأمين إلى ارض الوطن معافى بحمد الله، فما يربط بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وولي عهده الأمير سلطان أكبر وأعمق مما يدركه الآخرون، إنها علاقة متجذرة من الأخوّة والحميمية والالتقاء على مبادئ مشتركة، يأتي في مقدمها حب الوطن والدفاع عن مسلماته ومنجزاته. خادم الحرمين الشريفين في مبادرته هذه يعكس بصدق وجلاء شعور كل مواطن تجاه الأمير سلطان، رأيت هذا جلياً في عيون وكلمات مستقبليه، فكلهم كان سعيداً بلقاء ولي العهد، متحدثاً عن نبل الأمير ومواقفه الإنسانية المميزة وقربه من أبناء شعبه وتفاعله الإنساني مع حاجاتهم، ثم ما يمثله من مدرسة مميزة في القيادة والإدارة، فكانت تلك الجموع الغفيرة في حضورها وفي ثنائها عليه وسعادتها بلقائه تمثل تعبيراً صادقاً بأن ألسنة الخلق شهود الحق. وفاء الأمير سلطان ونبله يتجسدان في أكثر من موقف، يأتي في مقدمها عرفانه الصادق بالجميل لكل من وقف معه وسأل عنه أثناء رحلته العلاجية، وفي مقدمهم خادم الحرمين الشريفين، وجميع المواطنين على اختلاف مشاربهم، ثم تلك اللفتة المعبرة التي تعودناها منه عندما أثنى ثناءً عطراً على رجل دولة يستحق كل الثناء، وأعني به أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز، الذي لازمه طوال فترة العلاج ولم تشغله مسؤولياته عن الوقوف مع أخيه وقفة لا يستشعر معناها إلا كل من مرٌ بمثل هذه التجربة الصحية القاسية. كان الأمير سلطان حفياً بمستقبليه لا تفارقه الابتسامة، على رغم طول رحلة السفر، وكأنه يخص كل واحد بحفاوة خاصة، ويتكامل النبل والوفاء فيه عندما قام بزيارة المصابين من رجال القوات المسلحة بالمستشفى، وأخذ يُقبِل كل واحد منهم، وكان يُصر على تقبيل رؤوسهم، ولهذا معناه ودلالته في عرف المجتمع السعودي، وكان رجع صداها سريعاً وعميقاً في نفوس الجنود على الحدود، وهنا يكمّن سر شخصية الأمير سلطان وسحرها الطاغي، لك أن تتصور شعور ذلك الجندي والأمير سلطان يُقبِل رأسه، أجزم أن مفعولها اكبر من مفعول الدواء الذي يتناوله من وصفة الطبيب. كان بجواري أحد الشيوخ الكبار وهو يشاهد على التلفزيون ولي العهد يُقبِل رأس احد الجنود منحنياً لتحيته فلم يتمالك نفسه فاغرورقت عيناه بالدموع، ثم أردف قائلاً «هذا هو سلطان دائماً يأبى إلا أن يكون كبيراً في تصرفاته وأعماله كلها». يقيني أن هذه الأمور النبيلة لم تكن وليدة الساعة، ولم تكن لغرض إعلامي سرعان ما يزول، لكنها طبع متجذر في نفسه يتدفق عفوياً، وسلوك يبرهن عن تلك العلاقة الحميمية بين القيادة والشعب وبين الحاكم والمواطن. الأمير سلطان في وفائه رجل حكم مسكون بحب الوطن، شغوف بمواطنيه، يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، لم يحل العارض الصحي الذي ألمّ به عن متابعته الدائمة لشؤون الوطن ومشاغله، ولم يثنه عن مباشرة مسؤولياته، وهي جدٌ جسيمة، فكان الوطن والمواطن حاضرين معه أينما حلّ. أعرف أن كلمات الثناء لا توفي شخص ولي عهدنا المحبوب حقه لكنها انطباعات رأيتها وسمعتها وتيقنتها، إنها طبع متجذر عفوي، يدل على العلاقة الحميمية بين الأسرة الحاكمة والمواطن، جدير بكل منصف أن يشيد بها، ومن حقه أن يعرف مكانته في قلوبنا. النائب التنفيذي لرئيس الهيئة العامة للطيران المدني