تقرأ في تقاسيم وجهه خجلاً يتوارى، وحزناً مستلقياً على تجاعيده. ففي غرفة داخل احد الأحياء الشعبية في دمشق، يقطن العازف العراقي صالح علوان الصالح (53 سنة)، متّخذاً من «فتحة» محل لا تتجاوز بضعة أمتار منزلاً وورشة لصناعة العود في آن واحد، بعدما كانت قباب الرؤساء والوزراء تشهد له بخفة أنامله وروعة ترانيمه. انعكاسات المآسي العراقية لم تستثن أحداً، إذ ان بؤس المعيشة جعل لكل بيت قصة. لكن حالة الصالح تجعل الفاه يفغر أثناء حديثه، والحاجبين يحلقان مع تفاصيله، إذ كان يعزف في أمسيات حضرها علية القوم من بينهم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ووزراؤه في نادي الفروسية والجابرية، كما يقول. «ورشة بابل» تصدّرت المحل المهترئ، لتقاسمه مسكنه الذي يحوي سريراً ومطبخاً وجهاز تلفزيون وبعضاً من الصحون والقدور، إضافة إلى كراسٍ يجلس عليها الزوار. لكن ذلك لم يمنعه من الاستمتاع بالحياة، والعزف لضيوفه. وعلى رغم أنه معروف لدى أسماء لامعة في سماء الفن، إذ إن ماجد المهندس تتلمذ على يديه، وكاظم الساهر كان يتسامر في محل والده ويعرفه جيداً، ونصير شمة تدارس وإياه المقامات، وعبادي الجوهر يشتري منه العود، لكن أياً منهم لم يساهم في رفع حال البؤس عنه، وانتشاله من حال الفقر، إذ يحمل بين جوانبه نفساً أبية، وروحاً عراقية قوية. «الحياة» زارته في محله، فروى لها بعضاً من محطاته. يقول الصالح: «بدأت العزف في عمر 16 سنة، أي عام 1974 تقريباً. كان والدي عازف عود، ويعد هو وزميله محمد فاضل من أعلام العزف والعود في العراق». كان الصالح يعزف في نادي الفروسية ونادي الجابرية في العراق بحضور الوزراء وكبراء القوم، وكان من بينهم الرئيس الراحل صدام حسين. ويؤكد أنه شارك مع فرق موسيقية عدة، وكان يقود تلك الفرق في بعض الأحيان. ويضيف: «كاظم الساهر أيام المسرح العسكري كان يتردّد علينا في محل العود، ويأتي الى الوالد ليتحدث وإياه، وهو يعرفني جيداً، وكذلك نصير شمة كان يجلس في المحل عندنا وكنا نتسامر معاً حول عزف مقام «الحجاز كار» بإصبع واحد أو بإصبعين لأنه من أصعب المقامات، وكنت أقول له «لماذا إصبعين خليها إصبع واحد». أما ماجد المهندس، «فكان رجلاً ذا أخلاق عالية، إذ درس العود على يدي، لمدة شهرين تقريباً وكنت حريصاً على تشجيعه في بداياته لأنه كان يخاف أن يفشل، لكنني توقعت له النجاح». وحول نشاطاته الحالية بعدما أجبرته الظروف على الإقامة في سورية، يقول: «أحييت أمسية موسيقية في جامعة دمشق في كلية الآداب. وأفضّل تعليم العود وتدريسه في المعاهد لكنني لم أجد من يتبنّاني». ويرى أن الموسيقى الحالية انعدمت فيها الأغنية والألحان معاً، إذ هي قائمة في نظره على الطرب السريع والنساء المتمايلات. ويتابع: «الأغاني الحالية لا تطرب ولا تفهم لأنها تجارية وقائمة على رقص البنات». ويزيد الصالح: «بالعود أستطيع تحويل الكلام إلى موسيقى وترجمة مشاعر الحزن والفرح. كما أستطيع من خلال العزف تصوير الأشياء الطبيعية كحركة الماء أو صوت الطبيعة». ويتمنى أن تتاح له الفرصة لزيارة السعودية: «حلمي أن أزورها وأعتمر وأحج قبل أن أغادر الدنيا، ولو أتيحت لي الفرصة من وزارة الثقافة والإعلام بإقامة أمسية موسيقية في السعودية سأتشرف بذلك كثيراً». يذكر أن العازف العراقي صالح علوان من مواليد 1957، ولديه 5 أولاد، إلا أنهم لا يسكنون معه، إذ إن ظروفه المادية المأسوية حالت بينه وبين أبنائه وزوجته.