في محاولة لاستعادة تجليات الخط العربي كقيمة جمالية وتراثية أصيلة غيبتها تكنولوجيا العصر الحديث، استضاف مركز «الحرية للإبداع» في الإسكندرية، الملتقى الدولي لفنون الخط العربي والذي افتتحه نقيب الخطاطين خضير البورسعيدي والفنان الصحافي محمد بغدادي منسق المعرض. شارك في الملتقى 107 فنانين من 13 دولة، هي: سورية والسعودية والسودان والمغرب والأردن والعراق والكويت والإمارات ولبنان وتونس والصينوباكستان ومصر، وقدّم الفنانون المشاركون 160 لوحة وعملاً فنياً من روائع فنون الخط من مختلف المدارس الفنية والتي تنوعت بين الأصيل والحديث والغرافيكي. يرى نقيب الخطاطين صاحب مدرسة «توالد الحروف» خضير البورسعيدي، ضرورة في الحفاظ على إرثنا العربي النادر، وأهمية أن تتوارثه أجيالنا الشابة، لافتاً إلى أن الملتقى جمع بين الومضة الفنية، والإضافة الذكية، والقدرة على الابتكار والتجديد، والتي عكستها إمكانات المشاركين على اختلاف أعمارهم وتجاربهم الفنية. وتضمّن المعرض آيات قرآنية ومأثورات وأشعار صممت بأشكال وخطوط استخدمت فيها مذاهب الخط العربي المختلفة، كما أن كثيراً من الشباب عمد لاستخدام الحرف كنسق جمالي، بعيداً من وظيفته كفعل صوتي. ويوضح البورسعيدي أن الحكومات العربية لا تعطي للخط العربي الاهتمام الكافي، كونه أحد أهم الفنون التي تعكس تطور الفكر الإنساني في الدراسات الأنثربولوجية الحديثة. ويقول: «أصبح الملتقى يميل للاستسهال،من خلال التكنولوجيا التي تفتقد الحاسة الفنية، حيث تجد الخط اليدوي تقلَّص بعد استخدام الكومبيوتر في الكتابة». ويؤكد عبد الرحمن نور محمد أمجد (السعودية) ما تقدّم به البورسعيدي، مشيراً الى غياب العنصر الجمالي للحرف العربي عبر وسائل التكنولوجيا، موضحاً أن الذين يشرفون على تلك الثورة الرقمية لا يعبأون كثيراً بهذا الجانب المهم. اللافت في الملتقى تعدد الأجيال وتباين الأداءات الفنية، ما كرّس لاتساع الهوة الثقافية والفنية بين التكنولوجيا الرقمية وموسوعية خياراتها الفنية والإبداع اليدوي المرهف ودقة تفاصيله. وحظي الملتقى بمشاركة عميد الخطاطين العرب محمود إبراهيم سلامة (96 سنة)، وهو الخطاط الوحيد الذي كتب المصحف الشريف بخط الثلث، وحصل على الإجازة في كتابة الخط العربي من كبير الخطاطين الأتراك بعدما جاوز التسعين من عمره، ويعكف حالياً على كتابة المصحف السادس بخط الثلث الجلي، بعد ما بلغ عامه الخامس والتسعين، وصار شيخاً للخطاطين على مستوى العالم أجمع، ويكمل الآن كتابته بخط الثلث ليدخل به موسوعة غينيس العالمية. من الأعمال التي لاقت إعجاباً كبيراً لوحات الفنان خالد أبو حرشة الذي يقوم بتحويل الخط الفني العضوي بانحناءاته وتكويراته إلى مجموعة من حروف وزخارف الخط العربي، إذ يدمج الخط العربي مع الرسم. رسم أبو حرشة وجه الشاعر هشام الجخ باستخدام كلمات قصيدته «أيوه بغير»، كما رسم وجه كوكب الشرق أم كلثوم باستخدام كلمات أغنية «أغداً ألقاك»، وأغنية «جدع بلا جاه» رسم بها وجه محمد منير. وهناك أيضاً لوحة محمد أشرف هيرا (باكستان) الذي أكد أهمية نشر ثقافة الخط العربي، «فهو فن إبداعي يحمل بهاء الماضي المدثر بقدسية دينية». ويوضح الخطاط محمد علي (الصين)، الذي أسلم في مصر وتخصص في فن الخط العربي وتعلمه في مركز الخط العربي في حي الحسين: «لا يدرك كثيرون جمال الخط العربي، فهناك فنانون غير عرب تطلق عليهم تسمية «الحروفيون»، وهم يتخذون الحروف نسقاً فنياً إبداعياً بعيداً من جمل الخط التراثية والقرآنية»، لافتاً إلى أنه «عند عودته إلى بلاده سيسعى إلى نشر هذا الفن وتعليمه». ومنح الملتقى عدداً من الجوائز وشهادات التقدير للأعمال المميزة لكل من محمد أبو الأسعاد (مصر) ومحمد أشرف هيرا (باكستان)، وعقي حميدي (المغرب)، كما كرم الملتقى الأديب محمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، والدكتور عبدالله فتيني من السعودية، والدكتور راشد دياب من السودان، والدكتور عبدالرضا داوود بهية من العراق، والفنان محمد حمام ومحمود إبراهيم سلامة من مصر. وأقيمت على هامش الملتقى 8 ورش عمل فنية تبدأ بالتذهيب والزخرفة وسر الصنعة.