سمعت مقولة «اعمل خيراً شراً تلقى» وأعجبتني لجمال ألفاظها ووزنها، وتكرر سمعي لها طوال حياتي، وقد أمعنت النظر في مدلولها ومعناها، فوجدت بطلانه، فأحببت أن أوضح معنى هذه الجملة التي نرددها كثيراً، ومعناها: أنك إذا عملت معروفاً أو عملاً طيباً لشخص من الناس فإنه يكافؤك على معروفك له بمنكر أو ذم أو انتقاص، فأنت عملت له خيراً فلقيت منه شراً، هذا هو معنى هذه العبارة المنتشرة في المجتمع. وفي الحقيقة أن هذه القاعدة لست صحيحة إلا في حالات نادرة قليلة لا يعتد بها، فنحن نرى أن الناس يمجدون من قدم لهم المعروف، ويحمدون من ساعدهم وعاونهم، ويُكثرون من الدعاء له، هذا في حال غيابه، فكيف إذا كان حاضراً، فأين الشر الذي لقيه منهم؟ ثم إن هذه القاعدة إذا كانت صحيحة فمعنى ذلك: لا تعملوا للناس أي عمل ينفعهم، ولا تساعدوهم ولا تعاونوهم، لأنهم سيكافؤنكم بالسب والشتم وسيؤذونكم، وإذا امتنعتم عن مساعدتهم فستسلموا من سب الناس وإيذائهم، فهذا هو مقتضى هذه العبارة. وقد رأيت من الناس من جعلها شعاراً له، بل ويدعو اليها ويحث عن تطبيقها، وفي نظري أنه يجب أن تطبق معه هو فقط، أما غيره فتعاملهم على الأصل المنتشر بين الناس وهو «رد الجميل، و«الاعتراف لأهل الفضل»، و«مكافأة المحسن»، أما من تعاملوا بهذه القاعدة فإننا نمتنع عن مساعدتهم حتى نسلم من شرهم وأذاهم. ومثل هذه الشعارات يجب إعلان العداء لها، ورفع الشعارات الصحيحة السليمة، حتى ينتج لنا جيل معطاء بناء يسعى للعلا، ويصعد إلى المعالي.