لم تثن بيانات وزارة التجارة الأميركية، التي أظهرت أن الاقتصاد نما في الفصل الأول من 2015 بنسبة ضئيلة بلغت 0.2 في المئة، مجلس الاحتياط الفيديرالي عن توقع «نمو معتدل» للفصول الثلاثة المتبقية، فألمح إلى تمسكه بنيته رفع الفائدة في وقت متأخر من هذا العام. وجاء في بيان للمجلس: «على رغم تباطؤ النمو في الإنتاج والوظائف في الفصل الأول، يتمسك المجلس بتوقعاته أن النشاط الاقتصادي، في ظل السياسات المطلوبة، سينمو في شكل معتدل». وعزا المصرف المركزي، في البيان الذي أصدره بعد يومين من لقاءات عقدها قياديوه، تباطؤ الاقتصاد الأميركي إلى ما سماه «عوامل موقتة»، مثل الشتاء القارس والبلبلة التي أصابت القطاعات العمالية في المرافئ الغربية للبلاد بسبب ذلك. ويُعد «الشتاء القارس»، وهو من الأبرد في الجهة الشرقية من أميركا الشمالية في السنوات الثلاثين الماضية، السبب ذاته الذي نسِب إليه تقلص النمو الأميركي في الربع الأول من العام الماضي بواقع 2.9 في المئة. لكن في دراسة صادرة عن مجلس شيكاغو للاحتياط الفيديرالي، وهو أحد المصارف التي يتشكل منها مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي (البنك المركزي)، رأى الخبيران الاقتصاديان جستن بلوش وفرانسوا غوريو أن لا علاقة واضحة بين التباطؤ الاقتصادي والشتاء القارس. وجاء في الدراسة أن أبرد فصل ممتد بين كانون الثاني (يناير) وآذار (مارس) في السنوات الثلاثين الأخيرة كان عام 1985، ففي ذلك الوقت نما الاقتصاد الأميركي بواقع أربعة في المئة. وتابعت الدراسة أن الاقتصاد في أكثر شتاء شهد تساقطاً للثلوج وذلك عام 1998، نما بنسبة 2.3 في المئة. أما في الشتاء الأقل برودة في السنوات الثلاثين الأخيرة، والذي حل عام 2009، فشهد الاقتصاد الأميركي تقلصاً بلغ 5.4 في المئة. وفي ظل هذه المؤشرات المتضاربة، قال الباحثان: «نتائجنا تدعم في شكل عام فكرة أن للمناخ علاقة مؤثرة، وإن كان في المدى القصير، في النشاط الاقتصادي، وباستثناء بعض القطاعات، تتأثر بالمناخ غالبية القطاعات الاقتصادية مثل البناء والسياحة، وإلى درجة أقل المبيعات». لكن التأثير المذكور، وفق الباحثين، «ليس كبيراً جداً، ما يعني أن الشتاء الذي لا يكون قارساً مثل شتاء 2013 - 2014، لا يمكّن من ربط الاقتصاد الضعيف بالطقس كلياً»، ما يعني أن عوامل أخرى لا بد من أن تؤدي دورها في التباطؤ. وتابعت الدراسة: «أظهرت بيانات المدخول الوطني وحسابات الإنتاج أن جزءاً مهماً من التباطؤ في الفصل الأول جاء بسبب تصحيح المخزون الناجم عن تراجع في التجارة الخارجية»، مضيفة أن التراجع في البيانات لم يأت في شكل متواز، أي أن بعض القطاعات تراجع في كانون الأول (ديسمبر)، وبعض آخر في كانون الثاني، وغيرها في شباط (فبراير)، ما يعني أن لا فترة مناخية واحدة يمكن أن تكون هي المؤثرة الرئيسة في التراجع عبر القطاعات. بدورها كتبت المعلقة تيريزا تريتش في صحيفة «نيويورك تايمز» أن «الطقس طرح نحو نقطة مئوية واحدة من النمو في الربع الأول، ما أثر سلباً في البناء والإنفاق العام ومبيعات السيارات». وللمقارنة، تقول تريتش، «أدى العجز التجاري إلى انتقاص 1.25 نقطة مئوية من النمو، ويعزى ذلك إلى انخفاض الصادرات في مواجهة الدولار القوي والضعف الاقتصادي العالمي». وأضافت: «الشتاء ينتهي غالباً في الموعد المحدد، لكن لا أحد يعرف إلى متى ستؤثر التجارة سلباً في النمو، أو إلى أي مدى من السوء سيصل التأثير». ولم يكد ينقضي الشتاء، حتى بدأت التقارير تشير إلى عودة الاقتصاد الأميركي إلى عافيته، وفق التقارير الأولية لوزارة التجارة حول طلبات المساعدة التي يقدمها العاطلون من العمل، إذ انخفضت إلى 262 ألف طلب الشهر الماضي، وهي النسبة الأدنى منذ عام 2000، ما يعزز فرضية أن تقرير الوظائف الذي جاء في آذار الماضي، كان استثناء. كذلك أظهرت تقارير الوزارة أن إنفاق المستهلكين، الذي يشكل ثلثي الناتج المحلي الأميركي، ارتفع 0.4 في المئة الشهر الماضي، بعدما ازداد 0.2 في المئة في شباط. وهكذا، في وقت لا يجزم الخبراء الأميركيون بالأسباب الحقيقية الكامنة خلف كبوتي الفصل الأول، لهذا العام والعام الماضي، ما زالت توقعاتهم بعودة النمو إلى مستويات مقبولة تبدو حقيقية، وهي ثبتت العام الماضي، ويرجح أنها ستتأكد هذا العام أيضاً.