تحقق صناعة الأحذية في إسبانيا انتشاراً واسعاً لكن هذا النشاط الاقتصادي لا يزال في الظل. وتُعرف منطقة فالنسيا على السواحل المتوسطية بشواطئها، لكن كثراً لا يعلمون أنها الرئة الاقتصادية لهذه الصناعة في إسبانيا، التي تحتل المرتبة الثانية فيها أوروبياً بعد إيطاليا، بإنتاج 96.5 مليون زوج حذاء عام 2013. وأكد خوسيه البيرولا مولينيس وهو مدير شركة يعمل فيها 65 موظفاً، ومتخصصة بصناعة الأخفاف والأحذية الرياضية من القماش، أن «الصناعات الإسبانية تلقى رواجاً» في الخارج. وتضم فالنسيا أكثر من ثلثي الشركات العاملة في القطاع البالغ عددها 1400، خصوصاً في محيط مدينتي إلدا وإلتشي على بعد نحو 200 كيلومتر جنوب فالنسيا. في هذا الموقع، لا تقوم الصناعة على إنتاج كميات كبيرة بل تشبه أكثر الصناعات اليدوية في شركات صغيرة ومتوسطة الحجم. وتتخذ شركات كبيرة في القطاع مثل «لوبوتين» للأحذية الرياضية أو «زارا»، مصانع لها في هذه المدينة. كما يشتهر الموظفون في المدينة البالغ عددهم 25300، بحرفيتهم العالية مستفيدين من البراعة التي تناقلتها الأجيال منذ القرن التاسع عشر. وعاشت هذه الصناعة عصرها الذهبي في سبعينات القرن الماضي، عندما نقلت شركات أميركية إنتاجها إلى إسبانيا التي كانت حينها تعيش حالة عزلة ولم تكن نامية بقوة على الصعيد الاقتصادي. وكما هي حال جيران إسبانيا الأوروبيين، فهي واجهت وقف تحديد حصص الاستيراد من الصين عام 2005، لكن نجحت في المقابل في الحفاظ على إنتاج بنوعية متوسطة وعالية، وبلغت صادراتها مستويات قياسية عام 2013، محققة 2.64 بليون يورو، مع متوسط سعر زوج الحذاء من الجلد عند 31 يورو. لكن لهذا النجاح ثمناً، إذ لفت خوسيه ماريا مولينيدو من نقابة «غيستا» التابعة لوزارة المال، إلى أن القطاع «منخرط في اقتصاد الظل». ولا يحصل بعض المهمات كتقطيع الجلد والقماش والخياطة بطريقة منهجية في المصانع، لكن تُلزّم إلى معامل أو توكل إلى أشخاص يعملون في منازلهم وهم من النساء، ما يساهم في تشجيع هذه الظاهرة. وتشكل هذه الحرفة بالنسبة إلى العاملات في هذا المجال، وسيلة لجني أموال مع استمرار الاهتمام بأطفالهن في المنزل. ووفقاً لمانويل مولينا العامل في القطاع، كما والديه وستة من أشقائه وشقيقاته، فإن الأزمة الاقتصادية «عززت هذا الاقتصاد غير الرسمي». ولا تملك وزارة العمل أرقاماً عن حجم هذا النشاط المصنف غير قانوني. لكن دراسة أعدّها جامعيون في مدريد ونُشرت نتائجها عام 2014، توقعت أن «تصل نسبة الإنتاج في الظل إلى 50 في المئة، في مقابل 20 في المئة من الاقتصاد الإسباني». ويرفض اتحاد صناعيي الأحذية في إسبانيا التطرق الى هذه المسألة، مفضلاً التحدث عن النهضة التي شهدها القطاع منذ ثلاث سنوات بفضل الصادرات إلى نحو 170 بلداً. ويوضح الأستاذ في جامعة مدريد المستقلة كارلوس دي كاسترو، الذي شارك في هذه الدراسة المتمحورة في شكل رئيس على مدينة إلدا، أن «التزوير قد يتخذ اشكالاً كثيرة». إذ يتجلّى هذا الأمر مثلاً من خلال الخيّاطات اللواتي يعملن في المنازل خلافاً للقانون، أو عبر الرجال وفي أحيان كثيرة من المهاجرين، الذين يعملون حمالين في إفراغ حمولات الشاحنات وتعبئتها، وكذلك في عدم دفع أجر ساعات العمل الإضافية للموظفين. كما يعمد بعض الشركات إلى عدم الإفصاح عن عدد موظفيه الكامل، في حين تلزّم أخرى أعمالها لمصانع سرية. كما أن الرواتب التي يتقاضاها الموظفون في القطاع متدنية، لأنها تتراوح بين 963 و1060 يورو تبعاً للخبرة، وسط التزايد الكبير في عدد العقود الموقتة. ويُستبعد أن تفضي النهضة الأخيرة في القطاع، إلى «إعادة النظر في الرواتب» وفقاً لكارلوس دي كاسترو لأن «التنافسية في سوق معولمة تتطلب تقليص التكاليف والحصول على منتج عالي الجودة». لكن الخطر يبقى في إحجام الشبان عن امتهان هذه الصنعة، نظراً إلى ضعف مداخيلها وظروف العمل الصعبة التي يعانيها أهاليهم، ما يؤدي إلى فقدان هذه المهارات عبر الأجيال. ويعتبر الأستاذ الجامعي، أن «تعلم المهنة يكون من الجدة والوالدة وينتقل عبر الأجيال» وليس في المدارس.