تتسم العلاقات بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية + ألمانيا، بالتوتر الدائم، خصوصاً مع الدول الغربية منها، بسبب الملف النووي الإيراني، وتدخلها في الكثير من المناطق التي تعتقد هذه الدول أن إيران تغذي التوتر وعدم الاستقرار فيها. ولذلك يشوب العلاقات بين إيران والغرب عدم الثقة والتوتر بين الطرفين، على رغم أن هذا التوتر لم يمنع التحادث وتبادل الرسائل الديبلوماسية، وحتى بعض العلاقات التجارية بطرق مباشرة أو غير مباشرة بين الطرفين. ولكن منذ وصول أوباما إلى البيت الأبيض وهدفه حل الوضع مع إيران، حول كثير من القضايا على رأسها الملف النووي، إذ تبين منذ بداية فترته أن شخصيته التحاورية والتفاوضية التي بدأت تنسج علاقات جيدة مع الدول الكبرى الأخرى كالصين وروسيا الدولتين المعارضتين لأي تصعيد مع إيران حول ملفها النووي، تختلف عن شخصية جورج بوش الابن التصعيدية، التي استغلتها دول عدة، على رأسها إيران، هذه الشخصية لإقناع الرأي العام الداخلي والعالمي، وكذلك قادة كثير من الدول المؤثرة كروسيا والصين، بأنها شريك لهم في الدفاع عن سياسة هيمنة وإقصاء وسيطرة على العالم، تقودها الولاياتالمتحدة الأميركية خلال فترة جورج بوش الابن. لقد كان للانتخابات الإيرانية الرئاسية الأخيرة أثر كبير وواضح في مفاوضات الملف النووي الإيراني من حيث إضعاف المفاوض الإيراني، خصوصاً بعد اكتشاف مفاعل قم الجديد، لذلك كان لها دور في المفاوضات الأخيرة مع إيران، إذ حاولت الدول الغربية أن تستثمر الوضع الداخلي الذي نتج عن هذه الانتخابات كورقة ضغط في التفاوض مع إيران حول ملفها النووي وعدد من القضايا الأخرى، وإن لم يحسنوا استخدامها بشكل فاعل لأسباب وعوامل عدة. كان لمشروع المدير العام لوكالة الطاقة الذرية بتخصيب اليورانيوم الإيراني في روسيا وفرنسا، فرصة كبيرة من النجاح لو جاء في بداية التصعيد الداخلي في إيران من المعارضة، على رغم أن المعارضة تصر، وبحسب تصريحات قادتها، على أنها لا تختلف مع الحكومة في موضوع الملف النووي وتخصيب اليورانيوم، علماً بأن جميع قادتها كانوا أعضاء في الحكومات السابقة، ويبدو أن هذا أحد العوامل التي لم تجعل الدول الغربية تتحمس لمشاريعها وتدعمها في معارضتها للنظام، إضافة إلى عدم اقتناع هذه الدول بقوتها الداخلية في التأثير على الداخل الإيراني بشكل كبير، ويحرك هذا الداخل نحو التغيير. اعتقد أن إدارة أباما بدأت استراتيجيتها لحل مشكلة الملف النووي الإيراني وغيره من المواضيع الأخرى مع إيران، منذ إعلان الرئيس أوباما خطته التفاوضية مع إيران وانتهاج الحل الديبلوماسي كمنهج لها، كمرحلة أولى، أتبعها إعطاؤه إيران مهلة لآخر العام للرد على مشروع الدول الكبرى بالتفاوض معها بجدية، الذي جاء من نتائجه مشروع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووافقت إيران في البداية على تخصيب جزء من مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب الذي لديها في روسيا وفرنسا. لكن السؤال المطروح هو: ماذا أعد أوباما للضغط على إيران قبل طرح المشروع الأخير؟ لقد كانت موافقة الرئيس الأميركي لتجميد مشروع الدرع الصاروخية في بولندا وجمهورية التشيخ بعد زيارته لروسيا، وبعد اللقاء الحار بينه وبين الرئيس الروسي ميدفيديف، الذي أظهر فيه الأخير بعض الميل لفرض عقوبات قاسية على إيران، إذا لم توافق على مشروع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي المرحلة الثانية في استراتيجيته لحل هذا الملف. ثم بعد ذلك بدأت المرحلة الثالثة وهي زيارة شرق آسيا ومن ضمنها الصين ليحاول إقناع الصين بالضغط على إيران للتفاوض وقبول شروط الوكالة الدولية، لحل مشكلة المفاعل النووي، مع تذكيرها بالدور الذي اضطلعت به الصين تجاه كوريا الشمالية، على رغم تردد الأخيرة في تنفيذ بنود الاتفاق مع الدول الست. لقد برزت أولى نتائج تجميد مشروع الدرع الصاروخية من خلال قيام روسيا بتأجيل تنفيذ تسليم إيران منظومة صواريخ «س 300» المضادة للطائرات، التي كانت ضمن صفقة أسلحة روسية، بحجة بعض البنود السياسية التي لم تنتهِ بين الطرفين، خصوصاً بعد حادثة اختطاف سفينة الشحن الروسية في المحيط الأطلسي الدراماتيكي، التي أشيع خلال تلك الفترة أن صواريخ «س 300» كانت ضمن الشحنة التي على السفينة ومتجهة إلى إيران. كما أن تأخير تنفيذ مفاعل بوشهر النووي من الروس، على رغم كل التصريحات التي يدلون بها، هو مؤشر على ضغط غير مباشر على إيران، تعززها تصريحات الرئيس ديمتري ميدفيديف، التي تدعو إيران للالتزام بالقرارات الدولية، على رغم أن هناك بعض التضارب في التصريحات بين المسؤولين الروس، فمنهم من يدعو إلى عدم الضغط على إيران، وعدم استنفاد السبل الديبلوماسية معها لحل مشكلة ملفها النووي، ما يخشى معه أن هناك عدم اتفاق بين أعضاء الحكومة الروسية، ووجود انقسام حول التعامل مع موضوع ملفها النووي الإيراني. لذلك يمكن أن تمثل زيارة أوباما التاريخية للصين، وفي هذه الفترة من رئاسته، نقطة تحول في العلاقات بين الدولتين حول الكثير من القضايا الاقتصادية والسياسية ومن ضمنها التعامل مع إيران حول ملفها النووي، كما أثمرت زيارته لروسيا، بتغيير موقفها، بشكل يجعل من إيران تقبل بمشروع الدول الست حول ملفها النووي. لذلك نعتقد أن كل المؤشرات تدل أن هناك بعض التغييرات الطفيفة بشأن اتفاق الدول الكبرى + ألمانيا تجاه الملف النووي الإيراني، إلا أن ما يخشاه المراقب أن تكون هذه التغييرات مرحلية، وللرد على تنازلات تجاه قضايا معينة من طرف تجاه الطرف الآخر، ما تلبث أن تظهر قضايا أخرى تكون محل اختلاف، وإلا بماذا نفسر تناقض بعض تصريحات المسؤولين في روسيا؟ وكذلك لماذا تراجعت إيران عن موافقتها المبدئية على مشروع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد أن وافقت عليه؟ وهل جاء هذا التراجع نتيجة معرفتها، أو الإيحاء لها، بأن هناك اختلافاً حول مشروع العقوبات تجاهها بين الدول الخمس + ألمانيا تجاه التعامل معها؟ هذا ما ستكشف عنه الأحداث في الأيام المقبلة. * أكاديمي سعودي