أعادت عملية استيلاء القوات الايرانية على بئر الفكة النفطي (جنوب العراق) قبل أيام اجواء التجاذب السياسي في العراق، وتصاعدت المواقف المنددة بطهران فأعلنت مجموعات مسلحة شيعية وعشائر استعدادها لتنفيذ عمليات ضد القوات الإيرانية. ونظمت في منطقة المنصور في بغداد تظاهرة حاشدة رفعت خلالها شعارات ضد إيران، شارك فيها أنصار نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وأنصار رئيس الوزراء السابق إياد علاوي. إلى ذلك، نفى السفير الايراني في بغداد حسن كاظمي قمي أمس السيطرة على البئر في حقل الفكة، على رغم تأكيدات عراقية باستمرار وجود القوات في هذا الحقل الذي يقع على الحدود بين البلدين. وقال: «لم يقع اي حادث في منطقة الفكة. لم تدخل اي قوة عسكرية ايرانية مطلقاً الى الاراضي العراقية»، وهناك «مخفر حدودي ايراني يقع على بعد مئة متر من البئر». لكن الاعلان الايراني لم يوقف أجواء التوتر السياسي والشعبي في العراق حيث صدرت سلسلة بيانات لجماعات مسلحة وعشائر أبدت استعدادها لمهاجمة القوات الايرانية. ووزعت في شوارع محافظات البصرة والناصرية وميسان بيانات وقّعها «شباب العروبة» و «هيئة مقتلي أبناء الرافدين»، و «عرب الجنوب» و «حركة تحرير الجنوب»، دعت الى «محاربة المحتل الايراني والتصدي له بكل السبل»، كما هددت بيانات اخرى ب «تنفيذ عمليات مسلحة داخل المدن الايرانية وفي العاصمة طهران اذا استمرت الحكومة الايرانية في التدخل في شؤون العراق والسيطرة على ثرواته». وقال الأمين العام المساعد للمجلس الشيخ محمد الزيداوي في مؤتمر صحافي إن «مجلس عشائر التحرر والبناء في الجنوب شكل كتيبة تحمل اسم أسد الله الغالب ستتولى تحرير البئر الرقم أربعة في حقل الفكة، وطرد القوات الإيرانية من أي شبر يقع ضمن حدود العراق». وأوضح الزيداوي أن «الكتيبة هي قوة عشائرية شكلت بمشاركة وتأييد 126 عشيرة، معظمها من محافظات البصرة، وميسان، وذي قار، وبعضها من محافظات واسط، والأنبار، وديالى»، مؤكداً أن «الكتيبة ليست ميليشيا حزبية أو مجموعة إرهابية، وإنما قوة عشائرية وطنية ولديها القدرة على بلوغ عمق الأراضي الإيرانية، للدفاع عن أراض العراق». وتابع أن «الديبلوماسية العراقية، حتى الآن، لم ترتق إلى مستوى الأزمة التي افتعلتها الحكومة الإيرانية والتي تعبر عن مدى حقدها على العراقيين». وفي الإطار ذاته، اكد رئيس مجلس أعيان محافظة ميسان الشيخ عبدالكريم المحمداوي (احد اعضاء مجلس الحكم السابق في العراق) تشكيل مجموعة مسلحة باسم «جند الله» قال ان هدفها «التصدي لكل من يحاول تدنيس الاراضي العراقية والاستيلاء على مقدرات الشعب إذا استمرت الحكومة العراقية في صمتها تجاه هذه التجاوزات». وأضاف ان «حرس الحدود الايرانية قاموا بالسيطرة على بئرين أخريين هما الرقم 11و 13 ويقعان جنوب حقل الفكة». وأشار الى ان الحكومة المحلية في محافظة ميسان طالبت الحكومة المركزية بالتدخل الفوري والسريع وإظهار قوتها على الصعيد السياسي من خلال استدعاء السفير الإيراني. وحمّل «الحكومة والبرلمان العراقيين مسؤولية هذه الخروقات باعتبارهما ممثلي الشعب وواجبهما الدفاع عن الاراضي العراقية». تظاهرات تنديد في بغداد انطلقت امس في منطقة المنصور تظاهرة حاشدة ضمت المئات من مؤيدي الهاشمي وعلاوي للتنديد باحتلال بئر الفكة. وقالت النائب عالية نصيف عن «القائمة العراقية» في اتصال مع «الحياة» انه «تم تنسيق الجهود بين الزعيمين (علاوي والهاشمي) لاطلاق التظاهرة الحاشدة تنديداً بسياسة طهران تجاه العراق وتجاوزها السافر لكل المواثيق والمعاهدات الدولية التي تلزمها احترام سيادة العراق وعدم تجاوز اراضيه وفق الترسيم الحدودي الدولي المتفق عليه». وتابعت ان «ما شجع على اطلاق هذه التظاهرة التي بدأت خطواتها الاولى من مقر حزب الوفاق الكائن في المنصور، المواقف الحكومية الخجولة ازاء تلك الانتهاكات الخطيرة التي تمارسها ايران ضد العراق. وما نخشاه ان تكون تلك التجاوزات خطوة تمهيدية لانتهاكات وتجاوزات اكبر». وكانت محافظة كربلاء شهدت تظاهرة لعشرات المحامين أمام القنصلية الإيرانية احتجاجاً على سيطرة القوات الإيرانية على البئر التي تقع شرق محافظة ميسان. وردد المتظاهرون شعارات مناوئة للحكومة الإيرانية مطالبينها بسحب قواتها فوراً. ودعا بعضهم الدول العربية والجامعة العربية إلى مساندة العراق في وجه «الأطماع الإيرانية». وفي الفلوجة، تظاهر الاهالي للغرض ذاته، مطالبين باسترجاع البئر ومحمّلين الحكومة مسؤولية الصمت. وبدا التباين واسعاً بين جبهة علاوي – الهاشمي التي وجهت انتقادات لاذعة الى الحكومة وأحزابها، والحزبين الشيعيين الرئيسين «المجلس الاسلامي الاعلى» و «حزب الدعوة» اللذين انتقدا التصعيد الاعلامي والشعبي، متهمين بعض السياسيين باستثمار الحدث إعلامياً. وطالب الهاشمي ايران بالانسحاب الفوري من الاراضي العراقية، ونقل بيان تسلمت «الحياة» نسخة منه، عن الهاشمي قوله ان «ما تعرض له حقل الفكة النفطي يؤكد من جديد مطامع إيران في الأراضي العراقية وفي ثروات العراق. وانسحاب إيران إلى سواتر ترابية محيطة بالبئر وإنزال العلم الايراني لا يكفيان». ودعا الى «عدم تعليق الامر على خلفية مزاعم كاذبة باعتبار أن البئر متنازع عليها .البئر تقع ضمن الأراضي العراقية وعلى هذا الأساس أوجّه ندائي الى ايران وأذكّرها بما تقوله من انها مع العراق وأنها تدعم العملية السياسية، فإذا كانت تطمح الى علاقات جيدة فلتكف أذاها عنا». لكن القيادي في «حزب الدعوة» علي الأديب انتقد الاصوات التي «تحاول تصعيد الموقف»، وقال ان «حل موضوع البئر الرابعة لا يتم الا من خلال الحوار الديبلوماسي، وليس من خلال التصعيد العسكري الذي دعا اليه بعض السياسيين». وأضاف ان «التصعيد الاعلامي مرفوض. ومن يدلي بهذه التصريحات يمتلك ثقافة التأزيم وثقافة صدام الذي اتبع طريق حافة الهاوية وهذه الشخصيات موجودة في بعض الكتل السياسية». وتابع ان «هذه التصريحات فيها دوافع سياسية لأن المشاكل تحل من طريق الديبلوماسية والعلاقات واللجنة المشتركة بين البلدين». من جانبه، ربط «المجلس الاسلامي الاعلى» المقرب من ايران بين حل مشكلة «بئر الفكة والخلافات بين العراق ودول الجوار». وأكد القيادي في» المجلس» النائب عبد الأمير الغزالي في اتصال مع «الحياة»: «نرفض اي تجاوز يمس السيادة العراقية كما نرفض استحواذ بعض دول الجوار على اجزاء من الاراضي العراقية وضمها الى حدودها الرسمية على خلفية هبات كان يقدمها لهم الرئيس المخلوع». وتابع: «حتى الآن لم نحصل على صورة واضحة تحدد ملامح التجاوز الايراني على البئر وعودة قواتها الى نقطة ما قبل التوغل، وهذا يعني وجود تضارب في المعلومة». ولفت الى ان «مسألة بئر الفكة تدفع باتجاه مناقشة كل التجاوزات التي تعرضت لها اراضي البلاد ومن بينها تجاوز السعودية والاردن». وأكد الخبير القانوني طارق حرب في اتصال مع «الحياة» ان «بئر الفكة عراقية بالكامل أنشأتها الشركات الاجنبية المختصة بالتنقيب عن النفط في سبعينات القرن الماضي، فضلاً عن ان اتفاقية الجزائر الموقعة عام 1975 تلزم الجانب الايراني احترام سيادة العراق وعدم تجاوز اراضيه».