لم يعد المشهد الوعظي والجهد الاصلاحي بأدواتهما التقليدية قادرين لوحدهما في التأثير للحد من انتشار الجريمة بأنواعها المختلفة كافة عموماً، والجرائم الأخلاقية خصوصاً! مع الاحتفاظ النسبي لنماذج معينة من الدعاة الناصحين والسعاة المصلحين والعلماء الربانيين، وهم قليل بالنظر لمجموع السكان الكلي على امتداد جغرافية بلادنا المترامية الأطراف! هم بطبيعتهم كانوا بالغي التأثير في غيرهم لامكاناتهم القادرة على الربط بين المعاصرة والأصالة والالمام بالمستجدات، فاستطاعوا التعامل مع المستهدفين بأسلوب معاصر يتجانس وطبيعة البيئة الدافعة لظاهرة الجنوح البشري بكل أنماطه الذي يبرز في الواقع ببشاعته القائمة! ما نقرأه ونسمعه في وسائل الاعلام في الآونة الأخيرة يسهم في نقل صور مؤلمة عن تفشي الجريمة الأخلاقية والجنائية والاقتصادية وغيرها، لا سيما التي لها مساس بالرأي العام، فنرى هذه النخبة من المعالجين استطاعوا بقدرتهم المستنيرة أخذ زمام المبادرة والاحتساب من اجل التغيير، فتمكنوا بشكل ضئيل من خلق مناخ ملائم في أوساط المستهدفين الذين وقعوا ضحايا في مصائد وفخاخ الجريمة ودهاليزها المخيفة، ومسالكها المتشعبة، ونهاياتها الأشد خطراً والأشرس فداحة! ومشاركة المستهدفين في فهم الأسباب وتشخيص الأعراض بمزيد من الوعي واتاحة فرص الانصات اليوم ومساعدتهم لكي يتجاوزوا نزعاتهم ودوافعهم المسيطرة على فطرتهم، التي ساقتهم الى منحى مؤسف ومؤذٍ وهو ما يجسده مشهد الجريمة، الذي زادت مساحة وجوده في وقتنا الراهن، فأصبحنا نقرأ عن مقتل الأب لابنه والعكس! وقتل الابن لوالديه! والأخ لأخيه، والاعتداء بشراسة على الطفولة في براءتها وعفويتها مع الإصرار والترصّد! أقول وبلا غضاضة هناك فئات عمرية قاصرة عن فهم طبيعة المرحلة الزمنية التي يعيشونها، وهم «جوعى عاطفياً»، فتراهم يقفون موقف الضد والعنت مع من يقصيهم أو ينتقدهم، فضلاً عن أن يوبّخهم ويصمهم بأنهم ضعفاء في وازعهم الديني أو يلقي بالنقد جزافاً من دون اقناعهم والاكتفاء بالقول بأنهم بعيدون عن الله، ثم لا يدركون من يقترب منهم للأخذ بأيديهم نحو الاشباع العاطفي وتعويضهم ما فقدوه! بلا شك أن الوازع الديني في سياق التربية هو صمام الأمان لكل من ينشد حياة مطمئنة... هم يريدون معالجين يستطيعون التغلغل بعمق في ذواتهم والالتصاق شعورياً بمعاناتهم من خلال المصارحة والشفافية والممارسات والحوارات والولوج بكل صدق الى وجداناتهم، ويختلف شعور كل مجرم عن الآخر باختلاف جريمته ودوافعها في أنماط عجيبة وعوامل مختلفة الغايات والنزاعات! الباحثون والمتخصصون في سبر أغوار النفس البشرية قد يجدون عند الكشف عن عوار أي جريمة ما يرون أن الأسباب قد لا تعدو أن تكون الدوافع مادية أو نفسية كالفقر مثلاً، الذي يلقي بشبحه المخيف على أفراد بعض الأسر غير المتعلمة، فيكون الجذوة الأولى نحو الجنوح الجنائي أو الأخلاقي، أو ربما تكون الممارسات الخاطئة في التربية من الوالدين منذ الصغر وما أكثرها في مجتمعنا! من خلال العنف واستخدام الوخز بالألفاظ والضرب المبرح وما الى ذلك من تصرفات عنيفة! كذلك عدم الاستقرار الأسري، كالمشكلات الناشئة بين الوالدين والتي تنتهي بالطلاق، وكذلك من الأسباب عدم وجود دخل ثابت للانسان ليسد حاجات من تربطهم به أواصر، فيرى نفسه بلا دور في المجتمع فيبدأ يفكر بطريقة سيئة! ضعف الوازع الديني مؤشر خطر، واستعمال المخدرات والرغبة في الثراء السريع، هذه طبعاً ليست كل الأسباب، لكن تخيلوا لو أن كل سبب أو عنصر من هذه حظي باهتمام بالغ من المعنيين بطرق العلاج واستفاض دراسة من علماء النفس والعارفين بخباياها وبذل قصارى الجهد، فمن المؤكد ستكون النتائج ايجابية ومثمرة وحميدة. متى نضع في اعتبارنا عندما نأتي لندرس دوافع الجرائم «الكبت» الذي نرى من مظاهره الكتابة على الجدران في الطرق العامة من الشباب، بهدف التنفيس عما في داخل النفس من ضغوط واسباب تبعث على الشعور بالعزلة والألم، كذلك النظرة القاصرة نحو المرأة في مجتمعنا، على أنها جاءت الى الدنيا من أجل الغريزة الجنسية!